عاد قطاع غزة إلى الواجهة من جديد مع انتشار وباء كورونا المستجد «كوفيد ـ 19»، والذي يعاني حصاراً إسرائيلياً خانقاً للعام الرابع عشر على التوالي وتحت الإجراءات العقابية للسلطة الفلسطينية للعام الثالث على التوالي، ويعيش أوضاعاً مأساوية جراء تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية ناهيك عن ضعف البنية التحتية وارتفاع نسب الفقر والبطالة.
وبدأت الحكاية في قطاع غزة مع إعلان الحكومة الفلسطينية حالة الطوارئ في محافظات الوطن في 5 آذار (مارس) الجاري، وفتح أماكن الحجر الصحي في المدارس والفنادق السياحية، ولكن اكتشاف حالتين لمواطنين قادمين من باكستان ومتواجدين بالحجر الصحي في إحدى مدارس قطاع غزة (23/3) زاد الطين بلة، وخلق حالة من الهستيريا والهلع والخوف في صفوف المواطنين سواء من هم بداخل الحجر الصحي أو خارجه، ودفع المواطنين للتبضع وشراء السلع الأساسية والمواد الغذائية.
حيث شملت حالة الطوارئ المعلنة إغلاق تام للمدارس والجامعات الفلسطينية تبعه إغلاق لكافة المساجد وصالات الأفراح وبيوت العزاء والمقاهي والأندية الرياضية والأسواق الشعبية ووقف الحفلات والتجمعات وسوى ذلك من الإجراءات.
وبدأت سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة (15/3) بتطبيق حجر إلزامي لكافة العائدين لمدة 14 يوماً عبر معبر رفح وحاجز بيت حانون «إيرز». حيث بلغ عدد مراكز الحجر الصحي في قطاع غزة 22 مركزاً موزعة على كافة المحافظات بما فيها المدارس والمشافي والعيادات والفنادق، ويبلغ عدد الحالات المدخلة في مراكز الحجر الصحي 1420 حالة، فيما يخضع للحجر الصحي 1367 حالة، فيما تبين إصابة حالتين فقط، وفق الإيجاز الصحفي لمركز الإعلام والمعلومات الحكومي (24/3).
مشاهد في الحجر الصحي
الحال في داخل الحجر الصحي الإلزامي يختلف عن الحياة في خارجه، وقد لا يتخيل الإنسان أن يقضي 14 يوماً بمركز الحجر الصحي يُمنع خلالها من استقبال الزائرين أو الاتصال بالخارج إلا عبر الهاتف الخلوي أو الانترنت.
ويجلس الأربعيني محمد الشبطي «المايسترو» في زاوية أحد فصول مدرسة مرمرة الحكومية شرقي محافظة رفح جنوب قطاع غزة، والتي جرى تحويلها لحجر صحي إلزامي، يقول، «اختلفت إجراءات الحجر على كافة الأصعدة الحياتية والخدماتية والصحية، فاستبدلت فرشات النوم بالأسرة، وتوفرت مياه ساخنة وانترنت وكهرباء وطبيب يراقب الأوضاع الصحية للمحجورين»، مضيفاً: «الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، والتطور مستمر وفق الإمكانيات المتاحة في غزة».
ويكتب الشبطي على صفحته على «الفيسبوك» في يومه العاشر،«لو حدا التقى وسألني انت من أين جئت؟، ماذا أقول له؟ راجع من السفر!! ولا راجع من الحجر!!». فيما يتحدث المصور الرياضي يوسف بعلوشة الملقب بـ«الحانوتي» على صفحته على الفيسبوك، حيث يتواجد في الحجر الصحي بمدرسة رودلف فلتر بمدينة دير البلح وسط القطاع «صباحكم من اليوم السابع للحجر الصحي، قضينا نصف المدة، المفروض يطلعونا حسن سير وسلوك». مضيفاً: «بدي اقوم اقرأ كلمتين بكرة امتحانات النصفي.... دعواتكم».
ويقول فتحي الرازم على صفحته الفيسبوكية «فوائد الحجر الصحي في مدارس غزة، الآباء يكملون مسيرة الأبناء».
قدرة القطاع الصحي
فيما خارج الحجر الصحي في قطاع غزة، ارتفعت أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية بشكل كبير بعد ساعات قليلة من إعلان وزارة الصحة إصابة مواطنين بـ«كورونا»، إلا أن وزارتي الاقتصاد والمالية بغزة اتخذت خطوات سريعة لضبط الأسعار منها وقف تصدير كافة السلع لخارج غزة، واتخاذ قرار بالإعفاء الضريبي على استيراد كافة السلع الاساسية وعددها 14 سلعة لتدعيم المخزون الاحتياطي من هذه السلع.
ووفق تقديرات مكتب منظمة الصحة العالمية في غزة ، فإن «الوضع الصحي بالقطاع الذي يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة بفعل الحصار الإسرائيلي المشدد، لديه القدرة على التعامل مع أول 100 حالة إصابة بالفيروس بطريقة جيدة، وبعد ذلك سيحتاج دعماً خارجياً».
ولكن ما أثار القلق حين اعتبر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في فلسطين، جيمي ماكغولدريك، أن وصول «كورونا» إلى غزة قد يكون مخيفاً، نتيجة الاكتظاظ السكاني ومحدودية النظام الصحي، قائلاً في حوار نشره الموقع الإخباري الرسمي للأمم المتحدة، قبل ساعات من الإعلان عن أول حالتي إصابة: «قلقون فيما يتعلق بغزة؛ إنها منطقة معقدة، بسبب الحصار الطويل الأمد والقيود المفروضة التي تصعّب الأمور».
ورأى المسؤول الأممي أن وصول الفيروس إلى القطاع سيحوّله إلى «ما يشبه الحاضنة عندما يعلَق الناس ضمن منطقة مكتظة بالسكان، والنظام الصحي فيها يعاني نقصاً في التمويل وشحّاً بالموارد والأجهزة».وأكدت وزارة الصحة في قطاع غزة وجود شح كبير في عينات الفحص لمرض كورونا، داعيةً العالم أجمع إلى التحرك لضرورة رفع الحصار عن القطاع لتمكينه من مواجهة كورونا.
غزة نحو الكارثة
فيما رأى مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة «بتسيلم» في بيان له (23/3)، أن «تفشّي فيروس كورونا في قطاع غزّة سيؤدي إلى كارثة مروّعة نتيجة للحصار والاكتظاظ السكاني». مضيفاً: «جهاز الصحّة في قطاع غزّة منهار أصلاً حتى قبل وجود مريض كورونا الأوّل وهو اليوم أبعد ما يكون عن تلبية احتياجات السكّان في ظلّ نقص الأدوية والتجهيزات والمعدّات الطبيّة».
وقال المركز إن «ما يقارب مليوني إنسان يعيشون في فقر مدقع وعوَز، الاقتصاد انهار منذ زمن طويل والسكّان محبوسون داخل سوق عمل صغير ومحدود، ممّا أنتج بطالة وصلت أكثر من 70% في أوساط الشباب وجعل نحو 80% من السكّان معتمدين على مخصّصات الغوث الإنساني».
وسام زغبر
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت