انفضّ سيناريو الانتخابات العامة في الكيان الصهيوني بعد طول انتظار وبروز رهانات متعددة، ولقد فاز اليمين الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتنياهو وحزبه «الليكود»، ولكن دون أن يعني ذلك حصوله ومعسكره اليميني، على أحقية تشكيل الحكومة، لا هو، ولا منافسه زعيم حزب «أزرق أبيض» بيني غانتس مع معسكره «الوسط – اليسار»، لان كلا المعسكرين لم يستطيعا تحقيق أغلبية 61 مقعداً في الكنيست.
النتائج السابقة تأتي وسط دعوات لأن يغلق الفلسطينيون مرحلة أوسلو بشكل نهائي وينتقلوا إلى إستراتيجية عمل جديد وضرورة إجراء تقييم لتحديد الخطأ من الصحيح، ويتساءل البعض، ماذا يعني فوز اليمين، أو اليسار، في إسرائيل؟ بداية، هل يوجد حمامات سلام صهيونية تعيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين التاريخية؟ لأن بعض الأصوات والأقلام قالت: إن عملية «السلام» باتت لا شك في مهب الريح بسبب تعنت اليمين الإسرائيلي في التوصل إلى «حل ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر حل الدولتين»، الذي عملياً بصفقة القرن يمكن القول إنه انتهى رغم المناداة به من قبل الفلسطينيين والمجتمع الدولي. تلك مغالطات كبيرة ومجحفة بحق بيت المقدس وأكنافه، فعن أي عملية سلام يتحدثون؟
وبالتالي لماذا حصر الصراع الوجودي بين الشعب الفلسطيني والعدو الصهيوني؟ وتالياً من خوّل هؤلاء بقبول حل الدولتين وهل حقاً نادى به الفلسطينيون والمجتمع الدولي؟ لا بد من التأكيد أن كل من لا يرى بأساً في المشروع الصهيوني في المنطقة وأنه بدرجة سوء وجود الولايات المتحدة الأميركية، فليغادر حلبة الصراع وليترك ساحات المواجهة لمن هم أجدر بها، فالأمة العربية ولاّدة منذ فجر التاريخ للصناديد والرجال الذين يأبون الذل والانكسار مهما كانت التحديات والضغوطات الداخلية والخارجية. لن نأتي بجديد عندما نقول إن المرحلة المقبلة ليست سهلة أمام الفلسطينيين، بعد ما أفرزته انتخابات الكيان الصهيوني ومع بداية تطبيق «صفقة القرن» على الأرض.
والحقيقة أن كل مراحل الصراع مع المشروع الصهيوني كانت معقدة عاشها الظرفان الذاتي والموضوعي ولم يستكن خلالها الشعب الفلسطيني بل على العكس تماماً راح يبتكر مزيداً من أدوات وأساليب النضال والمقاومة مقرونة بصمود أسطوري لثورة تعتبر فريدة من نوعها في تاريخ البشرية.
لا شك أن المقاومة العربية وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية كانت أحد أبرز الأسباب التي جعلت الانتخابات الصهيونية للمرة الثالثة تشير إلى عمق الأزمة داخل الكيان الصهيوني منذ نحو عام تقريباً، بعدما لم يستطع بنيامين نتنياهو ولا بني غينيتس تشكيل حكومة، وهذه الأزمة لن تنتهي بفوز هذا الحزب أو ذاك حتى لو ضم العدو الصهيوني الأغوار وغيرها لتصبح تحت سيادته في الأشهر المقبلة، وحتى لو ارتكب هذا العدو مزيداً من الاعتداءات التي تطول الحجر والشجر والبشر، لأن المقاومة وعلى رأسها المسلحة مستمرة حتى تحرير الأرض والإنسان.
بناء على ما سلف وغيره من مرتكزات المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحتلالي والتي خبرها أبناء الأمة في سوادهم الأعظم وقواهم الحية في المنطقة وكثير من أحرار العالم، ينبغي التأكيد أن الفرق بين الأحزاب الصهيونية يقتصر على التنافس على السلطة، في حين مواقفهم تجاه الصراع مع الشعب الفلسطيني متوافقة استراتيجياً وتختلف نسبياً على مستوى التكتيك والمناورة.
لا شك أيضاً أن ما بعد الانتخابات الصهيونية سيجعل الموقف الرسمي الفلسطيني أكثر صعوبة والخيارات محدودة، حتى لو تفاوضت السلطة الفلسطينية مع أي حكومات صهيونية مقبلة لسنوات عديدة أخرى، كما أن تسارع وتيرة التطبيع من قبل العديد من الرسميات العربية مع كيان الاحتلال الصهيوني سوف يشجع هذا الكيان على تصعيد عدوانه على المقاومة العربية والدول الداعمة لها وعلى رأسها سورية وسيسعى إلى إحداث مزيد من التشظي العربي والتفكيك للدول العربية وصولاً إلى تحقيق الأهداف القريبة والبعيدة للمشروع الصهيوني في المنطقة والعالم.
فلا يتوهمن أحد بتحقيق السلام مع شذاذ الآفاق الذين اصطنعوا لهم كياناً يتحقق بعده شعارهم المزعوم «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل»، إن السلام والاحتلال ضدان لا يمكن أن يلتقيا.
كتب نعيم إبراهيم