في ضوء العجز الفلسطيني الرسمي الواضح، وفي ضوء توافق مصالحه ضمنا مع مضمون رؤية «ترامب – نتنياهو» بحكم سياساته واجراءاته المتبعة، وبحكم مراوحته في «مواقعه الثابتة»، والتزامه بقيود اتفاقاته وخياراته السياسية، يحق لنا التساؤل :عن كيفية التصدي لهذه «الصفقة» وطرق مواجهتها في المشهد الفلسطيني، وبناءعليه أعتقد أنه لا جدوى تُذكر من التعويل، أو الرهان على تغيير جذري في مواجهة الصفقات المشبوهة ، في الخطاب الرسمي لمجموع المنظومة السياسية الفلسطينية الرسمية، في حين علينا تلمس حجم الاحتقان والسخط الشعبي الفلسطيني المتصاعد داخل فلسطين والشتات، وأولوية البحث عن وسائل دعمه وتأطيره وحمايته، من فساد وعبث السياسات والإجراءات المنبثقة عن المنظومة السياسية الفلسطينية، إذ تحول المناخ السياسي الفلسطيني إلى أحد العوامل التي تهدد إمكانيات تطور مظاهر الغضب الشعبي ومقاوماته، وتمنع تحولها إلى ظاهرة منظمة وواعية وقادرة على مواجهة التحديات الكبيرة المحيطة بنا وعلى رأسها «صفقة القرن».
إن الحالة الفلسطينية الراهنة تعيش مرحلة مركبة من التحديات، تقتضي مواجهة «صفقة القرن» من جانب، وعلى قدم المساواة مع ضرورة التصدي لإفرازات النظام السياسي الفلسطيني من جانب اخر، الذي يعمل على تقويض ارادات الحركة الفلسطينية ومجمل النضال الشعبي والجماهيري الفلسطيني، وحرفه نحو صراعات جانبية وفئوية و«مصلحجية» تصب في صالح استمرار الاحتلال وداعميه، وعلى تناقض مع المصالح الشعبية والوطنية الفلسطينية العامة.
إن الانقسام الداخلي وتجلياته في تعدد مركز القرار الفلسطيني، الذي يخدم المصالح الضيقة والفئوية للشرائح السلطوية في الضفة والقطاع، على حساب الكل الفلسطيني ومتطلبات مشروعه الوطني في مرحلته الراهنة، يمثل البوابة والقاطرة الفلسطينية لتمرير صفقة القرن ورؤيتها في «حل» ازمة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. فالانقسام السلطوي الفلسطيني يرتكز على ثلاثة عوامل رئيسية: في مقدمتها المصالح الفئوية والاجتماعية والسياسية والزعاماتية الثنائية الخاصة لكل من فتح وحماس، وثانياً الضغوط الاميركية والإسرائيلية على الحالة الفلسطينية والعربية لتمرير الرؤية الامريكية – الإسرائيلية للحل الشرق اوسطي، وثالثاً صراعات المحاور الاقليمية في الشرق الأوسط من خلال تركيز الجهود على أعداء «وهميين» على حساب العدو الرئيسي وهو كيان الاحتلال.
أن الانقسام المدمر والعبثي والارادوي وتجلياته في تعدد مراكز القرار وغياب القرار الفلسطيني المستقل لكل من (فتح وحماس) هو «البلدوزر» لتمرير «صفقة القرن» في الحالة الفلسطينية، لأنه تعبير فاضح على سياسة التفرد والاستفراد، والإقصاء والتهميش، والارتهان لأجندات سياسية خارجية لمحاور إقليمية عربية، تسعى جاهدة لتعبيد الطريق فلسطينيا وعربيا وبما يتوافق مع متطلبات تمرير «رؤية ترامب – نتنياهو».
إن الانتقال الى انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الداخلية القائمة على أسس راسخة، ديمقراطية، مؤسساتية، وفق قيم ومفاهيم ومبادئ الائتلاف والشراكة الوطنية في هذه المرحلة، مرحلة التحرر الوطني، بديلاً للاستئثار، والتفرد والتهميش والإقصاء، هو الممر الإجباري لضمان الفوز في معركة إسقاط «رؤية ترامب – نتنياهو»، وتحصين البيت الفلسطيني وحركته الوطنية والشعبية، وبما يمكن من توحيد الشعب الفلسطيني، في المؤسسة الوطنية، وفي البرنامج، وفي الحقوق، وبما يعزز الموقع التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً ووحيداً له، والإطار الجامع لكل فصائل العمل الوطني، ومؤسسات المجتمع المدني، وتياراته السياسية على اختلاف اتجاهاتها، تحت سقف البرنامج الوطني التوافقي، برنامج الإجماع الوطني، وتوفير الضمانات لإغلاق وسد الثغرات والنوافذ، التي تتسلل منها محاولات العبث بالوضع الداخلي الفلسطيني، وتحويل قضيته الوطنية إلى مجرد وسيلة في حروب وصراعات إقليمية، يتم فيها زج الشعب الفلسطيني على حساب قضيته وحقوقه الوطنية، كأولوية قصوى، لا تعلو فوقها أية أولوية أخرى.
على الصعيد السياسي، إن البديل الوطني التوافقي يجب ان يستند إلى الخطوات التي تخرجنا من أوسلو واتفاقياته، وتحررنا من قيوده والتزاماته، لصالح العمل والنضال بمهام المتطلبات الوطنية لهذه المرحلة وتحدياتها:
1) الإعلان رسمياً عن وقف العمل باتفاق أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، وإبلاغ ذلك في مذكرات رسمية، لكيان الاحتلال والمنظمات الدولية والإقليمية.
2) سحب الاعتراف بدولة الاحتلال الإسرائيلي إلى أن تعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، ويتوقف الاستيطان والضم وقفاً تاماً، عملاً بقرار مجلس الأمن رقم / 2334/ في نهاية ديسمبر2016.
3) وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال وقفاً تاماً، في كافة الاشكال والميادين، وتكليف الأجهزة الأمنية بحماية شعبنا ضد الأعمال العدوانية لقوات الاحتلال وقطعان المستوطنين.
4) الشروع في تطبيق مدروس لخطة الانفكاك الاقتصادي عن كيان الاحتلال، كما رسمتها لجان الدراسة المكلفة من قبل اللجنة التنفيذية.
5) نقل جرائم الاحتلال والإستيطان والحصار، والاعتقالات الجماعية، وانتهاك قرارات الشرعية الدولية، إلى محكمة الجنايات الدولية، ومتابعة إجراءاتها، لكي ينال الاحتلال وقطعان مستوطنيه جزاءهم عما ارتكبوه بحق الشعب الفلسطيني من جرائم تخالف القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
6) طلب العضوية العاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، بالبناء على القرار 19/67 (نوفمبر2012) للجمعية العامة، الذي منحها العضوية المراقبة واعترف بها دولة تحت الاحتلال،
7) التقدم إلى الأمم المتحدة بطلب عقد مؤتمر دولي لحل المسألة الوطنية الفلسطينية، بموجب قرارات الشرعية ذات الصلة، وفي فترة زمنية محددة، وبقرارات ونتائج ملزمة.
أما على الصعيد الوطني:
1) التحضير إلى مؤتمر وطني شعبي عام، يجمع ممثلين عن شعبنا في كل مناطق تواجده، داخل الوطن المحتل والشتات والمهجر، لتوحيد وانتاج برنامج النضال الوطني المطلوب، للتصدي لـ«صفقة ترامب – نتنياهو»، وأيضا التصدي للنتائج العبثية لسياسات وإجراءات المنظومة السياسية الرسمية الفلسطينية، بما يضمن وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة حقوقه الوطنية والبرنامجية، وفق الخصوصية السياسية والقانونية والجغرافية، تحت راية م.ت.ف، الممثل الشرعي والوحيد، لكل الشعب الفلسطيني.
2) استنهاض المقاومة الشعبية بكل الأشكال، ضد الاحتلال والاستيطان، والانتقال من مربع الانتفاضات الجزئية الجغرافية الى الانتفاضة الشاملة، في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبما يقود إلى عصيان وطني شامل، حتى رحيل الاحتلال والاستيطان.
3) تعديل وظائف وطبيعة ومهام السلطة الفلسطينية وحكومتها، من سلطة مقيدة باتفاقيات أوسلو واستحقاقاته، إلى سلطة تلتزم بتطبيق البرنامج الوطني التوافقي، في الميدان، في جانبه الاقتصادي والأمني والخدماتي، بما يوفر لشعبنا عناصر القوة والصمود والثبات في حرب الاستقلال التي يخوضها فوق ارضه.
إن التحدي الفعلي الذي تواجهه الحركة الفلسطينية حالياً، لا يدور حول الإقرار بأهمية عناصر القوة الفلسطينية ذات العمق الاستراتيجي:( الوجود الفلسطيني الراسخ على أرض فلسطين التاريخية، والهوية الوطنية الفلسطينية المتبلورة والمعززة بالرواية التاريخية، والكيان الوطني الفلسطيني، أي م.ت.ف بمؤسساتها، بما فيها مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع)، والاكتفاء (وأحياناً التغني) بإبراز أهميتها وقوتها فقط، فثمة إجماع على قيمتها الاستراتيجية، بل حول كيفية الحفاظ عليها وتعزيز مكانتها، كيلا يتراجع تأثيرها في معادلة الصراع، ما يفترض، تفعيل عناصر القوة المباشرة التي تملكها الحالة الفلسطينية : فالكيان الوطني الفلسطيني لا يتحول إلى عنصر قوة فاعل (بالبعدين المباشر والاستراتيجي) ما لم يتوحد؛ ومؤسسات السلطة الفلسطينية لا تصون الكيان، ما لم تطور وتعدل من وظائفها ومهامها؛ والوجود الفلسطيني على أرض فلسطين لا يترسخ، ما لم تتوفر شروط صموده سياسياً، ومادياً، واقتصاديا.
في مجال العمل الوطني الفلسطيني، تقوم المواجهة الشاملة لـ«صفقة القرن» على ثلاثة مرتكزات، متكاملة ومتفاعلة فيما بينها: استعادة الوحدة الداخلية، والخروج من أوسلو، وتعبئة الطاقات الفلسطينية واستنهاضها، هذه الركائز تشكل مجتمعة، قاعدة صلبة لمقاومة فعّالة، تُحدث التغيير اللازم في المعادلة الداخلية والإقليمية والدولية.
د. باسم عثمان الكاتب والباحث السياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت