العمال وحالة الطوارئ في فلسطين

بقلم: سلامه ابو زعيتر

سلامه أبو زعيتر

 لا يخفى على أحد حجم التحديات والمسئوليات التي تقع على الحكومة الفلسطينية، والقيادة السياسية وكافة المؤسسات الاجتماعية والوطنية، وكل فرد في المجتمع، في التعامل مع تداعيات فايروس الكورونا، واليات الوقاية والحد من انتشاره،- فهو شرّ لابد منه -، وقد طال كل أنحاء العالم بنسب متفاوتة، وأصبح هاجساً لكل مواطن بما يحمل من تهديد لصحته وما يشكل من خطورة على أمن واستقرار المجتمع.

 يعتبر اتخاذ الاجراءات والتدابير الاحترازية هي البداية العملية للوقاية منه، وتشكل مسئولية وواجب لا تحتمل أي تأخير، وتحتاج لقرارات حكيمة وجريئة للشروع الفوري في تنفيذ خطط وبرامج الوقائية الفعّالة التي تستند على التجربة والمهنية، لحفظ حياة المواطنين والمجتمع، فإعلان حالة الطوارئ لمدة 30 يوم في فلسطين، والحجر الصحي في المناطق التي يشتبه الإصابة بها، وتنظيم عمل الموظفين وتوقيف الدراسة في المدارس والجامعات والمعاهد والرياض والحضانات ..إلخ،

 ووضع خطط للوزرات للتعامل مع موظفيها بما يحفظ حقوقها ويساعد في مواجهة الفايروس وتداعياته المرضية، خطوات عملية لحماية المجتمع وتساهم في تعزيز صمود الموظف في مواجهة هذه التحديات، ولكن هناك فئة كبيرة من العمال التي شكلت هذه الخطوات والإجراءات تأثيراً مباشراً على حياته وظروفه المعيشية، فإن كانت الحكومة والقطاع العام والمؤسسات الأهلية استطاعت أن تنظيم أعمالها وحقوق موظفيها، فقد طال الضرر عمال القطاع الخاص وذلك من خلال أن كثيراً من المنشآت التشغيلية أغلقت أبوابها أمام العمال وتوقفت عن العمل التزاماً بحالة الطوارئ، وعلى سبيل المثال القطاع السياحي الذي تعطل ويعمل ما يزيد عن خمس وعشرين الفاً عامل ضمن ما يزيد عن سبع آلاف منشأة، وماذا إن توقف العمال داخل الخط الأخضر؟!.

 وفي رصد مبدئي لتبعيات التوقف للمشاغل نلمس عدم التزام العديد من المشغلين بدفع الأجور عن هذه الفترة للعمال، ومن يلتزم إلى متى ستسمح قدراته المالية بالاستمرار بدفع رواتب العمال؟! برغم قرار وزير العمل د. نصري أبو جيش الذي أكدّ على حقهم بالأجر، ومطالبات الأمين العام الأخ/ شاهر سعد وقيادة الاتحاد العام للنقابات عمال فلسطين بضرورة دفع الأجور وفق الأصول وقانون العمل الذي استند فيه لحق العمال بتقاضي أجر وفق مادة (38) التي تؤكد على حق العمال بالأجر في حال صدور قرار إداري أو قضائي بإغلاق أو إيقاف أي منشأة مؤقتاً بمدة زمنية لا تزيد عن شهرين، وهذا تأكيد لحق العمال بتقاضي الأجور، ومن المفترض أن لا يحدث أي ضرر عليهم او جدل يخالف نص القانون، والأصل أن تنظم عملية دفع الأجور بشكل سلس وبدون إشكاليات.

لكن الظاهر بأن الأمور فيما يتعلق بقضايا العمال دائماً تحتاج لقرارات ومتابعة وإجراءات لحماية حقوقهم وخاصة في هذه الظروف، ولا يجوز أن يكون العامل وأسرته ضحية لأي متغيرات او أحداث أو كوارث، فهو كإنسان يعيش على قوت يومه ودخله يعتمد على عمله، وفي حال توقف حصوله على الأجر تتفاقم مشاكله، وتتداخل أولوياته ويتأثر سلوكه، مما ينغص حياته اليومية، ومدى قناعاته في التعامل مع الإجراءات الوقائية لمواجهة فايروس الكورونا، واعتقد أنه من الواجب اتخاذ إجراءات عملية لحماية العمال وتعزيز صمودهم من خلال التالي:

- تشكيل خلية أزمة تختص بالتشغيل والعمال والاستجابة للطوارئ يتشارك فيها الحكومة وممثلي العمال وأصحاب العمل.
 - مراقبة ومتابعة التطورات للأحداث وإصدار أوراق حقائق للواقع للعمال وأضرار القطاعات الانتاجية.
- متابعة المشغلين وأصحاب العمل وإلزامهم بدفع الأجور لعمالهم عن فترة الإغلاق الإداري من قبل وزارة العمل والحكومة، وفي حال ضعف مقدرة المشغلين، ضرورة تقديم الدعم والتعويض لهم عن الأضرار من قِبل الحكومة لحماية حقوق العمال.
- إنشاء صندوق لدعم المتضررين من انتشار فايروس الكورونا، وإيجاد مصادر لتمويل هذا الصندوق برعاية ومشاركة كل الأطراف من أصحاب العلاقة لتعزيز الصمود وسبل المواجهة.
- الاهتمام بشكل جدي بموضوع العمال الذين يعملون داخل الخط الأخضر، وإيجاد السبل لتعويضهم في حال توقفهم عن العمل مؤقتاً بقرار حكومي ضمن حملتها للوقاية من نقل الفايروس وخاصة لارتفاع عدد المصابين داخل (إسرائيل).
- وضع خطة توعوية متخصص كما في كافة قطاعات وفئات المجتمع، تهتم بالعمال وأسرهم من خلال تشكيل لجان تطوع من الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين والاتحادات والنقابات العمالية والمؤسسات الاجتماعية والنقابية لتثقيفهم حول سبل الوقاية من فايروس الكورونا، والحد من انتقال العدوى؛ لما يشكلوا من قاعدة عريضة بالمجتمع، ومساعدتهم في توفير الأدوات اللازمة للسلامة وخاصة للعمال الذين على رأس عملهم.

 لا نستطيع إنكار أو تجاهل حجم الخطر والتداعيات لانتشار هذا الفايروس الخطير على المجتمع الفلسطيني، وكل فرد فيه بما يحمل ذلك من تهديد على الحياة المواطنين، وما ينعكس على الاقتصاد الوطني وكل مكونات الحياة ، وهذا يحتاج جهد جماعي وحماية لكل الفئات الاجتماعية لتستطيع الصمود والتعاون في مواجهة الأزمات والظروف الصعبة، ولتكن معولاً للتعاون والبناء في تطوير حماية المجتمع وحصر الفايروس ومكافحته على جميع المستويات، فالإنسان هو الغاية وهو الهدف والوسيلة التي من خلالها نستطيع تشكيل قوة لحمايته والوقاية من الأمراض التي تهدد مستقبله .

 
  د. سلامه أبو زعيتر
 • عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت