" الاستيطان نفسه هو الذي يقرر إذا كان علينا أن ندافع عن الجليل أم لا" ، قولٌ لأشد الصهاينة تطرفاً ، هو الإرهابي " بن غوريون " ، الذي بنى على هذا القول كل السياسات الاستيطانية التي أقدم عليها الصهاينة بكل حكوماتهم المتعاقبة.
لقد كثف الصهاينة مصادرتهم للأراضي الفلسطينية ، حيث مثلت الذروة لهذه المصادرات ما أقدمت عليه حكومة الكيان الصهيوني في التاسع والعشرين من آذار العام 1976 من وضع اليد على 21 ألف دونم في مناطق الجليل الفلسطيني في سخنين وعرابه ودير حنا وعرب السواعد التي هبت جماهيرها ومعها الجماهير الفلسطينية في اليوم التالي لهذا القرار لتعم التظاهرات والمواجهات عموم مناطق فلسطين التاريخية العام 1948 في انتفاضة شعبية عارمة ، فسقط الشهداء الستة ، واعتقل وجرح المئات من أبناء الشعب الفلسطيني هذه الهبة والتي سميت بـ" يوم الأرض " أسست لمرحلة جديدة من النضال الوطني للشعب الفلسطيني في مناطق العام 1948 ، والتي وضعت الكيان وقادته أمام حقيقة واحدة لا ثانية لها ، أن الشعب الفلسطيني الذي انغرس في أرضه كما أشجار السنديان والزيتون وبيارات الليمون ، والضارب في الأرض عميقاً دونه الاستحالة في اقتلاعه .
فقد أرست هذه الهبة ثقافة التجذر بالأرض والتمسك بها مهما كانت التضحيات ، وعلى ذلك بُنيت معادلة جديدة قوامها أن اندحار المشروع الصهيوني واندثاره على أرض فلسطين حقيقة ساطعة مهما حاول الصهاينة إبعاد هذا الكأس المر عنهم . فمشروعهم وإن ظاهره النجاح لكن في حقيقته يتهاوى ، فالوجود الفلسطيني في الجليل والمثلث أحد أهم عوامل زوال هذا المشروع ، لأن بقاء الفلسطينيين متمسكين بأرضهم هي لحظة التحدي والتصادم اليومي مع هذا المشروع اللقيط والهجين الذي لن يكتب له النجاح مهما وقعوا من اتفاقيات ، وفرضوا من تسويات ، وليس أخرها " صفقة القرن " الصهيوأمريكية .
ويعتقدوا واهمين أن من شأنها أن تكرسهم دولة بديلاً لدولة فلسطينية وعاصمتها القدس ، ومهما مارسوا من إجرام طاول ويطاول البشر والحجر والشجر والمقدسات وكل شيء فوق الأرض الفلسطينية . واليوم وبعد مرور 44 عاماً على يوم الأرض ، يبقى السؤال ، هل مازال الفلسطيني على ذات الإصرار في التمسك بأرضه رغم اتفاقات أوسلو التي تم التنازل بموجبها عن 78 % من أرض فلسطين التاريخية ؟ ، على الرغم من محاولات دفعه نحو اليأس والتسليم بالأمر الواقع ، في ظل ما تبديه السلطة من عدم الجدية في نقل رفضها اللفظي ل" صفقة القرن " ، إلى حيز الترجمات العملية ، وتنفيذ قرارات المؤسسات فللسطينية في سحب الاعترف بالكيان ، ووقف العمل مع " اتفاقات أوسلو " ومندرجاتها الأمنية والاقتصادية .
الجواب الذي عمده ويعمده شعبنا بدمائه ودماء أبنائه ، أنّ الشعوب قد تستكين في مرحلة من المراحل ، إلاّ أنها لا تتنازل أو تفرط بأرضها وحقوقها المشروعة مهما طال الزمن ، فلم يكتب التاريخ أن شعباً قد فرطّ ، بل كتب أن قيادات قد فرطت وتنازلت .
وشاهدي أن شعبنا الذي تمسك بأرضه ولم يبرحها منذ العام 1948، هو ذاته الذي هبّ في يوم الأرض عام 1976 ، أي بعد ثمانية وعشرين عاماً على النكبة ، وذات الشعب الذي فجّر انتفاضة الأقصى العام 2000 بوجه المحتل الغاصب ، أي بعد مرور سبعة أعوام على اتفاقات أوسلو المذلة والمهينة ، هو ذاته الشعب الفسطيني الذي يتحفز يومياً لمواجهة العدو المحتل لأرضه ومقدساته . هو ذاته الشعب الفلسطيني الذي تمرس النضال والكفاح والجهاد ، فالأرض بالنسبة إليه فعل إيمان وعقيدة ، وفعل إرادة ومقاومة .
رامز مصطفى كاتب فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت