الجزء الأول من / حوار المناضلين حول بوصلة فلسطين مع عميد الأسرى الفلسطينيين كريم يونس

99e7521458cddfb7aaf14f9edf5f9148


 

سجن ريمون

مقدمـــــــــــــــــــــــــــة :

أسرى لم يسبق لتجاربهم مثيل في حركات التحرر العالمية، تخطوا كل أصناف القياس في طول فترة الاعتقال، وفي أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، وفي الانتهاكات اللحظية والتفصيلية واليومية المخالفة لكل الأعراف والمواثيق والاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الإنساني.

وصفهم المختصون (بقدامى المعتقلين، وعمداء وأيقونات الأسرى، وجنرالات الصبر)، وجميعها تليق بهم لصمودهم وصبرهم وتحديهم وقوة عزيمتهم وإرادتهم وإيمانهم بربهم، وعدالة قضيتهم، وانتمائهم لوطنهم وشعبهم، وطموحهم بالحرية والسيادة والاستقلال .

هؤلاء الأسرى الذين أبدعوا خلال اعتقالهم على صعيد بناء الهياكل والمؤسسات الاعتقالية واتخاذ القرارات، وترتيب بنية الفصائل الداخلية، ونمط التعاون والتنسيق بين الفصائل في السجن الواحد وبين المعتقلات، وعلى صعيد الاهتمام والبناء الثقافي والإنتاج الأدبي والتعليمي، والتأثير الإيجابي السياسي، ومسيرة الإضرابات المفتوحة عن الطعام الفردية والجماعية من حيث امتداد الفترات الزمنية غير المسبوقة، والإنجازات التي تحققت من أنياب محتل لم يعترف بالاتفاقيات والمعاهدات العالمية والقانون الدولي الإنساني.

وكان الأسرى طوال فترة اعتقالهم أكثر حكمة، وأعمق حنكة، وأصلب عزيمة، وأكثر وعي، في مواجهة الأزمات، وأكثر حرص على الوحدة الوطنية والتفاهم والمشاركة من الجميع في اتخاذ القرارات على أسس ديمقراطية سليمة، وأكثر كفاءة في استقراء المستقبل بالقدر الذي يحقق الأهداف المرجوة، والقدرة على ترتيب الأولويات وتوجيه اهتمام الأسرى للنافع والمفيد واقعًا ومستقبلًا، وتحديد أفضل الأساليب والوسائل ببدائل متعددة تحقيقًا للكرامة . "

في هذه الدراسة الرائعة والمختصرة، بشكلها الحواري مع أهم وأبرز اسم للحركة الأسيرة، مع عميد الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية "الأسير كريم يوسف فضل يونس"، والذي منحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح، وأمضى في السجون والمعتقلات الاسرائيلية ما يقارب من ثلثي عمره، ولم يحظ بكل عمليات التبادل، أو إفراجات التسوية السياسية ، أو صفقة وفاء الأحرار ، وإفراجات الرئيس للأسرى القدامى .

الأسير كريم يونس، من سكان قرية عارة بالمثلث في الداخل المحتل عام 1948، وهو أقدم أسير فلسطيني في سجون الاحتلال وفي العالم، فقد اعتقل في 6/1/1983م، تمت محاكمته بعد 27 جلسة على مدار سنة كاملة بالإعدام شنقًا بالحبل، ولم يكن هذا القرار إلا قرارًا سياسيًا مبرمجًا يستهدف تدمير معنوياته، ولفرض حالة من الرعب والخوف والحرب النفسية عليه وعلى كل من يقوم بحالة النضال ضد الاحتلال، وقد قام الأسرى باستئناف الحكم، وحينها قررت المحكمة الإسرائيلية إصدار حكم بالسجن المؤبد المفتوح مدى الحياة، وقد كان يفترض أن يتم الإفراج عنه خلال الدفعة الرابعة وفق التفاهمات التي أبرمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس _أبو مازن_ مع حكومة إسرائيل والتي تقضي بالإفراج عن كافة الأسرى القدامى المعتقلين قبل اتفاقيات أوسلو، ولكن حكومة الاحتلال تنصلت من الإفراج عن الدفعة الرابعة والتي كانت تتضمن 30 أسيرا، منهم 14 أسيرًا من الداخل الفلسطيني وهم الأقدم في السجون.

ويعتبر كريم من أبرز قيادات الحركة الأسيرة ورموزها، ، ولقد درس المرحلة الابتدائية في قريته عارة، ودرس الثانوية بمدرسة الساليزيان في الناصرة، ثم واصل دراسته في قسم الهندسة الميكانيكية بجامعة بن غوريون في النقب، ولم ينقطع كريم يونس عن الدراسة، فواصل رحلته التعليمية داخل السجون الإسرائيلية، بل أصبح يشرف على عملية التعليم الجامعي للأسرى الذين سمح لهم الاحتلال بذلك، وله العديد من المؤلفات منها " "الواقع السياسي في إسرائيل" عام 1990،تحدث خلاله عن جميع الأحزاب السياسية الإسرائيلية، والثاني بعنوان "الصراع الأيدولوجي والتسوية" عام 1993" ، ودومًا كان يشغل المواقع القيادية الأولى في جميع المعارك التي سطرتها الحركة الأسيرة في كافة المراحل في صراعها المرير مع إدارة السجون، ورغم تعرضه للعقاب والعزل والنفي من سجن لآخر لم يكن يتأخر عن المشاركة في إدارة دفة الصراع دفاعًا عن الحركة الأسيرة ومكتسباتها، كما وكان يفخر دومًا بهويته الفلسطينية، فلم تنل منه سنوات الاعتقال، ولم تؤثر على معنوياته ومبادئه محطات المعاناة بعدما شطب اسمه من كل عمليات التبادل، وقد كان ممثل الأسرى في أكثر من معتقل، ويمتلك الكثير من الوعي والخبرة والثقافة التي كرسها في خدمة الحركة الأسيرة وتطوير أوضاعها وقدراتها الوطنية والنضالية والتنظيمية والاعتقالية ([1]).

ولا يفوتنا أن هذا الحوار الذى أجراه الأسير " إياد رشدي عبد المجيد أبو ناصر " في سجن رامون مع عميد الأسرى الفلسطينيين سيكون في غاية الأهمية لصالح الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة في السجون، ولصالح القضية الفلسطينية، فكل كلمة فيه حفرت بالدم وسنوات العمر والقيم النبيلة .

خاصة أن الأسير "إياد أبو ناصر"، وهو من سكان غزة بمدينة دير البلح، مواليد: 7/8/1983م معتقل بتاريخ 10/6/2003 ، ومحكوم 18 عام، منتميًا لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وموجهة له لائحة اتهام  باستهداف المستوطنين في غزة لسبع مرات، ويحمل شهادة دبلوم منظمات مجتمع مدنى، ودبلوم تأهيل " دعاة ومحفظين " من الكلية التطبيقية التابعة للجامعة الإسلامية بغزة، وشهادة البكالوريوس في التاريخ من جامعة الأقصى بغزة، وبكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة القدس - أبو ديس، وبكالوريوس اجتماعيات من جامعة القدس المفتوحة، وجميعها أثناء الاعتقال، وتنقل في غالبية السجون في (سجن عسقلان، والرملة، ورامون، وهداريم ، وايشل ، وأوهليكيدار ، وجلبوع ومعتقل النقب) .

وأعتقد أن هذا الحوار الذي قام به أسير أمضى 18 عام من قطاع غزة ومن حركة الجهاد الإسلامي، مع أسير من أهلنا في الداخل المحتل عام 1948، ومن حركة فتح، وأمضى في الاعتقال 38 عامًا متواصلة له دلالات الوحدة الوطنية، والتعالي على الحزبيات المقيتة، ويعكس الروح الإيجابية والعلاقات المتينة بين الأسرى، ويحمل في ثناياه عبق الوطن، ورائحة الفدائيين الأحرار، الصادقين بعملهم لا بأقوالهم فقط، والشاهدة عليهم جدران الزنازين وسنوات التضحية بكل مكونات عذاباتها وآلامها وآمالها بالحرية والسيادة والاستقلال .

مدير مركز الأسرى للدراسات

الأسير المحرر

الدكتور رأفت حمدونة

29/3/2020

مقدمة معد الدراسة :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، عندما ولدت كان لكريم يونس في الأسر قرابة السبعة أشهر، فدار الزمان دورته وجئت إنا إلى السجن فيما كان لكريم قرابة 20 عامًا ، وكان كريم يومها في العام ( 2003 ) في ذروة عطائه كأحد أهم قيادات الحركة الأسيرة حيت كان يومها بقية باقية من هذا المصطلح، وتعاقبت السنوات على ظهر السنوات ولكنني لم ألتق بكريم، وقدر الله لي ونُقلت إلى سجن هدريم في سنة 2014 لدراسة الماجستير، ولكن لسبب الانقسام الفلسطيني اضطررت ومجموعة من إخواني الالتحاق ببكالوريوس علوم سياسية حيت درسنا مع كريم (في مادة المجتمع العربي في إسرائيل )، لكن فعليا كنا ندرس كل ما يشمل القضية الفلسطينية بأدق تفاصيلها، وأزعم بأن أقلة من قيادات الفصائل في السجون من يجاري كريم في هذه التفاصيل والأرقام والتواريخ والأسباب .

هنا بالضبط اقتربت كثيرًا من كريم، وتعرفت علي شخصيته العفوية والبسيطة والهادئة والأهم المتواضعة، لدرجة أنني لم أشعر بالفارق الذي بيني وبينه سواءً كان في السن أو في التجربة والنضال، وكأنني اعرفه منذ زمن طويل.

ومنذ أن حصل الانقسام في السجون، وخرجت ظاهرة أن لكل فصيل ممثله الخاص لدى الإدارة، شعرت كم نحن بحاجة إلى وحدتنا في داخل السجون وخارجها، حيث أن إدارة السجون وأجهزتها الأمنية نالت من الأسرى في ظل الانقسام، واتضح جليًا أن قوة فتح هي قوة لحماس، وضعف فتح هو ضعف لحماس، بل أي ضعف لأي ركن من أركان المقاومة هو ضعف لفلسطين والقدس، والأدهى من ذلك هو (تطويل عمر الاحتلال على أرضنا).

أما عن هذه الدراسة والحوار، فبدأ بإبراز الأسرى القدامى ما قبل اتفاقية أوسلوا، أو ما تسمى (بأسرى الدفعة الرابعة) التي لم يفرج عنها سياسيًا في دفعات أبو مازن في عام 2014، مع أن أولئك الأسرى وهم فقط 26 أسيرًا سئموا من (اللقاءات والحوارات)، وهذا طبيعي لأناس قضوا أعمارهم كاملة في السجن.

ومن المنطقي أن تشمل الدراسة مكانة الأسرى في هذا المشروع الثوري الطويل، والتساؤل حول فشل الثورة الفلسطينية من حيث المبدأ في وضع أسس (خطوط حمراء لكيفية التعامل مع وضعية الأسرى وعدم تركهم هكذا ضمن الحساب المفتوح والذي وصل لما يقارب من أربعة عقود متتالية).

وانطلاقًا من هذا الباب (موضوع الأسرى الفلسطينيين عامة والمجموعة الأقدم منهم خاصة)، كنت سأتطرق في بحثي للجوانب الأهم للقضية الفلسطينية خاصة في هذه المرحلة الفارقة والمصيرية والغير مسبوقة في التاريخ المعاصر، منذ قدوم الاحتلال البريطاني وحتى الآن، وسأتطرق بالذات حول صفقة القرن وملابساتها وما تم تطبيقه منها، والإرهاصات المجهولة، وما وصل إليه الانقسام الفلسطيني، وانعكاسات هذا الانقسام بشكل كبير على جبهة السجون، وأوضاع الأسرى والأسيرات.

فبعد سبعة عشر عامًا في السجون بتُ أُدرك أننا بحاجة لاكتشاف المكنون من نفوس وقلوب من أخذت زنازين الاحتلال منهم زهرة الشباب، وأجمل سنوات العمر، كما وبات من المهم الحديث عن قضيتنا الفلسطينية بصراحة وبكل تجرد وأمانة، لتستفيد الأجيال من تلك التجربة التي لم تتكرر في كل تجارب الثورات العالمية.

وأعتقد أن هناك مساحة تدركها الفصائل الفلسطينية ممكن أن تضيفها الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، كما في وثيقة الأسرى التي تحولت لوثيقة الوفاق الوطني، وذلك لتحقيق مقاربات كبيرة وراشدة، تؤسس لمرحلة جديدة لمصلحة الشعب والقضية، لصناعة مشهد فلسطيني حضاري نضالي حقيقي وصادق يرتقي لحجم التضحيات المستمرة ومنسوب الدم المتدفق.

وعلى صعيد الحركة الأسيرة أعتقد أن هذا الحوار سيوضح تطورها، وتحقيق الكرامة من خلال 222 شهيد أسير، بالإضافة لآلاف مؤلفة من أرطال اللحم، وآلاف السنين في مسيرة اعتقالية متراكمة عبر عقود طويلة من التضحيات والمعاناة، وهنا تكمن الخطورة التي ينبغي أن ننتبه إليها كشعب وكمقاومة وكنخب تتصدر المشهد العام، وكمعتقلين قدامى وجدد للحفاظ على إرث الحركة الأسيرة بكل تضحياتها ومضمونها ومحتواها ، وكيف يمكن لنا أن نستفيد من هذا الجيل في ساحات التضحية والفداء نحو الحرية.

وأزعم أن كريم الفدائي والثائر استطاع الإجابة على هذه التساؤلات، وحتى على الأحاسيس والمشاعر التي اجتاحت داخلي على مدار ما يقارب عقدين من الزمن، مع التأكيد أنه ليس بالضرورة أن أتفق مع الأستاذ "كريم" في كل ما يقوله ، فقد أتعارض معه في أمور جوهرية، وأؤكد على القاعدة الذهبية الشهيرة (نعمل معًا فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه) .

وهنا لن أتردد في أن أذهب لأبعد من ذلك وأقول وبعد تجربة طويلة في كواليس العمل التنظيمي في واقع مكثف ومركز مثل السجن، أننا كتنظيمات فلسطينية (وبنسب متفاوتة قد نعاني من تطبيق قوانين مسلمة في فقه الثورات لحركات التحرر العالمية خاصة في ظل الانقسام ك : (الوحدة قانون الانتصار والتفرقة قانون الاندثار) وغيرها، لذلك فرصة للحق وللتاريخ لنقول أنه آن الأوان، فقد علمتنا تجربة الانقسام الطويلة والمرعبة أن اليد لوحدها لا تصفق، وأعتقد أنه بالأهمية بمكان أن نصغي لصوت هذا الإنسان الذي أمضى حياته بين أروقة الزنازين والسجون عبر العقود الماضية على امتداد فلسطين وسيرورة الصراع الذي اكتنف هذه الحقبة الطويلة،  خاصة أن انجاز هذا العمل لم يكن بالأمر السهل، فقد دار الحوار بيننا بصعوبة بين قسمين في سجن ريمون، ومن ثم نقلت وتم استكمال الحوار من سجن إلى سجن ، ومن السجون للخارج حتى استطعت تهريب هذا العمل وايصاله على أهميته لكم.

وهنا أسجل موقفًا مشرفًا لعميد الأسرى محمد سعيد إغبارية - أبو عبد الله ،الذي رفض أن يكون اللقاء الأول مع أسرى الدفعة الرابعة، موجهًا إياي نحو الأسير كريم يونس كأقدم أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، احترامًا وتقديرًا له ولنضالاته ومكانته وتجربته النضالية والاعتقالية، وفضل أن تكون إجابات " كريم " لأهميتها كورقة مستقلة لها شخصيتها عن باقي لقاءات أسرى الدفعة الرابعة، وها أنا أخرج هذا اللقاء كما هو بحلته وعلى مسئوليتي الخاصة والكاملة، منوهًا أن " كريم " استجاب للحوار على أساس التوثيق والبحث الأكاديمي أكثر منه عملًا إعلاميًا، متمنيًا من وراءه الأجر من الله،  والفائدة الوطنية .

بقلم الأسير / اياد رشدي أبو ناصر

 

السؤال الأول: من فضلك أن تحدثنا عن بلدك من حيث المكان الجغرافي مع بعض الوصف لطبيعتها ومواردها وتاريخها وتركيبها السكاني والاجتماعي وإسهاماتها في النضال ؟؟

أنا من مواليد وسكان قرية عارة في المثلث الشمالي في فلسطين المحتلة عام 1948، تقع بلدتي كما أسلفت في وسط المثلث الشمالي في وادي عارة، وعلى الشارع الرئيسي الاستراتيجي الذي يصل جنوب غرب فلسطين بشمالها الشرقي وتحديدًا بين مدينة الخضيرة ومرج بن عامر ومدينة العفولة، كانت ولا زالت تابعة للواء حيفا، كما أسلفت تقع في وادي عارة وقبالة قرية عرعرة التي تقع على سفوح جبل الخطاف، ويفصلهما الشارع الرئيسي. اليوم تعد القريتان بلدة واحدة ويجمعهما مجلس محلي واحد. تبعد عن مدينة أم الفحم حوالي خمسة كيلو مترات من جهة الغرب وعن بلدة كفر قرع التي تقع غربها حوالي 2 كيلو متر. بلغت أراضي القرية عام 1948 حوالي 28000(ثمانية وعشرون ألف) دونم، تمت مصادرة أكثر من 65% منها، بحيث لم يبق من أراضيها سوى 8000 دونم، وهذا حال جميع القرى في الداخل الفلسطيني. يبلغ عدد سكان القريتين اليوم حوالي ستة عشر ألف نسمة، كان يعتاش معظمهم في الماضي على الزراعة، ومع مرور السنين على العمالة داخل الكيان الصهيوني. فيها عدد من المدارس، فيها مدرسة ثانوية منذ عشرات السنين، كان يرتادها عشرات التلاميذ من القرى المجاورة أيضًا. نسبة المتعلمين فيها كانت عالية بالمقارنة مع القرى المجاورة، وعلى ما أذكر أنها كانت من القرى المركزية في المنطقة رغم صغرها، وذلك بسبب موقعها الجغرافي على الشارع الرئيسي ووسط القرى في المثلث في الشمال الفلسطيني، حيث كان فيها مركز البريد الوحيد لكافة القرى المجاورة، والبنك الوحيد ومركز الشرطة الوحيد في المنطقة. وكذلك المدرسة الثانوية الأولى، الأمر الذي انعكس على وضع سكانها اجتماعيًا واقتصاديًا ودينيًا وتعليميًا أيضًا. بما أن القوات الصهيونية لم تستطع احتلالها عام 1948 رغم محاولات عدة، استوعبت عارة وعرعرة عددًا لا بأس به من المهجرين من القرى المجاورة التي تم تهجير أهلها. كان هذا النضال منذ سنوات الستينات من القرن الماضي متواضعًا، وخرج منها عددًا من المناضلين أذكر منهم حمزة يونس، وعصام يونس الملقب بالشريف وفاضل يونس وغيرهم.

 

السؤال الثاني: إذن أنت لست لاجئًا وعارة هي بلدك الأصلي؟؟

نعم، لست لاجئًا، فأنا من مواليد وسكان قرية عارة في فلسطين المحتلة عام 1948، والمثلث كما تعرف ويعرف الجميع وقف صامدًا أمام هجمات العصابات الصهيونية أثناء حرب النكبة 1948، ورغم محاولات عدة من قبل العصابات الصهيونية والجيش الصهيوني ولأكثر من ستة مرات لاقتحامها والقرى المجاورة لها، إلا أن الثوار المحليين وبقيادة أحد الضباط العراقيين حالوا دون ذلك عبر دفاع مستميت عن أهلهم وأراضيهم في هذه القرى، وقد كبلوا العدو خسائر فادحة في الأرواح وأجبروه على التراجع. لكن وللأسف ورغم هذا الصمود والمقاومة، ورغم أن المنطقة ووفقا لقرار التقسيم عام 1947 كانت ضمن الدولة العربية الفلسطينية، إلا أن المثلث ولأهميته الاستراتيجية كان مطلبًا أساسيًا من قبل الصهاينة، وقد تم التنازل عنه في نيسان 1949، من خلال اتفاقيات رودوس (اتفاقيات الهدنة) دون أي مقابل. هكذا تم تسليم منطقة المثلث التي تبلغ مساحتها حوالي 285 كيلو متر مربع وعلى كافة قراه الـ 28 وسكانها الذي بلغ عددهم آنذاك قرابة 34000 (أربع وثلاثون ألف) نسمة ضمن حدود 1948 وضمت إلى دولة الكيان.

 

السؤال الثالث: ماذا عنت لك قصة اللجوء الفلسطيني على كل الأحوال؟؟

قصة اللجوء الفلسطيني والنكبة هي قصة وقضية الشعب الفلسطيني بالأساس. فالنكبة وهزيمة العرب والفلسطينيين والتطهير العرقي الذي مارسته العصابات الصهيونية عام ،1948 وكما عرفها قسطنطين الزريليست بالشر العابر والهين، إنها نكبة بكل ما تعني الكلمة من معنى، ومحنة من أشد المحن التي ابتلينا بها نحن العرب والفلسطينيين خاصة عبر تاريخنا الطويل. فواقع التشرد والتشتت واللجوء هو أساس انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، والتي انطلقت لاستعادة الأرض وحق العودة وحق تقرير المصير كهدف أساس، ودون تحقيق هذا الهدف لا مبرر لوجود الثورة الفلسطينية.

 

 

السؤال الرابع: هل كان لشخص أو أشخاص أو أحداث معينة أثر على حياتك النضالية. أرجو بعض التوضيح والإسهاب قدر الإمكان؟؟

كان لوالدي رحمه الله تأثير كبير على صقل شخصيتي منذ نعومة أظافري. فأنا أتذكر أبي وهو يبكي على أحداث أيلول الأسود ومذابح جرش. وكان شديد القلق على شخصية أبي عمار وما حدث في لبنان وتل الزعتر. تميز والدي رحمه الله بوطنيته واعتزازه بعروبته، ولم يكن يومًا محابيًا للاحتلال والدولة اليهودية. وكثيرًا ما كان يحدثني عن الفدائيين والثورة والقرى المهجرة، وكان يأخذنا لبعضها، وكان يحضنا على التعليم ومتابعة الأخبار السياسية. بعد احتلال الضفة والقطاع كان يأخذنا لهناك ونشتري احتياجاتنا من طولكرم ومن نابلس وجنين وليس من المدن اليهودية. كما أتذكر موقفه عند اعتقالي وأذكر ما قاله لي عند أول زيارة بعد أكثر من ثلاثة شهور من الاعتقال وانتهاء فترة التحقيق، عندها وقف أمامي وحياني قائلًا أنا أعتز بأنك ابني، وفخور بتربيتي لك، وإن الشباب أمثالك يصنعون التاريخ. وأضاف قائلًا لماذا لم تخبرني، فكنت أول من يساعدك ويرشدك. كما وإن هناك شخصيتين أو ثلاثة يمكن القول أنّ لهما تأثير بارز الأهمية على انتمائي ونضالي. الأول هو ابن عمومتي الفدائي الكبير قاصد الأسوار الملقب بالزئبق حمزة يونس، والذي هرب من السجون الصهيونية ثلاث مرات وتقدم في صفوف فتح، وكان ضابطًا برتبة رائد حين اعتقالي. أذكر وقوفه أمام القاضي العسكري في محكمة اللد عام 1973، وتحديه للقاضي الذي حكم عليه بـ 495 سنة تراكمية قائلا لقد حررت نفسي من سجنكم مرتين وسأنزع قيدي وأحرر نفسي من أسركم مرة أخرى، ولا قيمة لتلك السنوات التي تحكمون بها، وفعلا هذا ما حصل، فبعد أقل من سنة حيث اختفى من السجن كالزئبق، ولهذا سمي بالزئبق. كان حمزة أمد الله بعمره قدوة الفدائي الأول ولا زال، وبالمناسبة هو من كان وراء تنظيمي وانضمامي لصفوف حركة فتح. أما الفدائي الثاني فهو أيضًا ابن عمومتي وجاري ويكبرني سنًا بثمانِ سنوات، وهو الشاب البطل الشهيد عصام يونس والمعروف باسم الشريف يونس. وأذكر كيف ترك بيته وعائلته حاملًا حقيبة صغيرة في يده متوجهًا إلى نهر الأردن بعد معركة الكرامة وانضم إلى صفوف حركة فتح، كما أتذكر كيف كان يتسلل إلى بيته وإلى أهله بين الفترة والأخرى ليحتضن والدته ووالده قبل قيامه بتنفيذ مهامه العسكرية. قام بعدة عمليات فدائية بطولية أهمها نسف مصنع الدوتش للسيارات الكارية في الناصرة العليا. كان يتسلل إلى البلاد بزي عسكري ويتنقل بوسائل نقل إسرائيلية، وساعده في ذلك مظهره الخارجي وإتقانه للغة العبرية. استشهد عصام يونس في لبنان في أواخر عام 1974 عبر عملية اغتيال مدبرة قام بها رجال الاستخبارات العسكرية الصهيونية والموساد. كما أتذكر سيرة الشهيد المناضل فاضل يونس، الكاتب والأديب الذي قضى في سجون الاحتلال عشرين عامًا، وتم ترحيله إلى الخارج، وعاد مع الأخ القائد أبو عمار ضمن العائدين، وعمل قائدًا للأمن الوقائي في أريحا ثم في طولكرم. على سيرة وهدي هؤلاء سرت، وهم من رسموا لنا طريق النضال والكفاح والثورة، وبإذن الله سنحمل بلا يأس وبلا بأس جراح المجد ونمشي على هديكم أيها الأبطال، قسمًا سنمضي.

السؤال الخامس: أرجو أن تحدثنا بشيء من التفصيل إن أمكن ذلك عن عملك ودورك النضالي وأهم الأعمال التي اشتركت بها ودورك فيها؟؟

لا أستطيع التحدث بالتفصيل عن دوري النضالي، لكن باختصار أستطيع القول أنني تجندت لحركة فتح عام 1979 مع أخي وزميلي وابن عمومتي ماهر يونس وآخرين على يد المرحوم الحاج شامل يونس، والذي تم تجنيده علي يد القائد الفتحاوي الكبير حمزة يونس، وكان قد التقاه في المملكة العربية السعودية أثناء أدائه لفريضة الحج. قمنا بتشكيل خلية في البداية لمساعدة ودعم العمل الفدائي في الضفة الغربية بالأسلحة والعتاد، حيث كنا نتلقى الأوامر المشفرة عبر الراديو، وكنا نجمع الأسلحة على اختلاف أنواعها، ونودعها في نقاط ميتة لخلايا فدائية في كل من نابلس وجنين ورام الله. كنا نجمع الأسلحة في البداية من التجار وعن طريق المعارف من إخواننا في الطائفة الدرزية في الجليل، ولكن بعد ذلك مباشرة من الجنود الإسرائيليين اليهود والذين كانوا يقتحمون مخازن السلاح في المعسكرات التي كانوا يخدمون فيها، وكان ذلك عبر عمليات معقدة وكما في الأفلام، دون أن نلتقيهم وجهًا لوجه، حيث كنا نتبادل السيارات لبضعة ساعات في اليوم، وأحيانًا ليوم كامل، ونستلمها محملة بالأسلحة. بالإضافة لذلك كنا نزود القيادة بالمعلومات والتقارير عن رصد بعض الأماكن والشخصيات الإسرائيلية. في عام 1980 طلب منا اختطاف جندي إسرائيلي وأسره من أجل مبادلته بأسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال، وقد تم ذلك في غضون ساعات منذ أن تلقينا الأمر، مما فاجأ المسئولين والذين لم يكونوا جاهزين لسرعة التنفيذ مما اضطرنا لإعدامه، لكن في نفس الوقت استمرينا في تزويد الخلايا الفدائية في الضفة بالسلاح وبكميات كبيرة، إلى أن تم القبض على إحدى الخلايا في نابلس في أواخر عام 1982، وكان يكفي خطأ واحد ارتكبناه في إحدى المرات أثناء عملية التسليم بأن أحد أعضاء هذه الخلية كان قد تعرف إلى أحدنا، الأمر الذي أدى إلى كشف خليتنا واعتقالنا، وكان ذلك في بداية كانون ثاني 1983.

 

السؤال السادس: كيف كانت تجربتك الاعتقالية، وماذا يمكنك أن تحدثنا عن لحظة الاعتقال مرورًا بمرحلة التعذيب والأساليب التي استخدمت معك، وماذا كان تصورك المسبق عن التحقيق، وما الذي واجهته في الواقع، وما هو الأثر الذي تركته هذه التجربة معك، وماذا يمكنك إخبار أو نصح الذين يتعرضون لمثل هذه التجربة؟؟

تم اعتقالي في 5/1/1983 وكنت حينها طالبًا في جامعة بن غوريون في مدينة بئر السبع، اعتقلت من قلب الجامعة وأثناء تواجدي في مختبر الجامعة، حيث تم اقتحام الحرم الجامعي من قبل عشرات من رجال مخابرات الشاباك والشرطة بالزي المدني، وسبق ذلك استدعاء لعدد من الأصدقاء والزملاء والأقارب وأبناء البلد وعدد من طلاب الجامعة، بهدف جمع المعلومات عني وعن نشاطي الجامعي، وكذلك عن تحركاتي و مكان سكني وساعات الدوام وغير ذلك. يوم واحد قبل الاعتقال في ساعة متأخرة من الليل، قامت قوات كبيرة باقتحام منزل العائلة في البلد؛ بهدف اعتقالي ولما لم يجدوني في البيت تم اقتحام الجامعة في ساعات ما قبل الظهر وأثناء الدراسة. فور اعتقالي تقدم مني أحد رجال المخابرات وأخبرني بأني متهم بالانتماء إلى منظمة معادية والقيام بأعمال ضد الدولة، ومن ثم تم اقتيادي إلى مركز شرطة بئر السبع حيث مكثت هناك حتى ساعات الليل المتأخرة، ومن هناك تم نقلي طبعًا معصوب العينين ومكبل الأيدي إلى الخلف في سيارة خاصة إلى مركز شرطة مدينة العفولة، وفي ساعات الصباح تم عرضي على قاضي محكمة الصلح في العفولة، والذي أمر باعتقالي لمدة خمسة عشر يوما. من العفولة وفي يوم ماطر وعاصف تم نقلي في سيارة جيب عسكري إلى سجن نابلس القديم، إلى قسم تحقيق الشاباك، وفور وصولي قال لي أحد المحققين "لقد تم إحضارك إلى نابلس حتى لا يعرف أحد عن وجودك، ونستطيع أن نقبرك تحت الأرض دون أن يعلم أحد بذلك، هنا لا يوجد قانون"، وعلى كل الأحوال بدأت رحلة التحقيق، حيث تناوب خلالها عدد من المحققين أذكر منهم وبأسمائهم المستعارة أبو شريف، أبو سيف، أبو فريد والكابتن جورج وغيرهم.

رغم انعدام التجربة لدي، حيث كان هذا اعتقالي الأول في حياتي، ورغم أنه لم يكن لدي أي تصور مسبق، ورغم ظروف التحقيق القاسية جدًا في ذلك الحين، الشبح والضرب والتهديد وقلة النوم والبرد القارس، إلا أنني صمدت ولم أنطق كلمة واحدة. بعد خمسة عشر يومًا ألبسوني ثياب جديدة مغسولة دافئة لعرضي أمام قاضي عسكري وتحديد اعتقالي داخل السجن ومن دون محامي ودون منحي أي فرص للدفاع عن نفسي، وبشكل أوتوماتيكي تم تمديد اعتقالي لمدة شهرين إضافيين، وطبعًا منعوا أي محامي من مقابلتي، وبعد قرابة أسبوعين إضافيين في زنازين تحقيق نابلس، تم نقلي إلى قسم الشاباك للتحقيق في سجن الجلمة، وهناك عرفت عن عدد الاعتقال من الأقارب والمعارف والأصدقاء، ومنهم ماهر يونس وسامي يونس وغيرهم. هناك واجهني المحققون بالتهم المنسوبة إليّ وبعض الاعترافات ضدي، وهناك أيضًا سمح لي ولأول مرة من مقابلة محامي، ورغم سوء حالتي الصحية التي تدهورت إلى حد كبير إلا أنني بقيت صامدًا صامتًا، رافضًا تسليمهم أي قطعة سلاح، وخصوصًا بندقية الجندي (الذي تم إعدامه) رغم الضغط الكبير الذي تعرضت إليه بسبب هذه الجزئية حتى وصل بهم الأمر إلى إحضار والدة الجندي ، والتي حاولت استجدائي لتسليمها البندقية لكي تبقى تذكارًا من ابنها. كما رفضت أيضًا المشاركة بإعادة تصوير العملية، ورغم الكم الهائل من المعلومات والتفاصيل التي واجهني بها المحققون، إلا أنني صمدت. على كل الأحوال مكثت في زنازين التحقيق قرابة الـسبعين يومًا، ثم بعدها تم تقديم لائحة اتهام ضدي في المحكمة العسكرية باللد، وبعدها تم نقلي إلى مركز التوقيف في نيتسان في سجن الرملة، وهناك التقيت بعدد كبير من الموقوفين ومن كافة المناطق من الضفة ومن غزة. وكذلك التقيت مع ماهر والحاج شامل.

 

السؤال السابع: هل يمكنك أن تحدثنا عن تجربتك في الاعتقال ومحطاتها؟؟

تجربتي الاعتقالية بمفهوم اليوم يمكن اعتبارها تجربة غنية ولا يمكن اختصارها في مقابلة أو في سطور، لا سيما أنني دخلت السجن عام 1983، وعايشت العديد من أوائل الأسرى القياديين من كل المناطق والمحافظات ومن كل الاتجاهات السياسية في زمن كانت ظروف السجون والمعتقلات تختلف تمامًا، حيث كان للحركة الأسيرة دورًا رياديًا وقياديًا وتأثيرًا كبيرًا على ما يحدث في الخارج وطنيًا وفصائليًا أيضًا، فمنذ انتهاء فترة التوقيف وبعد صدور حكم الإعدام علينا أنا وأخي ورفيق دربي ماهر يونس، تم عزلنا عن الأسرى في قسم خاص بنا في زنازين منفصلة وتحت رقابة مكثفة وخاصة لمدة دامت قرابة تسعة شهور، وذلك إلى حين صدور قرار محكمة الاستئناف العسكرية المكونة من سبعة قضاة عسكريين بتنزيل حكم الإعدام إلى الحكم المؤبد. بعد انتهاء هذه الفترة تم نقلي إلى سجن عسقلان وهناك التقيت كبار الأسرى وأقدمهم في ذلك الحين والذين عايشوا تجربة الأسر منذ بدايتها – مع حفظ الألقاب - عبدالله سكافي وأبو علي شاهين والمعتقل منذ بداية عام 1968 ، الشهيد عمر القاسم ، سليم الزريعي ، ومسعود الراعي وهشام عبد الرازق وزياد اللوح وخالد طنطش وغازي أبو جياب ولاحقًا الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي وغيرهم الكثير الكثير، وهؤلاء بالإضافة إلى الاستفادة من تجربتهم الاعتقالية والتنظيمية أثروا على تجربتي وعلى مكانتي بشكل إيجابي.

في عسقلان أيضًا كانت تجربة الإضراب عن الطعام الأولى عام 1984، ويعد هذا الإضراب في نظري إضرابًا ناجحًا، وقد حقق الكثير من المطالب الحياتية الرئيسية وعلى رأسها الراديو وأغطية الفرشات والشراشف والبيجامات وغيرها، كان لي دور مميز في هذا الإضراب حيث كنت مسئولًا عن التواصل وكتابة الرسائل للنواب العرب في الكنيست ولوزير الشرطة وللمؤسسات الحقوقية الإسرائيلية. أقول مميزًا لأن تلك كانت المرة الأولى التي يخاطب فيها الأسرى مسؤولين ومؤسسات حقوق إنسان إسرائيلية، والتي لعبت دورًا كبيرًا في فضح ما ارتكبته مصلحة السجون بحق الأسرى أثناء إضراب نفحة الشهير عام 1980 واستشهاد ثلاثة أسرى جراء الإطعام القسري أثناء الإضراب.

على كل الأحوال منذ البداية شعرت بمدى ثقة الأخوة المسؤولين بي وبإمكانياتي، ربما لإتقان اللغة العبرية من خلال الحوار أو عبر الرسائل أو تحرير البيانات للصحف العبرية، حيث كان الأخ هشام عبد الرازق ممثل المعتقل كثيرًا ما يعتمد عليّ بذلك، وعليها تم اعتمادي في اللجنة الثقافية والتي كانت تعتبر من أكبر اللجان وأهمها في ذلك الوقت.

في أواخر 1980 وبعد عملي تبادل الأسرى وإطلاق سراح أكثر من ألف أسير من المؤبدات والأحكام العالية، تم نقلي إلى سجن نفحة، وهناك أيضًا كان لي دور في الهيئات التنظيمية وتدرجت إلى أن تم انتخابي مفوضًا عن العلاقات الخارجية وعضوًا في اللجنة النضالية العامة الاعتقالية لكافة الفصائل، ومن ثم حصلت على ثقة الجميع وتم انتخابي ممثلا للمعتقل.

تنقلت بين السجون وبقيت ممثل الأسرى بينما حللت واستمر ذلك حتى عام 2005، أي إلى فترة التراجع الذي شهدته الحركة الأسيرة حيث تم بداية عقد إضراب 2004-2005 والذي توجه الانقسام البغيض الذي كان بمثابة رصاصة الرحمة على مؤسساتها وأطرها الاعتقالية والوطنية حيث حل التنافس بدل التكامل بين الفصائل والتنظيمات أو داخل التنظيم الواحد دون استثناء لأي فصيل أو تنظيم، فعندما يغيب التنسيق وتكون المصالح الضيقة على حساب المصلحة العامة تجد نفسك غير قادر على الاستمرار، لا سيما بعدما تكتشف أنك لا تستطيع أن تلعب في هكذا ملعب ضيق وتحت سقف منخفض وينحصر أدائك الوطني وينحصر نضالك إلى درجة لا تريدها.

 

السؤال الثامن: أخبرنا عن عائلتك وما مرت به من معاناة بسبب اختيارك العمل النضالي منذ البداية وحتى اليوم؟؟

أعتقد أن رحلة معاناة العائلة تبدأ مع لحظة الأسر، كما أن معاناة عائلتي كمعاناة جل عائلات المعتقلين والأسرى، لا شك أن تلك هي معاناة كبيرة لا يمكن وصفها خصوصًا أنها تطول لأكثر من ثلث قرن، فأي عائلة وأي أم وأب يمكن أن يتحملوا مثل هذه المعاناة وعلى طول كل تلك السنين وهم يطاردون وراء فلذة كبدهم من سجن لآخر، فأنا على يقين بأن الأم ومهما أبدت من قوة أو فرح أو سرور حتى في المناسبات السعيدة وفي الأفراح والأعياد سيبقى قلبها ينزف ألمًا ومعاناة طالما هي في حالة الانتظار هذه وربما لبعدها أيضًا، فالأم التي اختلس السجن فراءها واخترقت الأعوام قوامها واقتسم السجانون عقودها وأساورها وسرق الزمان نظرتها وابتسامتها ولا يقع على جسدها سوى اكليل من الشوق والحنين وقلادات من الدموع وشغف اللقاء، فالأم التي تحملت الكثير الكثير فوق طاقتها لكنها مع طوال السنين ما زالت تحملك في دمعها وقلبها، والأمل يرافقها في كل ساعة، بل وفي كل لحظة طيلة حياتها.

يتبع الجزء الثانى

 

 

 

المصدر: - اعداد الأسير إياد أبو ناصر