الأخطاء وسياسة الاحتواء

بقلم: أسامه الفرا

أسامه الفرا

 تسلم رئيس مجلس الوزراء الفلسطيني "د. محمد اشتية" تقرير لجنة التحقيق المتعلقة بالاحداث التي شهدتها بلدة قباطية وأدت إلى مقتل الفتى صلاح زكارنة وإصابة آخرين، لجنة التحقيق التي شكلت بقرار من رئيس الوزراء برئاسة وزير العدل خلصت في تقريرها إلى تحميل القوة المشتركة التي وصلت إلى حفل استقبال الاسير المحرر في قباطية مسؤولية رد الفعل غير المتوازنة التي ترتبت عليها الأحداث المؤسفة، من جانبه أكد د. اشتية على أن تقرير لجنة التحقيق سيدرس بعناية لإستقاء العبر والدروس من تلك الحادثة المؤسفة ولإتخاذ المقتضيات القانونية بحق المشتبه بهم.

شكل رئيس الوزراء لجنة للتحقيق في الحادث والتي هي من صميم اختصاصاته دون انتظار مرسوم يصدر عن الرئيس يتجاوز فيه صلاحيات واختصاصات رئيس مجلس الوزراء، حيث اعتدنا أن نحشر الرئيس في كل صغيرة وكبيرة حتى وإن كانت من صميم عمل المسؤول، وتم تكليف وزير العدل برئاسة لجنة التحقيق لإضفاء الأهمية والجدية المطلوبة، ولم يذهب إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق عادة ما يكون الهدف منها لفلفة الأمر وتسويفه وإخفاء الاخطاء لحماية المسؤولين، وعند تسلمه لتقرير لجنة التحقيق تعهد رئيس الوزراء بدراسته لاستخلاص العبر والدروس من جانب وانفاذ القانون بحق المشتبه بهم في الجانب الآخر، إن لجان التحقيق في الأحداث المؤسفة لا يمكن تصويرها على أن الهدف منها أن تلف حبال المشانق على رقاب المسؤولين، بل أن الهدف الأساس منها يكمن في استخلاص العبر والدروس وعدم تكرار الأخطاء، فالشعوب التي لا تتعلم من أخطائها وأخطاء غيرها لا يمكن لها أن تتقدم وستبقى تراوح مكانها، وبالتالي مطلوب من رئيس الوزراء أن يكمل ما بدأه بتنفيذ تعهداته باستخلاص العبر والدروس لضمان عدم تكرار الخطأ وتطبيق القانون في المشتبة بهم.

 الحدث المؤسف الذي شهدته قباطية والذي تحول معه استقبال الأسير المحرر من يوم فرح إلى حزن يلف البلدة ويهدد السلم المجتمعي، جاء على خلفية الادعاء بأن الاحتفال بالأسير سيرافقه عرضاً عسكرياً أو حتى اطلاق للنيران ابتهاجاً بتحرير الأسير، وإن سلمنا جدلاً بذلك فالمؤكد أننا افتقدنا للغة الحوار التي يمكن لها أن تجنبنا النتيجة المؤسفة، وفي الوقت ذاته آن للفصائل الفلسطينية أن تتوقف عند مسؤوليتها ووتوافق على تجريم استخدام السلاح والعبث به في المناسبات المختلفة سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو قطاع غزة، سيما وأن أفراحنا وأتراحنا ليست بحاجة إلى زخات الرصاص ولا إلى العبث بالسلاح في مشهد استعراضي دفع كلفته العديد من أبناء شعبنا.

 حادث النصيرات المأساوي يحتم علينا أن نتحلى بالمسؤولية وأن يكون هناك تحقيق جاد ومسؤول نصل من خلاله إلى كل الحيثيات التي أدت اليه، ولا يفيد البتة توجيه أصابع الاتهام لشخص أو جهة عن تلك الكارثة دون استقاء العبر والدروس وتصحيح الأخطاء ومعاقبة المقصرين، وأن نفك به طلاسم الصلاحيات المتداخلة التي تغيب معها تحديد المسؤوليات، ولا يجوز لنا أن نركن لفهمنا الخاطيء لمقولة لا يغني حذر من قدر من خلال جعل الفعل وعدم الفعل سواء، ولا يمكن لنا أن نستعين بشماعة الاحتلال أو الحصار لنعلق عليهما مسؤولية الحادث الأليم، ولا يحق لنا باي حال من الأحوال أن نتعامل مع حادث النصيرات المأساوي بنفس العقم الذي نتعامل به مع أخطاء صغيرة نسعى من خلاله لطبطة الأمور وحماية مرتكبيها، فلا نلبث أن نقع مرة تلو الأخرى ضحية ذات الأخطاء.

إن الصمت عن الأخطاء تحت حجج وذرائع واهية وغياب استخلاص العبر والدروس منها لا يسمح فقط بتكرارها بل يخلق أزمة ثقة من الصعوبة بمكان مداواة نتائجها، والثقافة المبنية على عدم المبالاة في تصحيح الأخطاء مهما صغر حجمها ستعود بالضرر على المجتمع بأسره، نخشى أن نلاحق مدرساً استخدم العقاب البدني بحق تلميذ رغم مخالفته الصريحة للقانون خوفاً من التسبب في قطع رزقه، دون أن ننتبه لآثار ذلك السلبية على اطفالنا، ونعمل على احتواء خطأ طبي دون أن نكلف نفسنا عناء اجراء تحقيق حوله، لتتكرر الأخطاء ويفقد المواطن معها ثقته بالمؤسسة الصحية، ونجري مصالحة عشائرية بين المعتدي والمعتدى عليه لنخلص المعتدي من براثن القانون دون أن ننتبه أن الاعتداء بيننا بات على أتفه الأسباب، كم تستهوينا سياسة احتواء الأخطاء أكثر من معالجتها والاستفادة منها بعدم تكراراها.


 د. أسامه الفرا

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت