بقلم د. يوسف يونس (باحث مختص في الشؤون الدولية – نائب رئيس مركز الناطور للدراسات) 1-3-2020م
الملخص
- الغت خطة ترامب بصورة غير مباشرة خيار حل الدولتين من خلال اقتراحها إقامة دولة فلسطينية منزوعة السيادة ، مقطعة الاوصال ، بما يتناغم مع توجهات اليمين الإسرائيلي الذي يعتبر ان الدولة الفلسطينية المستقلة تشكل تهديدا وجوديا. ولذلك تنطلق الخطة لتحقيق مقاربة تعظيم مساحة «الدولة اليهودية»، ومنع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من التواجد فيها، من خلال إعطاء الفلسطينيين “أقصى دولة مقلصة”، تحت السيطرة الإسرائيلية، ومفصولين عنها بـ” دولة لا سيادية”، لتحقيق هدف استراتيجي لتحصين إسرائيل من الخطر الديمغرافي الفلسطيني .
- استخدمت الادارة الامريكية سياسة الامر الواقع لفرض تصوراتها بدون تشاور مع الجانب الفلسطيني، مما يخرج تلك الصفقة من كونها “مبادرة لحل النزاع” الى “وثيقة استسلام” .
- بتركيزها على الطابع الديني للصراع وحق إسرائيل في استمرار حراسة الأماكن المقدسة، تخلق الصفقة وضعًا متفجرًا في المسجد الأقصى من خلال تعزيز نشاطات “منظمات جبل الهيكل”، الهادفة للصلاة فيه وتقسيمه مكانيًا وزمانيًا، ويخلق هذا التوجه توترًا مع الأردن صاحبة حق رعاية الأماكن المقدسة ، ويحرم المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين من حقهم في الوصول الى الأماكن المقدسة.
- التطبيق العملي للصفقة سيُعمق من سيطرة إسرائيل على الضفة والقدس، ويترتب على ذلك تشكيل واقع معقد جديد في صلبه عدم القدرة على الانفصال عن الفلسطينين، بما يضع إسرائيل أمام خيار الدولة الواحدة، الذي يشمل احتمالين: الأول، دولة بحقوق متساوية لليهود والفلسطينيين، وهذا يقضي على فكرة الدولة يهودية. الثاني دولة من دون حقوق متساوية، وهذا يقضي على فكرة إسرائيل دولة ديمقراطية وأخلاقية، والأخطر الانزلاق نحو دولة واحدة بأغلبية عربية، بما يُعرض استمرارية الدولة الإسرائيلية للخطر.
- تفتقد صفقة القرن لوجهة النظر الشاملة لأبعاد الصراع التاريخي المعقد، ولذلك فانها لن تتعدى كونها حدث عابر لن يؤسس لصناعة تاريخ، ومن غير الممكن أن تنجح الإدارة الأمريكية في قيادة عملية سياسية ناجحة، تُمكّنها من إرساء حالة دائمة من السلام والاستقرار، نتيجة مجموعة من التَّحديات، كما أنّ التطبيق الأحادي لصفقة القرن سيترك تداعياته السلبية والخطيرة على الفاعلين الرئيسيين وستبدو الأوضاع أكثر تعقيداً في المستقبل. وفشل الصفقة في التوصل الى تسوية القضية الفلسطينية، سيعطي فرصة لقوى إقليمية للتحرك من أجل المساس بشرعية الدول العربية واتهامها بالتخلي عن الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية، ويراكم النقاط في الصراع الإقليمي، بما يحرض الرأي العام العربي، ويشحن المعارضة والتنظيمات المتطرفة ضد الأنظمة.
- لم تطرح “صفقة القرن” حلولا عادلة لانهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وحل مشكلة اللاجئين، ولذلك يمكن اعتبار انها ليست “مشروع تسوية” وانما خطة لـ “ادامة الصراع “، ضمن صفقة مستقبلية ، تعنى باحداث تغيرات جيوسياسية خطيرة يتم من خلالها إعادة تشكيل المنطقة وإعادة صياغة مفاهيمها وتشكيلاتها الديمغرافية والتاريخية، في اطار التطبيع الإقليمي والعربي مع إسرائيل لبناء منظومة اقتصادية كبرى وتحالف إقليمي في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
- “صفقة القرن” ستؤدي لزعزعة استقرار المنطقة، خاصة وانها ستحرم الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية، وسيفقدهم الامل في قيام دولتهم المستقلة، وهو ما سيعزز توجههم الى العنف، وسيدخل المنطقة في صراع، سيكون كابوسًا لإسرائيل، التي سيتعين عليها تجنيد المزيد من قواتها وإنفاق المزيد من الأموال لحماية أمنها.
