حول إضراب الأطباء ومطالبهم - أطباء فلسطين مخ فلسطين

بقلم: نصار يقين

نصار يقين

سلام عليكم يا اطباء فلسطين كلما تألم مريض ورقت قلوبكم للأنين. لقد قدمتم لوطنكم ما ينبغي وما يزيد، فلا داخلكم الخوف يوما من الإسراع لإسعاف جريح بين أنياب المعتدين، ولا هدكم الجوع لحظة وأقعدكم عن حالات الطواريء، ولا قصرتم مرة في علاج فقير، ولا ردتكم قلة المال عن تحمل أعباء المجتمع الثقيلة، التصقتم بالوطن وتركتم كل إغراءت المال خارج الوطن، ما أبهاكم في مقاصد القدس وفي شفاء غزة، فلكم من شعبكم ما تستحقونه من الشكر والثناء وبعد،
فإنه من المفهومعالمياً بان الأطباء هم أنجب شرائح مجتمعاتهم لأنهم في الغالب هم صفوة الطلاب أولاً ، وهم أكثر من يحس بأوجاع الناس ثانياً ، وعندما نتحدث عن الطبيب الفلسطيني خاصة ، فهذا يعني أننا نتحدث عن عقل فلسطين وثقافة فلسطين ونضال فلسطين ورقي فلسطين وتمدن فلسطين وأخلاق فلسطين وحضارة فلسطين ومعجزة فلسطين، وقبل كل ذلك عن قدس فلسطين التي نابت مستشفياتها ومصحاتها عن الجامعات الفلسطينية فبل تأسيس أولها بقرن من الزمان .
في مستشفيات القدس ، قدم أطباء فلسطين لشعبهم ما لم يقدمه أحد، لأن ما قدموه لم يكن بإمكان غيرهم أن يقدمه قطعياً ، قدموا الإنسان الواعي المثقف ،المطلع على خفايا نوايا المستعمر والمنتدب البريطاني المغرض لتدمير شعب وإحلال عدوه مكانه ، في مستشفيات القدس ويافا وحيفا ونابلس وغزة طرحت الرؤى الوطنية ونوقشت آليات النضال وإسعاف الأرض كما نوقشت صحة الإنسان وإسعاف المرضى كل هذا كان قبل أن يكون لفلسطين منظمة أو سلطة وطنية.ويكفيكم شرفا،هذا الحضور العظيم في عاصمة وطنكم المقدس، بعد أن اقتلع المحتل واستأصل أكثر المؤسسات الوطنية من القدس، ولكنه لم يستطع أن يتحدى الإنسانية المتمثلة بكم في القدس، فبقيتم هناك قرة عين لشعبكم خاصة وأمتكم عامة.
إبان الاحتلال قدم أطباء فلسطين ما أمكن لشعبهم من علاج ورعاية ووقاية من خلال عيادات خاصة ومراكز علاجية ومستشفيات، ولم تتمكن كل أجهزة الاحتلال من شراء ذمة طبيب فلسطيني واحد ، بل على العكس كان الأطباء هم أسرع من يكتشف الفاسدين والمسقطين، وهم حتى اليوم يحملون سر فلسطين وإرادة فلسطين.
ما ذكرناه آنفاً وجدناه ضرورياً ، قبل مناقشة خلاف الأطباء ونقابة الأطباء مع وزارة الصحة والسلطة الوطنية الفلسطينية ، والذي وصل حدا لم يكن لأحد أن يتخيله،
فبالعقل نقول للنقابة ، حُق لكم أن تجندوا كل طاقات الخيرين والعارفين والخبراء والمستشارين في كل قضاياكم مع المجتمع والدولة والعالم والمهنة، وما دمتم أنتم مخ فلسطين وعقل فلسطين كما قلنا أولاً فإنه من غير المتصور ان لا يكون قراركم في النهاية إلا كما ينبغي أن يكون، ولكن قبل أن تأخذ النقابة قرارها، نجد علينا لزاما أن نذكر بتاريخ العمل النقابي في فلسطين، من المعروف بأن العمل النقابي في فلسطين بدأ ثوريا ضد الانتداب البريطاني، ومقاتلاً ضد العصابات الصهيونية وما حملته من خطط لتهويد فلسطين والاستيلاء عليها، لقد تنادى العمال العرب الفلسطينيون لتأسيس نقابة خاصة بهم لإثبات الذات، بل والتفوق على الخصم في محاولاته الأنانية الساعية للتعبير عن ذاته غير المشروعة من جهة، ومن جهة أخرى ليكون ما تؤسسه الحركة الصهيونية من جمعيات وتعاونيات ونقابات، من أدوات الهجمة على فلسطين وشعبها، وتأسيسا على القانون العثماني الصادر في سنة 1909 والذي أجاز لثمانية أشخاص أن يؤلفوا بينهم جمعية لرعاية مصالحهم، ولمن ينتسب إليهم لاحقا، فقد بدأ التنظيم النقابي في سنة 1920 وتبلور فعليا سنة 1925عندما تشكلت جمعية العمال العرب الفلسطينية، كعمل ندي ومقاوم لما أفرزه المشروع الصهيوني من تنظيم نقابي تحت اسم الاتحاد العام للعمال اليهود، كأداة من أدوات ترسيخ ركائز المشروع الصهيوني في فلسطين، لقد بدأ ذاك الاتحاد عمله بسياسات عنصرية إزاء العمال الفلسطينيين، مما حدا بعمال فلسطين وبمن يقف إلى جانبهم من مفكريين ثوريين واحرار إلى التقدم في مشروعهم النقابي كجبهة عريضة ضد المشروع الصهيوني برمته.
فمن الواضح بان العمل النقابي أساسا في هذه البلاد وضع الوطن فوق اعتبارات مصالح أعضاء النقابات، وبالمقابل ليس من المعقول أن تنسى النقابات مصالح أعضائها، فالموازنة بين مصلحة الوطن وقدرة سلطته وحكومته هي التي يجب أن تحكم في حسم الخلاف. فإصرار نقابة الأطباء على مطالبهم، ومطالب نقابات أخرى، بعضها أعلن عن مطالبه وبعضها يتنادى لطرح طلبات جديدة لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون السلطة الفلسطينية في هذه الظروف قادرة على تحملها، وهي ايضا تعاني من معيقات الاحتلال الذي يمنعها من إصدار عملة وطنية، ويمنعها من التصرف بالموارد الوطنية في أكثر من ثلاثة أرباع الوطن المفترض للدولة الفلسطينية. ولهذا فإننا نتمنى على نقابة الأطباء بما لديها من ذكاء أن تبقى في حوار دائم مع السلطة الوطنية الفلسطينية وان لا تستعجل استصدار قرارات زيادة رواتب لا تستطيع أن تفي بها السلطة في المنظور القريب ولا البعيد، وليس من الصعب على نقابة الأطباء أن تستلهم كل التجارب الناجحة في العالم وتختار انسبها للحالة الفلسطينية، وليس من الضروري أن تكون النقابة في مواجهة وزارة الصحة، بل إن النقابة والوزارة معا يجب أن يعملا كي تحصل هذه الوزارة على ما يكفيها من موازنة السلطة بنسبة وحصة عادلة، هناك أفكارا كثيرا يمكن للأطباء ونقابتهم أن يفكروا بها يمكن تكون نموذجا وقدوة للنقابات الأخرى، ومنها قبول وقفيات للمستشفيات في جميع المحافظات، إشراك أعضاء النقابة بالمساهمة في مشروعات اقتصادية يستفيد منها جميع اعضاء النقابة، سواء كانت جمعيات إسكان أو جمعيات استهلاكية، إلى جانب مشروعات مشتركة بين النقابة والحكومة في استحداث فرص تدريب للأطباء ترفع من كفائتهم المهنية وتؤهلهم لترقيات متواصلة ينتج عنها إعارتهم للعمل في دول شقيقة ودول صديقة.
بقي علينا أن نذكر نقابة الأطباء وهم أحرص من الجميع لأنهم أوعى بالخطورة من غيرهم، بأن الإضراب في الصحة والإضراب في التعليم هو أخطر أنواع الإضرابات في الدول المستقرة، فما بالكم بالإضراب عندما يكون في الصحة الفلسطينية في الوقت الذي يزحف فيه فيروس الكورونا الى جميع أنحاء العالم .

بقلم : نصار يقين
رئيس نقابة المحاسبين الفلسطينيين في القدس

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت