هي أزمة وستمر؛ ندعو الله ألا تحصد أرواحا من أبناء شعوبنا العربية، ولكن أرجو ألا تأخذ معها بعضا من قيمه واحترامه لحكوماته وذاته، كثيرة هي الامتحانات التي تخضع لها شعوبنا العربية لكن هذا هو أصعبها، لأنه امتحان عملي لصمود أنظمتنا وقدرتها على مجابهة كوارث إنسانية محتملة، واحترامها لشعوبها بل قدرتها على كسب ثقتهم باعتبارهم دافعي الضرائب وأغلى ما تملك، ولتكون دفعة لاستمرارها في كسب قلوب والمرور نحو مستقبل أفضل، بالطبع أقصد حكوماتنا العربية ... نعم العربية.
بلغ عدد المصابين بفايروس كوفيد 19 "كورونا" في وطننا العربي إلى هذه اللحظة قرابة 500 حالة إصابة بلا وفيات ولله الحمد، وهو يزداد في الإحصاءات اليومية الرسمية، حسب مرصد الفايروس العالمي https://www.worldometers.info/coronavirus/ برغم العلاجات العظمى التي تم الإعلان عنها في أكثر من بلد عربي وخاصة في مصر السيسي وعبد العاطي.
بالطبع لم نعلن فقدان السيطرة على هذا المرض ابن الحيوانات .. حقيقةً لا شتماً، فقد احتُضن داخل حيوانات المزرعة أو الخفافيش ثم انتقل إلى الإنسان، وينتهي نسبه إلى مرض آخر ملأ العالم ضجيجا عام 2003 (السارس) حين أصاب أكثر من 8000 إنسان وقتل أكثر من 900، ولكن تجاوُز(كوفيد 19) ابن كورونا 100000 إصابة ووفاة الآلاف بسببه أخرجنا من حالة التنكيت والاستهزاء التي سادت العالم العربي إلى التفكير الواقعي؛ وبدأنا ننظر لإمكانياتنا ونقاط القوة لدينا في مواجهة المرض كوننا لا نأكل إلا طيبا فلا نأكل ما يأكله الصينيون، وأننا نتمتع بأجساد قوية يمكنها ممانعة هذا المرض، ووجود الكثير من النباتات الطبية في مطبخنا تشكل وسيلة وقاية وحماية من الأمراض، وأن ما أصابنا لم يكن ليصيبنا إلا بالقضاء والقدر.
أما نقاط ضعفنا فلا يُستغرَبُ أنها تبدأ بنقاط قوتنا نفسها فالعلم لم يربط العدوى بطعام الإنسان المعرض للإصابة بل إنه يشك في أنه انتقل عبر الحيوانات، وقوة أجسادنا لا تعني مناعتنا للمرض بالضرورة، وطعامنا وشرابنا ليسا بالخلطة السحرية لكل أمراض الكون، والقضاء والقدر يعني التسليم بإرادة الله التي تتضمن الابتلاء بكل صوره، أما عاداتنا التي يصعب علينا تجاوزها كقبلات الاستقبال والفرح والحزن والتهاني وفضولنا الذي يدفعنا لتفحص كل شيء بكل حواسنا دون داعي، واجتماعاتنا الدورية الدينية والاجتماعية والاقتصادية التي لا مفر منها، أما تواكلنا عند وقوع المصائب وتغاضينا عن أولويات السلامة العامة وتحول المرض صعب العلاج إلى فضيحة لا تنال المريض وحده بل وأهله معه، كالسرطان حين سمّي بالخبيث، ولن نغفل حكايات الجارات والشائعات ومواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن أن تبث الهلع في نفوس الناس وتأخذهم إلى ما لا يحمد عقباه.
فايروس كورونا خبيث ومخادع نشأ في بيئة خبيثة وتغلغل بين الناس رغما عنهم، واستوطن أجسادهم وملابسهم وكل شيء حولهم ووصل إلى الوزراء والسفراء ولاعبي كرة القدم ولم يرحم الكبار واستضعف الصغار واستطاع في أيام أن يؤثر في اقتصاد إحدى أقوى دول العالم، ثم تنقل بين دول العالم دون جواز سفر، وكأنه رحالة يجوب العالم ليجمع في جعبته الثقافات والأديان والمذاهب دون تمييز، والأسوأ أنه الابن المميز في عائلة كورونا وتعتمد عليه للقضاء على أعدائها من البشر، وقوته أصابتنا بالهلوسة فربما هو سلاح بيولوجي صنعته الصين لمهاجمة أمريكا، أو فر من أحد مختبرات ووهان الحيوية وانتشر في الصين، وربما هي مآمره أمريكية لضرب اقتصاد الصين المتنامي بل أنه خدعة صينية للتخلص من الأسهم الأوروبية في الاقتصاد الصيني، ربما كان بعضا من غضب الله على البشر وحدث ولا حرج عن التحليلات والتأويلات العبقرية لهذا البلاء الذي أصاب العالم ... والغريب أن سكان الفضاء لا زالوا بريئين من هذا الفايروس اللعين حتى الآن.
تقف الدول العربية عاجزة عن مواجهة هذا المرض وتدافع عن شعوبها بإجراءات الحجر الصحي فقط، وتنتظر دول العالم كي تقدم لها العلاج على طبق من فضة والصحة على طبق من ذهب، والمزعج أنها لا تعلن عن تخصيص مختبر علمي معتبر للبحث عن العلاج، أو حتى لاستخدام آلية فعالة لفحص المصابين سوى التي يقدمها الشرق أو الغرب، بل إننا لم نسمع بخطة لاحتواء المرض وعلاج المصابين لو حصل الأسوأ سوى الحَجْر مع أنّ تراثنا من الأدوية الشعبية يمكن أن يساعد إن تم استغلاله بطريقة علمية، وبالمحصلة ليس لنا من أمل إلا التذلل لأول من يصنع الدواء، أو التستر على عدد المصابين في بلداننا العربية حتى لا تكون سلاحا في يد أعدائنا، ولئن بتنا على شفا كارثة تفشي المرض وفقدان السيطرة عليه ليس لنا إلا الاعتماد على الكفاءات الطبية والعلمية المعتبرة في جامعات وطننا العربي للبحث عن دواء لهذا الفايروس ولكل مسؤول ملتزم ورجل أعمال شريف لدعم هذه الأبحاث ولربما آن الأوان للتخلي عن وطنيتنا المنتنة لتتوحد جهودنا ونرفع عن كاهلنا وطأة هذا البلاء.
أسامة نجاتي سدر
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت