"إذا كانت أمك مريضة، هل يمكنني أن أمزح بها أو أشتمها؟ بالطبع لا. إن الصين بالنسبة لنا نحن الصينيين هي أمنا. الآن، هي مريضة ونتمنى لها الشفاء العاجل"، عبارات من الطالب الوافد الصيني أمير وانغ في لبنان وهو يصور فيديو بنفسه، تحدث فيه بلغة عربية فصيحة عن مواقف التنمر التي تعرض لها مؤخرا في لبنان بسبب فيروس كورونا الجديد.
وسرد أمير وانغ قصته بأسلوب موجز وعميق، موضحا أنه وصل إلى لبنان في مطلع سبتمبر 2019 للدراسة في جامعة لبنانية وكان حينها في غاية السعادة. ولكنه بدأ منذ فبراير من هذا العام، أي منذ تفشي فيروس كورونا الجديد في الصين، يشعر بالاستياء مع ملاحظته أن بعض المحليين لم يعودوا يتصرفون بودية تجاه الأشخاص ذوي الملامح الآسيوية.
وبدا أمير وانغ في الفيديو متألما من كون الأهالي يخافون منه أو يتجنبونه أو يشتمونه "كورونا" عندما يسير في الشوارع سواء كان في بيروت أو صيدا أو حتى في شحيم. وعبر عن تفهمه لخوفهم من الفيروس ولكنه أفصح في الوقت ذاته عن عدم قدرته على تحمل الشتائم، متسائلا عن جدواها.
كما تطرق أمير وانغ إلى معاناته حتى داخل الجامعة اللبنانية، إذ وجد عند ذهابه إلى زملائه لاستعارة بعض الأشياء أنهم ينظرون إليه بنظرة غريبة ويتجنبونه عمدا، ليحز في نفسه أن التمييز بحقه لم يأت فقط من الشارع وقائدي السيارات الذي يصيحون في وجهه "كورونا"، وإنما أيضا من زملاء الدراسة.
يعيش أمير وانغ في شحيم، التي وصفها بالقرية الجميلة، منذ وصوله إلى لبنان قبل نصف عام. وباعتباره الصيني الوحيد في المكان فجميع الأهالي هناك يعرفونه جيدا. صحيح، أنه على يقين بعلمهم بأن لا علاقة له بفيروس كورونا الجديد ولكنه لا يقبل منهم حقا عبارات التمييز، إذ يقول "كورونا مرض خطير أدى إلى وفاة الكثير من الناس، إنه ليس للمزاح".
وحظي الفيديو، بمجرد أن نشره أمير وانغ، بأكثر من 70 ألف مشاهدة على حسابه على الفيسبوك في غضون أيام قليلة. وسرعان ما لاقى انتشارا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي، كما تداولته بعض وسائل الإعلام المحلية، ثم قامت العديد من وسائل الإعلام اللبنانية الكبرى أيضا ببثه.
وقد استضافت قناة ((الجديد))، أحد القنوات التليفزيونية الرئيسية الثلاث في لبنان، الطالب الصيني على شاشتها وأجرت لقاء حواريا معه. وبالإضافة إلى ذلك، قامت العديد من المواقع الإخبارية اللبنانية أيضا بمقابلات خاصة معه، ومنها موقع ((يا صور)) الذي بث فيديو المقابلة معه ليحظى بعدد هائل من المشاهدات.
كما وجه عضو البرلمان اللبناني بلال عبد الله الدعوة لأمير وانغ لزيارته في منزله وسجل النائب اللبناني فيديو للقائهما، دعا فيه الشعب اللبناني إلى التوقف عن ممارسة التمييز ضد الصينيين بسبب فيروس كورونا الجديد، وإلى دعم الصين في مكافحة الفيروس.
وفي بادرة طيبة أخرى، استقبل رئيس الجامعة البروفسور فؤاد أيوب في مبنى الإدارة المركزية في المتحف، وفدا من الطلاب الصينيين الذين يتابعون دراساتهم في مرحلتي الإجازة والماستر في مركز اللغات والترجمة - كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية.
وقدم أيوب، بصفته رئيساً للجامعة الرسمية، اعتذاره للوفد عن "أي إساءة أو تنمر صدر عن أي طالب في الجامعة اللبنانية أو عن أي شخص لبناني في حقهم بعد تفشي فيروس كورونا الجديد"، مؤكدا أن "أي حالة من هذا النوع قد تكون فردية ولا يجب أن تعمم لأنها لا تعكس أخلاق الشعب اللبناني المحب لضيوفه، فكيف إذا كانوا طلاب علم". وأكد أيوب ثقته بأن "الصين ستتغلب على أزمتها وستنتصر على الفيروس بفضل علمائها وطلابها وشعبها العظيم".
ولم يحظ فيديو أمير وانغ باهتمام واسع داخل لبنان فحسب، وإنما أيضا في الدول العربية الأخرى، ليرتفع عدد مشاهداته إلى ما يقرب من 100 ألف. كما رصدت قناة ((الجزيرة)) تفاعل رواد منصات التواصل الاجتماعي مع فيديو الطالب الصيني، فيما أجرت قناة ((العربية)) اتصالاً بأمير وانغ عبر الإنترنت.
والآن، أكد أمير وانغ أنه بعد بث الفيديو، تحسن الوضع كثيرا، وعبر عن شكره للبنانيين الذين وقفوا معه، وقال "الآن عندما أسير في الشارع لا أحد يصرخ في وجهي قائلا كورونا". وعبر عن امتنانه للدعوة التي وجهها له أدهم السيّد الطالب اللبناني - الذي يدرس فى جامعة هواتشونغ للعلوم والتكنولوجيا ومحاصر في مدينة ووهان، مركز تفشي الفيروس بالصين، بسبب الفيروس- لزيارة منزله في لبنان وتناول الغداء مع أسرته لإظهار دعمه لمكافحة الصين للتمييز.
وفي حديث لـ((لبنان24))، أكدت حنان السيّد، شقيقة الشاب أدهم، أن"هذه الخطوة جاءت تأكيدا على نبذ التنمر الذي تعرض له وانغ"، وقالت "من ثقافتنا نبذ التنمر والتأكيد على الأواصر الإنسانيّة، ولأن أدهم موجود في الصين ويعتبر نفسه أنه بين أهله، فإن وانغ موجود في لبنان وهو بين أهله أيضا".