أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان وجمعية العون الطبي للفلسطينيين (MAP) ومؤسسة محامون من أجل حقوق الإنسان الفلسطيني (LPHR) تقريرا مشتركا يسلط الضوء على المخاطر التي تهدد حياة الأطقم الطبية الفلسطينية بسبب انتهاكات الاحتلال الاسرائيلي الممنهجة وإفلات الجناة من العقاب بشكل متكرر.
يذكر أن المؤسسات الثلاث كانت قد أصدرت عام 2015 تقريرا تناول وقائع هجمات عسكرية ضد الطواقم الطبية الفلسطينية والمرافق الطبية خلال العملية العسكرية واسعة النطاق التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في صيف عام 2014 على قطاع غزة، والتي أطلقت عليها اسم "عملية الجرف الصامد"، حيث طالب التقرير الصادر آنذاك بوضع حد لافلات مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من المساءلة. إلا أنه وبعد مرور ست سنوات على إصداره، لم توجه أي تهم جنائية أو ملاحقات قضائية أو إدانات على الانتهاكات الواردة فيه والموثقة بالدلائل.
اليوم تصدر المؤسسات الشريكة تقريرا بعنوان "حصانة مزمنة: الهجمات المتكررة على قطاع الصحة في غزة" والذي يتضمن تحديثات حول ستة حوادث تعرض فيها القطاع الصحي والأطقم الطبية لهجوم عسكري من قبل قوات جيش الاحتلال عام 2014، ويسلط الضوء على فشل التحقيقات العسكرية الإسرائيلية في مساءلة الجناة قانونيا وتوفير العدالة للضحايا. كما يبين التقرير بوضوح أن انتهاكات جيش الاحتلال الاسرائيلي بحق العاملين في القطاع الصحي تمثل استمراراً للحصانة وإفلات الجناة من المسائلة على مدى السنوات الماضية مما يعزز الشكوك حول نزاهة التحقيقات العسكرية الاسرائيلية.
يُظهر التقرير الجديد والذي يتزامن اصداره مع الذكرى السنوية الثانية لانطلاق مسيرات العودة في 30 مارس في قطاع غزة أن المجتمع الدولي لم يلق بالا للتحذيرات حول الإفلات الممنهج من العقاب مما أسفر عن تبعات وخيمة تمثلت في ارتفاع عدد الشهداء والضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
ويشير التقرير بهذا الصدد إلى أن استخدام قوات الاحتلال للقوة المفرطة والمميتة لقمع المسيرات قد تسبب في استشهاد ما لا يقل عن ثلاثة من أفراد الأطقم الطبية بالإضافة إلى إصابة 800 آخرين. كما شهدت الفترة الممتدة من 30 مارس 2018 إلى 31 ديسمبر 2019 إلحاق الضرر ب 112 سيارة إسعاف وسبعة مرافق صحية.
يتطرق التقرير لقصص عدد من الضحايا من الطواقم الطبية الذين استشهدوا والذين تعزى وفاتهم للسياسات الاسرائيلية التي تنتهك القانون الدولي الإنساني وقانون الدولي لحقوق الإنسان والتي قوضت قدرات القطاع الصحي الفلسطيني، ولا سيما سياسة العقاب الجماعي المتمثلة بالحصار غير القانوني الذي تفرضه على قطاع غزة منذ 13 عاما.
إن إجراء تحقيقات جنائية نزيهة في الانتهاكات الجسيمة المزعومة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان التي من شأنها أن تؤدي إلى توجيه تهم جنائية وعقد محاكمات وإدانات محتملة هو أمر ضروري لضمان المساءلة القانونية والعدالة للضحايا والناجين وأسرهم. كما أنها أكثر رادع يمكن أن يحول دون تكرار انتهاكات مشابهة في المستقبل.حسب التقرير
تدعو المؤسسات الثلاث المجتمع الدولي للتدخل عاجلا لوضع حد لسلسلة الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الفلسطينيين وخاصة العاملين في المجال الصحي وإنهاء نظام الحصانة الذي يمكن الاحتلال الاسرائيلي من الإفلات من العقاب والملاحقة القانونية. كما تدعو المجتمع الدولي للعمل نحو تحسين الظروف المعيشية في قطاع غزة بما يضمن لسكانه الحق في الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة خاصة في ظل تفشي وباء الكورونا في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
قال عصام يونس، مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان: "إن حرمان الضحايا من المساءلة حول الهجمات العسكرية الإسرائيلية عام 2014 شجع الجيش الإسرائيلي على الاستمرار بلا هوادة في ارتكاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ضد المدنيين والعاملين في القطاع الصحي المحميين بموجب المعاهدات الدولية. إن المساءلة الحقيقية فقط، والتي فشلت إسرائيل في توفيرها مرارًا وتكرارًا، من شأنها أن تضع حدا لهذا النمط المزمن من الحصانة. وعليه، فإن الأمر يتوقف الآن على المجتمع الدولي للعمل بسرعة لمحاسبة الجناة."
كما قال طارق شرورو، مدير مؤسسة محامون من أجل حقوق الإنسان الفلسطيني: "تشير التحديثات الهامة المتضمنة في هذا التقرير لقضايا سبق وعرضتها المؤسسات الشريكة في عام 2015 إلى أن السبيل الوحيد للمساءلة القانونية وتحقيق العدالة للضحايا الفلسطينيين وذويهم لا يتأتى إلا من خلال اللجوء إلى آليات المساءلة الدولية. فلا بد من مواجهة نظام التحقيق العسكري الإسرائيلي الذي لطالما أتاح الفرصة للاحتلال للإفلات من العقاب، وإلا فهذه الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني ستتكرر لامحالة."
بدورها صرحت إيمي شعلان، الرئيس التنفيذي لجمعية العون الطبي للفلسطينيين: "في الوقت الذي نحتفي فيه بجهود كافة العاملين في المجال الصحي في محاربة فيروس كورونا سريع الانتشار علينا ألا ننسى أن مسألة الإفلات من العقاب سريعة الانتشار أيضا. إذا أراد المجتمع الدولي ضمان استمرار العاملين في المجال الطبي بتقديم الخدمات الضرورية بلا خوف فلا بد ضمان المساءلة القانونية في حال تعرضهم لأي اعتداء في أي مكان بلا استثناء بما فيها الأراضي الفلسطينية المحتلة."