الجزء الثانى من "حوار المناضلين حول بوصلة فلسطين "مع عميد الأسرى الفلسطينيين كريم يونس يتحدث من سجن ريمون " إعداد الأسير إياد أبو ناصر
السؤال التاسع: ما هي الرسالة التي يمكنك أن توجهها إلى القيادات الفلسطينية بكل توجهاتها وانتماءاتها؟؟
أتوجه إلى كافة القيادات الفلسطينية وأنبههم للصوت الخافت والقادم من بعيد (أنصتوا واستيقظوا) واتركوا المتاريس التي تعددت وتلونت كل بلون خالص وتضعضعت أكانها ونمت في زواياها بذور الضياع، تعلموا من الماضي، فمن الماضي يصنع حاضرنا، تعلموا من الموت الذي يتربص بنا طوال الوقت، وتلمسوا البركان الذي يغلو من تحتنا ومن فوقنا وكـأن يدًا عليا تطوقنا وتدفعنا إلى بركان يفرقنا يشتتنا ويمزق شملنا.
أناشد الجميع و أدعو الصوت الخافت حتى الآن بأن يعلو ويصدح عاليًا كي نبقى وتبقى هويتنا، وكي نعيد لنا هيبتنا، علينا أن نتوحد مع الجمر الطائر من فوهة البركان قبل أن يعصف بنا جميعًا، ويجعلنا رمادًا لا وزن لنا ولا مكان، لا خيار لنا إلا أن ننسى خلافتنا الصغيرة و لهيبها الحدي الضيق، وأن نبتعد عن صغائر خلافاتنا كي نستطيع معًا وسويًا أن نحافظ على جذوة نضالنا، وأن نخمد هذا البركان الذي قد ينفجر من تحت أقدامنا ويخرقنا أحزابًا وفصائل وتنظيمات واحدًا تلو الآخر وأن نتذكر دائمًا أن الوحدة هي قانون الانتصار وأن التمزق هو قانون الاندثار .
السؤال العاشر: ما هي رسالتك للشعب الفلسطيني و إلى الجيل القادم؟؟
أعتقد أن شعبنا هو الذي يوجهنا حيث ينبغي علينا أن نتوجه، فالوحدة الوطنية رسالة شعبنا المقاوم، الذي لم يبخل بالنضال الحر والعطاء في سبيل قضيتنا وأحقية العودة وتقرير المصير، وهو خير من يدرك أن الأزمة التي نعانيها و حالة الركود السياسي في السنوات الاخيرة سببها التشرذم والتشتت والانقسام، وهو خير من يدرك أنه لن تقوم لنا قائمة في ظل هذا الانقسام البغيض، لذا نلاحظ أن اولوياتنا إعادة اللحمة لشعبنا، هذه رسالتنا لشعبنا والرسالة الأولى التي تستحق أن نحملها كي نستطيع أن نواجه عدونا الرئيسي المستفيد الأول من حالة الانقسام التي نعيشها.
السؤال الحادي عشر: هل ترغب بالتوجه لأمتك العربية والاسلامية برسالة معينة؟؟
أتمنى ألّا يكون مفهوم (الأمة الإسلامية) مجرد مؤسسة وبروتوكولات وبيانات مشتركة صادرة عن القمم الإسلامية بين الفترة والأخرى خصوصًا حول المقدسات الإسلامية أو بسبب انتهاكات ، للأسف لا شيء يجمعها سوى ( الاسم ) ، أما بالنسبة للدول العربية فأعتقد أنه لم يعد هناك مضمون واقعي وعملي لمفهوم (الأمة العربية) بالمعنى القومي بأبعاده الثقافية والتاريخية ووحدة المصير، والواقع يؤكد حالة التناحر والعداء والشرذمة على الأقل على المستوى الرسمي، لذا من الصعب التعويل على هذه المنظومة على أوضاعها على الأقل في الفترة الحالية، متمنيًا أن تتحول الشعارات والمصطلحات والمؤسسات إلى حقيقة تحمل رسالة ومضمون ومشروع ينقذ العالمين العربي والإسلامي من حالتهما الصعبة وأزماتهما العميقة على كل المستويات .
السؤال الثاني عشر: ما رأيك بالانقسام الفلسطيني، ولماذا استمر هذا الانقسام طوال هذه السنوات؟؟
إن ما شهدته الساحة الفلسطينية في 14 يونيو / حزيران 2007م هو حدثًا أشبه بالزلزال السياسي، أطلقت عليه حركة فتح مصطلح "الانقلاب" ووصفته حركة حماس "بالحسم" ونعته المحايدون "بالانقسام" وشهدت سنواته الكثير من الأحداث والمحطات ما بين التوتر والاشتباكات والمواجهات المسلحة، وبين الحوارات والمفاوضات والاتفاقات في فلسطين بلقاءات مباشرة، وخارجها بوساطات عربية مصرية وسعودية وقطرية وغيرها.
تحت كل المسميات _شخصيًا_ أنا ضد مبدأ الاستحواذ على السلطة بالقوة، وهذا الأمر ليس له أي مبرر على الاطلاق، وأعتقد أن هذا التاريخ الفارق سبب جوهري أوصلنا إلى هذه الحالة المتراجعة فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا- ويجب أن ينتهى .
وأعتقد أن لهذا الانقسام الكثير من الأسباب والتداعيات أهمها:_
أولًا_ الأحداث الدامية أدت إلى انعدام الثقة بين الفرقاء (حماس وفتح)، لا سيما أن ما حصل هو كسر كامل ومطلق لكل مقومات النظام المبني على الشراكة والتعددية والديمقراطية والتنافس السياسي داخل البيت الواحد، وأصبحت فتح وحماس فريقان متصارعان وليس حزبان يتنافسان على السلطة بشكل ديمقراطى.
ثانيًا_ الاستمرار للأسف في تغليب المصالح الضيقة والحزبية على المصلحة العامة والوطنية ، فكم نحن بحاجة في ظل الأزمات على كل المستويات للمسؤولية الوطنية التى تلاشت خلال سنوات الصراع الداخلي الضيق.
ثالثًا_ الأهم من ذلك كله هو تغذية دولة الكيان على استمرار هذا الصراع وهذا الانقسام القائم ، لأن ذلك يصب مباشرة وبقوة في مصلحته من منطلق فرق تسد، ثم إن استمرار الانقسام يمنح الكيان الصهيوني الفرص للتهرب من مسؤوليته ومن الاستحقاقات السياسية المطلوبة أمام العالم، بالإضافة إلى أنه يجعل الانقسام الشماعة التي يعلق عليها سياسته العدوانية وهو المستفيد الأول جراء استمرار الانقسام وغياب العنوان الفلسطيني الموحد والشرعي، وقد بات واضحًا أن الحكومة الصهيونية الحالية واليمين المتطرف يعمل من أجل ضم الضفة الغربية أو أجزاء كبيرة منها للكيان والقضاء على حل الدولتين والبحث عن الوطن البديل للفلسطينيين.
كما ينبغي علينا أن نتذكر أهداف خطة أرئيل شارون رئيس وزراء الكيان السابق وغايته من الانسحاب من قطاع غزة وإجلاء جميع المستوطنات هناك عام 2005 ودون تنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية. كما أعلن عن ذلك صراحة على الملأ قائلًا، أنني أنسحب من غزة
1- لأزجها في أحضان مصر، وليصنع الفلسطينيون فيها ما يرون.
2- كي يلهوا الفلسطينيون بغزة بعضهم ببعض، لأن لنا في الضفة شأن آخر مختلف. يكفي أن نتذكر ذلك كي نفهم تقاطع المصالح ومن هو المستفيد الأول من هذا الانقسام البغيض.
السؤال الثالث عشر: لماذا يتسلل الانقسام إلينا بأقبح الوجوه إلى داخل السجن؟؟
لأننا جزء من الحالة العامة في هذا الوطن، وبطبيعة الحال أنّ لهذا الانقسام آثار مدمرة على حياتنا كفلسطينيين وعلى كافة المستويات، ولذا فتسلل الانقسام إلى الأسرى بأقبح الوجوه، وللأسف الحركة الأسيرة تراجعت في مضمونها من حيث المؤسسات واللجان الوطنية والاعتقالية وفى اتخاذ القرار، بل تحولت للأسف لتنظيمات وفصائل، وكل بات يعمل من أجل جماعته وبشكل ضيق وعبر قنواته ومن أجل مصالحه الخاصة بعيدًا عن المصلحة الوطنية العامة، الأمر الذي انعكس على العلاقات الفصائلية بل والاجتماعية أيضًا، وكذلك على التنسيق بين القوى والفصائل ليس سياسيًا فقط بل على مستوى الحياة الجماعية والمصلحة المشتركة، بل ولا شك أن غياب الأطر الاعتقالية الجامعة والتنسيق وآلية اتخاذ القرار المتفق عليها، والغياب الكامل ومصلحة الحركة الأسيرة بكاملها، وأصبح التنافس هو سيد الموقف، وأصبح الهدف هو الحفاظ على القناة الخاصة والحوار المنفرد بمصلحة السجون، فبدلًا من وجود ممثل معتقل واحد، ولجنة وطنية اعتقالية نضالية توجهه وتشرف على أدائه، بات لدينا ممثلي فصائل وممثلي أقسام حتى داخل السجن الواحد.
وبدلًا من مصلحة وطنية واحدة توحدنا وتجمع شملنا ، أصبح لكل منا مصالحه الفئوية والفصائلية - وللأسف أحيانا الشخصية - ، وبدلًا من الشعار الواحد الذي طالما سارت عليه الحركة الأسيرة، وهو الكل من أجل الواحد والواحد من أجل الكل، للأسف تحول واقع الحركة الأسيرة نسخة مصغرة عن الواقع في الخارج، ومن هنا الانقسام حسب رأيي هو السبب الرئيسي لتراجع الحركة الأسيرة ، ووجود واقع مصاب بحالة الترهل والتمزق ، وما يحصل في السجون حاليًا ليس مجرد تعبير عن حالة التفرد باتخاذ القرار والقيام بخطوات منفردة، بل وصلت إلى ممارسات شائنة لإفشال بعضنا بعضًا فى بعض الأحيان ، ويكفي ذلك لوصف مدى قبح الانقسام وآثاره علينا كأسرى.
السؤال الرابع عشر: ما هي حسب رأيك أقصر الطرق للانعتاق من هذه الحالة السلبية؟؟
لا أعتقد أن هناك سبيلًا للانعتاق من هذه الحالة سوى المصالحة الوطنية القائمة على التوافق والمشاركة والشراكة الحقيقة القائمة على أساس الاعتراف بالأطر والمؤسسات الدستورية القائمة، والتي تمنح الجميع الحق في المشاركة، والتنافس وتفتح المجال أمام الكل وفقًا لمبدأ التعددية الفكرية والسياسية، وليس عبر الإقصاء والتفرد بمحاولات خلق الأطر البديلة وعدم الاعتراف بشرعية ووجود الآخر أو تخوينه أو اتهامه بالعمالة.
أنا أدرك أن المسألة ليست بهذه السهولة في ظل الفجوات القائمة والتناقضات الكبيرة والترسبات الحاصلة في 2007 وانعدام الثقة لكنها ليست مستحيلة بوجود النوايا، فإذا تعالى الجميع على صغائر الأمور في سبيل المصلحة العليا ومن أجل الأقصى وفلسطين، يتوجب على كل الشرفاء بذل كل الجهود الحقيقة والصادقة للوصول إلى المعادلة المطلوبة والحفاظ على النضال تحت مظلة واحدة.
السؤال الخامس عشر: الثورة الفلسطينية المعاصرة وبكل مكوناتها أين امتلكت البوصلة وفعلت؟ وأين ومتى (أخفقت وهبطت) على مستوى الصراع الفلسطيني الصهيوني ككل وعلى مستوى قضية الأسرى كنواة صلبة للصراع مع المحتل بعد الثورة الفلسطينية المعاصرة بكل مكوناتها؟؟
نعم امتلكت البوصلة وعملت في خط ما، لربما كان فيه تعرجات لكن بوصلتها كانت ولا زالت في فلسطين والقدس، ومنذ انطلاقتها وحتى يومنا هذا ورغم المعوقات والعديد من المؤامرات ومحاولات الاحتواء ومصادرة القرار المستقل إلا أنها صعدت وبرز نجمها وحصلت بل وانتزعت الاعتراف بالشرعية عربيًا ودوليًا بل وحتى من العدو. عندما أقول الثورة الفلسطينية المعاصرة، أقصد منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وأطرها القيادية السياسية والميدانية وبكل فصائلها وأطيافها السياسة والفكرية، فهي ليست البوصلة الفكرية فقط بل العنوان والمرجعية الوطنية التي خلقت من العدم، وقد حققت الإنجازات الكثيرة لكن عرفت الانتكاسات أيضًا، فمنذ مطاردات الأغوار والفدائيين مرت أيضًا بأيلول الأسود ولبنان، لكن وجهتها لم تتغير أبدًا وبوصلتها ظلت نحو فلسطين وتحقيق آمال وطموحات شعبنا في العودة والحرية والاستقلال. انطلقت ثورتنا من واقع التشرد والتشتت واللجوء، وكانت على دراية أنها تواجه عدوًا فريدًا من نوعه متمثلًا في الحركة الصهيونية ألا وهي حركة استعمارية إحلالية عنصرية، ومع هكذا عدو لا يمكن ولا يجوز التصالح والاتفاق، وأن الصراع مع هكذا عدو هو صراع وجود أو غير وجود، لكنها من وجهة أخرى لم تكن مثالية ومع مرور الزمن والنكسة وحرب أكتوبر وحرب لبنان وغيرها، أدركت أنها تواجه عدوًا قويًا مدعومًا دوليًا من الدول العظمى أيضًا، وأنّ علينا أن تتكيف مع الواقع لتبقى حيوية وطرف أساسي في المعادلة، فتكيفت مع ما هو قابل للتحقيق ومن المرغوب إلى الممكن، وحازت على اعتراف عربي ودولي أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، واستثمرت نضال أبناء شعبنا في الانتفاضة الأولى بانتفاضته الأولى، ومن خلال اتفاقيات أوسلو عادت قيادة الثورة وأكثر من 300 ألف فلسطيني معها إلى الأراضي المحتلة إلى داخل الوطن، وأصبحت البندقية الفلسطينية على بعد مئات الأمتار فقط من القدس، وأقامت السلطة الوطنية أجهزة الدولة وبنت المؤسسات، وبدأ شعبنا يرى النور في نهاية النفق إلا أن صعود اليمين الفاشي إلى سدة الحكم في الكيان الصهيوني والذي عارض اتفاقيات أوسلو التي اعتمدت على التنازل ومبدأ الأرض مقابل السلام.
السؤال السادس عشر: ما هو وجه الشبه بين الدفعة الرابعة وما تعرضت له خلال هذه العقود وبين مآل القضية الفلسطينية اليوم؟؟
التشابه يمكن أن يكون بين قضيتين أو مسألتين منفصلتين لا علاقة لإحداهما بالأخرى، حيث يمكن المقارنة بينهما والوقوف على وجه التشابه بينهما. هنا الأمر مختلف، فقضية الأسرى هي جزء لا يتجزأ من حال القضية الفلسطينية، وواحدة من أهم مركباتها الأساسية، وعند تأزم القضية تتأزم كافة مركباتها، ولا شك أن القضية برمتها تمر اليوم بأزمة غير مسبوقة في الآونة الأخيرة وذلك لأسباب عديدة ومتعددة منها ما يتعلق بالوضع الداخلي الفلسطيني ومنها ما يتعلق بالوضع الإقليمي والدولي، فقضيتنا في حال لا تحسد عليه، حيث الانقسام والصراع الداخلي حول السلطة والنفوذ الوهميين، وهذا الأمر له انعكاساته على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكذلك على الصعيد الإقليمي فأوضاع الدول العربية ومشاكلها والصراعات والحروب الأهلية والنزاعات المذهبية والتدخلات الأجنبية، والتي احتلت الأولوية الدولية، وغيبت وبشكل كبير قضيتنا عن المشهد الدولي، هذا بالإضافة للوضع الدولي وعودة الحرب الباردة والقطبية وصعود اليمين الفاشي في عدد كبير من الدول الأوروبية، وفي أمريكا أيضًا حيث الرئيس دونالد ترامب والسياسة الأمريكية التي لم تعد منحازة لإسرائيل وحسب بل تنفذ سياساتها بالكامل، وكذلك المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي أصبحت مشلولة وعاجزة عن القيام بالدور المنوط بها على الأقل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
ولا شك أن مآل القضية الفلسطينية ينعكس على قضية الأسرى والتي حسب رأيي لم تكن يومًا على رأس سلم أولويات الثورة الفلسطينية بكافة فصائلها، فما بالك اليوم حيث لا مفاوضات أو عملية سياسية يمكن تعليق الآمال عليها، ولا مقاومة حقيقية تضع قضية الأسرى أولوية في نضالها و توجهاتها، لذا ترى أن الأسرى يقضون عشرات السنوات داخل الأسر ولا عجب أن ترى أن هناك من الأسرى من قارب على أن ينهي عقده الرابع داخل الأسر مثل أولئك الأسرى والذين عرفوا مجازًا بالدفعة الرابعة.
السؤال السابع عشر: هل لديك مقاربة يمكن تسجيلها بخصوص استراتيجية التحرر من نير الاحتلال بعد أكثر من مئة عام على وعد بلفور؟؟
منذ بداية تنفيذ المشروع الصهيوني، أي منذ بداية الانتداب البريطاني ومحاولات تطبيق فك الانتداب التي ترتكز على وعد بلفور، اعتمدت الاستراتيجية الفلسطينية في مقاومتها للمشروع على السياسة، وتجاهلت أن المشروع الصهيوني هو مشروع أوروبي بالأساس، مدعوم دوليًا، انتدبت بريطانيا لتسهيل تنفيذه، لكن الثورة الفلسطينية المعاصرة أدركت أن قضيتنا فريدة من نوعها وأن عدونا فريد من نوعه، ومدعوم دوليًا، وأن الصهيونية بوصفها حركة استعمارية إحلالية عنصرية لا يمكن التصالح معها مبدئيًا، واتخذت من الثورة الجزائرية نموذجًا لها رغم اختلاف الظروف والمعطيات من حيث العمق الاستراتيجي وعدد السكان والمساحة والطبوغرافيا في الجزائر التي تختلف عنا في فلسطين، لكن الثورة الجزائرية برزت في السنوات الخمس الأخيرة قبل انتهاء الاستعمار الفرنسي الذي دام مئة وثلاثين عامًا، برزت عندما شكلت جبهة التحرير الجزائرية لكي تظل مظلة عليا لكافة الفصائل والتنظيمات، وحوت السلاح وشكلت غرفة عمليات موحدة ذات قيادة واحدة موحدة وعملت ضمن إيقاع واحد موحد بشكل منهجي ينسجم مع الثورة وغاياتها. وأعتقد أن الاحتلال من النوع الذي توجهه الثورة الفلسطينية، لا سيما المشروع الصهيوني، والذي لا زال مستمرًا حتى يومنا هذا وبنفس الوتيرة وبنفس الطريقة، دونم وراء دونم، ومستوطنة وراء مستوطنة، وخلق واقع جديد قبل الإعلان عن الدولة داخل فلسطين المحتلة منذ العام 1948، واستمر المشروع وبنفس الطريقة في الأرض المحتلة عام 1967 بشكل منهجي وبهدف خلق واقع جديد. ومبدئيًا يمكن القول أنّ العرب والثورة الفلسطينية فشلوا فشلًا ذريعًا حتى في ايقاف المشروع الصهيوني. انطلقت الثورة المعاصرة بهدف القضاء على المشروع الصهيوني سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، واستعادة فلسطين بالكامل من النهر إلى البحر، لكن أمام فشل العرب ومنظمة التحرير الفلسطينية في تحقيق هذا الهدف،
وأمام استمرار المشروع الصهيوني حتى في الأرض المحتلة عام 1967 حتى عبر الكفاح المسلح، تكيفت منظمة التحرير الفلسطينية مع الواقع وتبنت بدلًا من المرغوب، تبنت تحقيق الممكن، والحد الأدنى من تطلعات شعبنا، ودخلت المعترك السياسي، وها هي تواجه الفشل نفسه والمشروع الصهيوني ما زال مستمرًا. لذلك لا بد حسب اعتقادي من العودة على جعل المشروع الصهيوني والاحتلال لأراضي 1967 مشروعًا خاسرًا وعلى كافة الصعد، ميدانيًا وسياسيًا، ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من العمل منذ البداية كما الثورة الجزائرية على إعادة بناء واستنهاض منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها ممثل شرعيًا ووحيدًا وعنوانًا وطنيًا، وكمظلة عليا لكافة القوى والفصائل، والتوافق على استراتيجية واحدة وفقًا لمتطلبات المرحلة وأولوياتها، واستخدام الوسائل المناسبة على أساس الشراكة والتكامل ومنهجية العمل، من منطلق أن الوحدة هي قانون الانتصار والتفرق هو قانون الاندثار.
السؤال الثامن عشر: صفقة القرن وبكل ما يكتنفها فلسطينيًا وعربيًا واسلاميًا وعالميًا، كيف تعلق عليها أنت اليوم؟؟
صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي ترامب العرب والفلسطينيين والإسرائيليين لحل الصراع ماتت قبل أن تولد، ورغم أنه لم تعلن تفاصيلها بعد، ورغم أنهم على ما يبدوا يحاول الأمريكيون تعديل البعض من بنودها على أمل أن تحظى بموافقة بعض الدول العربية، وزيادة الضغط على الطرف الفلسطيني، والذي أعلن رفضه القاطع لها ووصفها بصفعة القرن، نعم فإن القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس أعلنت رفضها المسبق لهذه الصفقة، وتعمل على إحباطها وذلك لسبب بسيط وواضح، أن المكتوب يقرأ من عنوانه وأحيانا كثيرًا من فهم كاتبه، فمنذ انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، أصبح واضحًا أن الولايات المتحدة لم تعد حليفًا لإسرائيل ومنحازة لها كما كان الحال في السابق وعلى مدار سنوات، بل أصبحت منفذة ومجسدة لسياسات رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو بالكامل، وذلك بعيدًا عن مبدأ الأرض مقابل السلام، والشرعية الدولية والمواقف التقليدية للولايات المتحدة وعلى مدار سنوات، لا سيما وأن اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك، وتصريحاته المتتالية بأن المستوطنات ليست بعقبة أمام السلام، كلها تدلل بوضوح أنه تبنى سياسة الاعتراف بالأمر الواقع، كأمر لا يمكن تغييره، وحتى مبدأ الدولة الفلسطينية فهو واضح أنه سيكون مقتصرًا على المدن الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67، وبدون القدس، وهذا ما لا يقبله أي فلسطيني. وضف على ذلك إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ووقف الدعم الأمريكي على الفلسطينيين، ووقف دعم وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، وغيرها من تصريحات المعاونين مثل كوشنير والسفير فريدمان، والتي توحي جميعها بتبني السياسة الإسرائيلية بالمطلق ولا شك أن سياسة اليمين الفاشي الإسرائيلي بزعامة نتنياهو باتت هي الأخرى واضحة أمام الفلسطينيين، فهو لا يخفي مواقفه الرافضة لإتمام دولة فلسطينية والانسحاب والتنازل الإقليمي، ويسعى إلى إجهاض القضية الفلسطينية، وإحباط كل من يدعو إلى إنهاء الاحتلال، ويدعو إلى ضم المستوطنات والأغوار والمناطق المعرفة بمناطق جيم، فالأمور لم تعد بحاجة لوضوح أو انتظار، ومن هنا سارعت القيادة الفلسطينية بالإعلان عن الموقف الفلسطيني، والذي يجمع عليه الفلسطينيون، والداعي إلى إحباط هذه الصفقة، والتي ليست فقط لا تلبي الحد الأدنى من متطلعات شعبنا بل وتندرج في إطار المؤامرة للنيل من القضية الفلسطينية وشعبها بالكامل، وكذلك لقطع الطريق على الدول العربية والإسلامية التي تدور في الفلك الأمريكي والتي لها مصالحها مع الولايات المتحدة، ونستطيع أن نقول لا لمبادرة أمريكية، ولا جدوى من أية مبادرة لا تشمل مبدأ إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية الكاملة السيادة وعاصمتها القدس.
يتبع
الجزء الأول من / حوار المناضلين حول بوصلة فلسطين مع عميد الأسرى الفلسطينيين كريم يونس