- سيناريوهات مستقبلية :
- السيناريو الأول: استمرار الرفض الفلسطيني للخطة، وإبداء نوع من مقاومتها بالوسائل المتاحة، في المقابل استمرار إسرائيل بفرض الأمر الواقع على المدى الطويل، من خلال الإمعان في تهويد القدس، وتعزيز الاستيطان في الضفة، وترسيخ قدرة إسرائيل على التحكم بأحوال الفلسطينيين، ووفق هذا السيناريو، لن نشهد تغييرات دراماتيكية، بل محاولة محدودة لتغيير وظيفة السلطة، وتصعيد محسوب للتحركات الشعبية، والاستمرار في سياسة إستراتيجية التدويل، وتفعيل المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، مع استبعاد اندلاع انتفاضة، أو مقاطعة فعلية لإسرائيل.
- السيناريو الثاني: رفض صفقة ترامب وتغيير السياسة الفلسطينية واتخاذ قرارات حاسمة تحدد العلاقة مع إسرائيل مثل سحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، والتبعية الاقتصادية، وحل السلطة، وتفعيل منظمة التحرير، وضم الفصائل التي لا تزال خارجها، بالتزامن مع تحركات شعبية وسياسية فلسطينية، ووفق هذا السيناريو فاننا امام احد احتمالين :
- أ – الاحتمال الأول : حل السلطة الفلسطينية وتحميل إسرائيل والمجتمع الدولي مسؤولياتهم القانونية والسياسية تجاه الشعب الفلسطيني وانهاء مرحلة “الاحتلال الغير مكلف”. وسيكون لهذا الخيار تداعيات خطيرة أهمها تدمير السلطة الفلسطينية كإطار قانوني سياسي رسمي معترف به دولياً.
- ب – الاحتمال الثاني : تغيير وظيفة السلطة الفلسطينية : وإعلان الدولة الفلسطينية دولة خاضعة للاحتلال ، وفي ضوء هذا الاحتمال الأوضاع قد تصل إلى انتفاضة شاملة في الضفة ومواجهة عسكرية في غزة، ما قد يؤدي إلى انهيار السلطة، لصالح خلق واقع من قيام كيانات محلية، تؤكدها خارطة ترامب، التي قسّمت ما أسمته فلسطين إلى أربع مناطق، هي غزة، وشمال الضفة (نابلس وجنين) والوسط (رام الله) والجنوب الخليل، وهو احتمال كارثي يفاقم من مشكلة الفلسطينيين ومن مشكلة حركتهم الوطنية.
- السيناريو الثالث: بدء مجموعات وأفراد بالتعامل مع خطة ترامب، وصولًا إلى إمكانية حدوث انقلاب على الرئيس، والنجاح في الإطاحة به أو احتوائه ودفعه إلى التعامل مع الخطة. ولعل الفترة المحددة بأربع سنوات في الخطة لإقامة الدولة تمثل إغراء بعد أن يتضح عدم وجود بدائل عن “الصفقة”.
- السيناريو الرابع : دراسة الصفقة وتقديم التعديلات بما يتوائم والرؤية الفلسطينية التي لا تتنازل عن الحقوق والثوابت؛ مع اشتراط أن يكون ذلك في حضور أطراف دولية بجانب الولايات المتحدة وأن تكون هناك ضمانات دولية لإلزام إسرائيل بالتنفيذ ومنح الفلسطينيين حقوقهم وفق جدول زمنى محدد تلتزم به إسرائيل أمام العالم. ويقترح انصار هذا السيناريو تقديم تعديلات على ورقة ترامب من شأنها محاصرة التوجهات الإسرائيلية لاستمرار فرض سياسة الامر الواقع خلال السنوات الأربع المقترحة.
(التفاصل هنا) صفقة القرن ، التحديات والتداعيات والافاق المستقبلية المفاوضات
المصدر: -
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت