فيلم مصري أنتج عام 1992 للمخرج المصري عاطف الطيب ومن بطولة احمد زكي وهو عن مافيا التعويضات وفساد الحكومة في عصر الانفتاح في الثمانينيات وما بعدها, وسنحت لي الفرصة لمشاهدته في احد دور العرض السينمائي في شارع الحبيب بورقيبة على هامش مهرجان قرطاج السينمائي الدولي, حيث نال الراحل احمد زكي على جائزة احسن ممثل عن الفيلم في مهرجان قرطاج في دورته الرابعة عشر في تونس الشقيقة في بداية تسعينيات القرن الماضي.
وتتلخص قصة الفيلم عن حادثة اصطدام حافلة مدرسة بقطار نتيجة خلل او إهمال مزلاقانات السكك الحديدية, يتولى القضية احد محامي التعويضات, احمد زكي حيث كان بداية الفيلم وقبل تلك الحادثة محامي للدفاع قضايا الدعارة والمخدرات والتعويضات وحين عرضت عليه قضية التعويضات عن ضحايا تلك الحادثة ومحاولة شراء الضحايا بالترغيب والترهيب مقابل سكوتهم ولفلفلة القضية, ليفاجأ أن من بين الضحايا ابنه من زوجته السابقة فيستيقظ ضميره على وجعه الخاص ويحول القضية الى شان عام تهتم به مؤسسات الدولة ويستدعي الوزير وجهات نافذة في الدولة للاستجواب وتحميلهم المسؤولية.
-2-
ومنذ ذلك التاريخ بقي الفيلم وفكرة لماذا لا يتحمل صاحب القرار المسؤولية ويقر انه قصر هنا او هناك كلا في موقعه والسبب الآخر لبقائه تلك السنين في الذاكرة رغم الأوضاع السيئة في اغلب الدول العربية نادرا ما قدم مسئول او وزير عربي استقالته طوعا تعبيرا عن احترامه لذاته وانه وصل لطريق مسدود أو أخطأ أو على الأقل لم يقد مؤسسته نحو النجاح او يحدث نقلة نوعية أو انه غير كفؤ أو استنفذ طاقته للعمل والعطاء, باستثناء طيب الذكر الراحل عبد الرحمن سوار الذهب والذي قاد انقلابا عسكريا بالسودان أواخر الثمانينات من القرن الماضي ووعد بإجراء انتخابات وتسليم السلطة للمدنيين خلال تسعة أشهر, والتزم الرجل بوعوده وموعده وانسحب بهدوء, وكذلك نيسلون مانديلا تنحى عن الحكم بعد ان قاد بلاده للحرية وباختياره, وحكيم الثورة جورج حبش أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سلم الراية لمن بعده وما عدا ذلك قلة ممن تنحوا طوعا قبل ان تتم تنحيتهم او إقالتهم او حتى سجنهم.
بل أصبح العناد والتمسك بالمنصب والكرسي وصوابية رأي هذا المسؤول او الوزير رغم المصائب والخيبات والفشل نتيجة توليه دفة المنصب متتالية وأعذاره جاهزة اما ...أجندات خارجية... وأعداء النجاح او الهروب للأمام ...بان حجم الأعباء كبيرة أو انه تسلم تركة ثقيلة أو انه يكفيه انه أوقف التدهور الحاصل من أسلافه رغم ان الآية الكريمة "كلما دخلت امة لعنت اختها" في اشارة كلما دخلت امة او قوم النار عزت سبب دخولها النار للأمة التي سبقتها وان رب العزة يؤكد ان ذلك لن يعفيها من العقاب وتحمل المسؤولية.
ولم يقف هذا العناد والتمسك بالمنصب عند الوزير بل لرئيس البلدية او النادي او الجمعية او مختار الحارة او شيخ القبيلة سواء كانوا بالاختيار او التعيين غاب عنهم الاعتراف بالتقصير أو أنهم أخفقوا او هم سبب هذا الإخفاق التراجع القهقرى للتقدم الجمعي لمن يخدمون او يمثلون بل ويؤكدون بذهابهم ستنهار المؤسسة أو القطاع أو القطيع الذي يقودونه.
عبد الرحمن القاسم
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت