الفساد المقدس

بقلم: معتصم حمادة

معتصم حمادة

أنتج عقد من التحريض العنصري والفاشي والقومي المتطرف والتوراتي المجنون والحقد والكراهية، ما كشفت عنه صناديق الاقتراع

■ «الديمقراطية الإسرائيلية» أذهلت في نتائجها الصف العريض من المراقبين والمعلقين الليبراليين، ليس في العالم وحده، بل داخل إسرائيل نفسها.

صحافة إسرائيل (3/3/2020) وصفت انتصار نتنياهو «الحاسم» بأنه هزيمة  للقضاء الإسرائيلي، وللمواطن الإسرائيلي. فكيف يتم انتخاب، وبهذا الشكل الساحق، رئيس حزب متهم (بل ومدان) في ثلاثة تهم كبرى هي قبول الرشوة، والاحتيال على الدولة والقوانين، وخيانة الثقة؟ فإما أن نتنياهو بريء، والقانون، الذي يحكم «بإسم الشعب» هو الفاسد، وإما نتنياهو الفاسد، هو من فاز بالانتخابات.

نتنياهو فاسد؟ نعم. هكذا يقول القضاء الاسرائيلي.

نتنياهو حرامي؟ نعم. هكذا يقول القضاء الإسرائيلي.

ويقول أيضاً: فاسدون ينتخبون فاسداً. ولصوص ينتخبون لصاً. وكما علق أحد المراقبين اليهود، واعترف، فإن دولة إسرائيل، كلها فاسدة، لأنها قامت على اللصوصية حين سرقت أرض شعب آخر، وسلبت منازل أبنائه، وأملاكهم. وشعب إسرائيل المؤمن بالقومية اليهودية، هو شعب لصوص، لأنه أقام دولته على الاغتصاب والسرقة، ونهب أملاك الآخرين. فالفساد أمر أصيل في السياسة الإسرائيلية، وبالتالي ليس مصادفة أن لا يكون نتنياهو أول الفاسدين في الطبقة الحاكمة، فقبله كثيرون، من رؤساء دولة إلى رؤساء حكومات، إلى رؤساء أحزاب، إلى وزراء، إلى ضباط كبار في جيش الاحتلال. كلهم اتهموا بالفساد، وكلهم أدينوا، وكلهم دخلوا السجن.

قد يقال «هذا تعبير عن الديمقراطية الإسرائيلية». لكنها ديمقراطية ذات وجهين، وسيبقى وجهها الطاغي، أنها ديمقراطية الفاسدين، واللصوص. وما نتائج الانتخابات الأخيرة، إلا تعبير عن الانحدار الكبير في مفاهيم الدولة والديمقراطية، تعيش حالة من الانفصال عن معايير الإنسانية في القرن الواحد والعشرين.

*    *    *

حفلة الانتخابات الإسرائيلية، كانت استفتاء ليس على نتنياهو فقط، بل في الوقت نفسه استفتاء على هوية إسرائيل: دولة أبارتهايد، وتمييز عنصري، وتطهير عرقي وحقد وكراهية وعدوان. هوية شديدة الوفاء لأصول نشوء هذه الدولة. ستقوم في الأسابيع القادمة على تسعير وتيرة الاستيطان، ورسم خرائط الضم، في الميدان، وتحضير الأجواء لحملة ترانسفير سياسي، ستكون هي الأضخم في هذا العصر.

نتائج الانتخابات جاءت انعكاساً لـ «الثقافة التي تطورت خلال عقد على الأقل، تم فيها صهر أفكار فاشية وعنصرية، دينية وقومية متطرفة، ومسيحانية مجنونة. ثقافة أوجدت مجتمعاً متغطرساً، ودولة لم توافق على وضع شخص من المافيا، فحسب، بل وهي تحارب من أجل أن يواصل إدارتها. و«الشعب المختار» لم ينجح في أن تنبت داخله بدائل لهذه القيادة، وبديل لنظام العصابات بل قدم لنا «بديله» هو، والليكود هو جزء فاقع من هذا البديل. (تسفي برئيل- هآرتس – 3/3/2020).

*     *     *

بات علينا أن ننظر مرة أخرى إلى خارطة الأحزاب والتيارات والأفكار الإسرائيلية نظرة جديدة. فاحصة، بعيداً عن القوالب الجامدة، وعن التوصيفات التقليدية.

لماذا فاز نتنياهو، وفاز معه اليمين المتطرف؟ ولماذا فشلت الأحزاب التي يطلق عليها توصيف «الوسط» و«اليسار» الصهيوني في كسر هجمة اليمين واليمين المتطرف؟ ولماذا يزداد انحدار الأحزاب «اليسارية» التقليدية في إسرائيل (العمل، غيشر، ميرتس)؟ ولماذا فشل أربعة جنرالات في كسر عنجهية نتنياهو وإفشال حملته باعتباره هو «الضامن لأمن إسرائيل» في الوقت الذي يلعب فيه جيش الاحتلال بجنرالاته دور «الضامن الأول والأخير».

هذه أسئلة تحتاج إلى نقاش مستفيض، خاصة مع أهلنا في الـ 48، الذين يعايشون التجربة ويقرأون تفاصيلها وعبرهم نهتدي في كثير من الأحيان، في قراءة الواقع المستجد في دولة الاحتلال. هذا أولاً.

ثانياً: باعتراف المراقبين الإسرائيليين أنفسهم، بدت إسرائيل في يوم الإنتخابات، دولة ذات مجتمعين. دولة يهود يؤمنون بالقومية اليهودية، وقد اجتاحت مشاعرهم موجات من الحقد العنصري. ودولة الفلسطينيين العرب. ورغم أن هؤلاء «مواطنون في الدولة» يحملون جنسيتها، ويتكلمون لغتها و«شركاء» في الحياة السياسية والحزبية، (وبعضهم ينتخب الليكود أيضاً) إلا أنهم شكلوا مادة دسمة للتحريض ضد «الفلسطينيين» وضد «العرب»، في حملات سامة، عنصرية حاقدة قادها نتنياهو شخصياً، حتى أنه وصفهم «بالدبابير» وهم يتوجهون إلى صناديق الإقتراع؛ في تحريض لدفع أنصاره، وأنصار اليمين، واجتذب شرائح من قواعد «كاحول لافان للإقبال على التصويت له. الإنتخابات أثبتت مرة أخرى عمق يهودية الدولة، ومدى سطحية ديمقراطيتها، وأن «الديمقراطية اليهودية»، تقوم على التمييز العنصري.

ثالثاً ( وليس أخيراً): نتنياهو وعد أنه خلال أسبوعين من توليه الحكومة الجديدة سيباشر في ضم الأراضي الفلسطينية إلى دولة الإحتلال.

لفت نظرنا تحذير جاء من داخل إسرائيل، يتحدث عن «الترانسفير السياسي»، الذي يمكن أن تلجأ له حكومة إسرائيل القادمة، في تطبيق «خطة ترامب – نتنياهو»، لنقل أم الفحم ووادي عارة (المثلث). إلى تخوم «الدولة الفلسطينية». الأمر لا يحتاج لأن يجري تحميلهم بالشاحنات وطردهم من منازلهم على غرار ما جرى في العام 1948. يمكن الإعلان عن ضم هذه المناطق (المكتظة بالسكان الفلسطينيين العرب) إلى تخوم الدولة الفلسطينية من خلال الإعلان رسمياً عن سحب الجنسية الإسرائيلية منهم بشكل جماعي، والإعلان عن حدود جديدة لدولة الاحتلال، تخرج منها هذه المناطق لتضم بدلاً منها المستوطنات وغور الأردن، وشمال البحر الميت، لفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين وتحويل القضية إلى نزاع بين سكان المثلث والسلطة الفلسطينية.

هذا احتمال لسيناريو قد يلجأ إليه تحالف اليمين واليمين المتطرف، حسب تقديرات إسرائيلية.

ما يعني في الختام أننا أمام لوحة جديدة، تحتاج إلى المزيد من الدراسة وإلى الشروع فوراً في تحويل ما نستخلصه من دروس إلى فعل وسياسة عملية، دون الانتظار لأية مفاجآت، سوى مفاجآت نتنياهو نفسه■

معتصم حمادة

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت