مثل نشر مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، القائمة السوداء، المتضمنة أسماء الشركات العاملة في المستعمرات الاستيطانية غير الشرعية، إنجازا هاما من ناحيتين أساسيتين.
إذ جاء نشر القائمة بقرار من مفوضية حقوق الإنسان بيشوليه، بمثابة صفعة مدوية لصفقة القرن وفريقها، ولنتنياهو شخصيا، وتحديا للضغوط الأمريكية والإسرائيلية التي أعاقت نشر القائمة لثلاث سنوات.
ومن ناحية ثانية فإن نشر القائمة السوداء بأسماء مائة وإثنى عشر شركة تخرق القانون الدولي، بما فيها ست شركات أميركية، وأربع هولندية،وثلاث بريطانية، واثنتان فرنسيتان، وواحدة من لوكسمبرغ بالإضافة إلى ست وتسعين شركة إسرائيلية، يفتح الباب على مصراعيه لتصعيد حركة المقاطعة ضد هذه الشركات وضد المستعمرات الاستيطانية، وضد منظومة الأبارتهايد الإسرائيلية بمجملها.
وستواجه هذه الشركات ثلاثة أشكال هامة من الضغوط والعقوبات.
أولها، المقاطعة الشعبية لهذه الشركات ومنتجاتها في مختلف دول العالم وبتشجيع من حركة المقاطعة وفرض العقوبات .
ومن يستهين بتأثير المقاطعة الشعبية عليه أن يتذكر كيف اضطرت شركة "صودا ستريم" ألى إغلاق مصانعها في المستعمرات الاستيطانية في الأراضي المحتلة.
وستؤدي المقاطعة الشعبية إلى خسارة كبيرة لهذه الشركات، وإلى إغلاق معظم الشركات الأجنبية لفروعها في المستعمرات.
الشكل الثاني سيكون سحب الاستثمارات من هذه الشركات، مما يعني كارثة مالية لها، وصدور القائمة عن مؤسسة الأمم المتحدة، يوفر الأساس الأخلاقي والمعنوي لصناديق الإستثمار الدولية، لسحب استثمارتها من هذه الشركات والبنوك، وخاصة البنوك وشركات الإتصالات الإسرائيلية.وهناك سوابق بارزة في هذا المجال، عندما قامت كنائس عديدة في الولايات المتحدة وإفريقيا، بتحريم الإستثمار في شركات عاملة في المستوطنات، وهذا ما قام به صندوق الإستثمار النرويجي الضخم.
ومن المؤكد أن البنوك، وشركات الإتصالات والتكنولوجيا الإسرائيلية، والتي تعتمد على نشاطها الاقتصادي العالمي في عدة بلدان، ستتلقى ضربة قاسية وستواجه بالتأكيد موجات من المقاطعة وسحب الإستثمارات.
أما الشكل الثالث، فهو إمكانية ملاحقة الشركات الأجنبية العاملة في المستعمرات و فروع الشركات الإسرائيلية في بلدان العالم، قضائيا في محاكم مختلف الدول باعتبارها تخرق القانون الدولي، وقوانين العديد من البلدان التي تحرم ذلك.
نقطة ضعف كل هذه الشركات أنها قائمة أساسا لتحقيق الربح المالي، و نقطة قوة حركة المقاطعة أنها ستلحق بها خسائر مالية فادحة، مما سيجبرها في النهاية على الإنسحاب من المستعمرات الاستيطانية.
لم تكن صدفة، أن يصاب نتنياهو بالهستيريا بعد إصدار القائمة السوداء، والذي أيقظه من أحلام وأوهام صفقة القرن، وأعاد تأكيد عزلة الصفقة ومحدودية قدرة الأدارة الأميركية على ممارسة ضغوطها الشرسة على المؤسسات الدولية.
ولم يجد نتنياهو ما يقوله سوى أن يعلن " أن الولايات المتحدة أهم من الأمم المتحدة"، ويذكرنا ذلك بالنزعة الفاشية التي قال أصحابها أن جبروت دولهم أهم من عصبة الأمم ومن القانون الدولي، وانتهى بهم الأمر في مزبلة التاريخ.
هناك فرصة متاحة، بعد نشر القائمة لتصعيد حركة المقاطعة وفرض العقوبات وسحب الإستثمارات محليا وعربيا ودوليا، لتشكل رافعة من روافع إستراتجية كفاحية لإصلاح الخلل القادم من ميزان القوى، الذي سمح بنشر الوثيقة الأوقح، والأقبح، في عصرنا، صفقة القرن.
بقلم د. مصطفى البرغوثي
الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت