لا تقف قراءة نتائج الانتخابات الإسرائيلية على عدد المقاعد التي حصل عليها كل حزب، وإنما اللافت في نتائج الانتخابات هو التحولات الفكرية والسياسية العميقة التي أثرت على نفسية المجتمع الإسرائيلي، فأعطى هذه النتائج التي تستوقف كل مهتم بالشأن الإسرائيلي، وتفرض عليه أن يقرأ الخارطة الحزبية من حيث تأثيرها وتأثرها بالساحة الفلسطينية:
أولاً: اطمئنان المجتمع الإسرائيلي لنجاح السياسة الإسرائيلية العامة المتشددة، وشعوره بالأمن والأمان، وإحساسه بالثقة في المستقبل، وقد انعكس ذلك على عدد الأصوات المؤيدة لنتانياهو شخصياً، دون الالتفات لكل قضايا الفساد التي وجهت إليه.
ثانياً: ثقة المجتمع الإسرائيلي في قدرته على تحقيق أطماعه السياسية في ضم أرض الضفة الغربية بالسرعة الممكنة، ودون تلكؤ، ولا يتحقق ذلك دون شخصية نتانياهو، ومعسكر اليمين.
ثالثا: قوة تحالف الأحزاب اليمينة المتطرفة، والتي عجزت كل محاولات التكتلات الأخرى في اختراقها، والفصل بين المتدنيين والمتشددين، فظل التماسك قائماً بين حزب الليكود وشاس ويهدوت هتوراه وحزب يمينا، وكأنهم حزب واحد متعدد الرؤوس.
رابعاً: ضعف وهشاشة تحالف حزب كحول لبان، كمنافس رئيس في التطرف لتحالف حزب الليكود، وقد ظهرت بوادر تفكك، وعدم اقتناع بقيادة غانتس، وهذا ما يراهن عليه نتانياهو في المرحلة القادمة، حيث يسعى إلى تفتيت هذا التكتل، واحتواء بعض رموزه التي تعود أصولهم إلى حزب الليكود.
خامساً: عدم اقتناع المجتمع الإسرائيلي بماضي الأحزاب، وتاريخها، وبما قدمته للدولة، فقد تضاءلت مكانة حزب العمل ليحصل بالشراكة مع حزب جيشر وحزب ميرتس على 7 مقاعد فقط، بينما كان حزب العمل لوحده يحصل على 45 مقعداً قبل عشرات السنين، وهنا يراهن نتانياهو على تشكيل حكومته مع بعض الفارين من هذا التكتل.
سادساً: تراجع قوة حزب إسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان، في إشارة إلى معاقبة المجتمع الإسرائيلي لأحد أطراف اليمين، الذي كان سبباً في عدم تشكيل حكومة، وتسبب في تكرار الانتخابات للمرة الثالثة.
سابعاً: حفز اليمين المتطرف المنادي بقومية الدولة، وتطبيق قوانين الفصل العنصري، حفز الأحزاب العربية على ا لتوحد، وحفز المواطن العربي للخروج إلى صناديق الاقتراع، في رسالة دفاع عن الوجود المهدد بالاقتلاع، فصارت قوة الأحزاب العربية تفوق قوة حزب العمل وجيشر وميرتس وإسرائيل بيتنا مجتمعة.
ثامناً: ما زال المجتمع الإسرائيلي يقرأ الواقع بشكل جيد، ويرفض التطرف الزائد عن الحد، فلم يعط لحزب إسرائيل العظيمة نسبة الحسم.
تاسعاً: ما زالت الفرصة قائمة لإجراء انتخابات كنيست رابعة، طالما لم تتدخل قوى عظمى، لها مصلحة في تشكيل حكومة إسرائيلية، قادرة على سداد الدين، وتقديم الدعم الإسرائيلي للرئيس ترامب في الانتخابات الأمريكية.
عاشراً: لا صحة لما يقال عن امكانية الطلب من الكنيست للتوافق على رئيس وزراء يحظى بدعم 61 عضواً، يكلف بتشكيل الحكومة، كما يروج البعض، فلا قدرة للكنيست على ذلك، طالما ظل نتانياهو يمسك بكل مفاصل تحالف الأحزاب اليمنية والدينية، ولديه طلاسم السحر الذي تبتلع فيها حية نتانياهو كل حيات الأحزاب الإسرائيلية.
د. فايز أبو شمالة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت