أود أن أؤكد منذ البداية أننا لا نحابي أحداً، ولا نخشى أحداً، وما جرت لنا العادة في كل حياتنا أن نتوقف عن إبراز الحقيقة خشية أن يغتاظ منها زيد أو عمرو، فلهذا قلنا أمس، ونقول الحق اليوم، وسنقوله غداً، وهذا مبدأ مقدس لا نحيد عنه. نقول: لماذا نجعل من الموظفين في قطاع غزة الذين تمسكوا بالشرعية والثوابت الوطنية شماعة لتعليق أخطائنا عليها؟ ولماذا أقحمناهم في أتون الصراع بين حركتي فتح وحماس، وهم الحلقة الأضعف؟!
عام مضى تقريباً، ولم يعالج هذا الخطأ الفني الذي أشار إليه الرئيس محمود عباس خلال اختتام أعمال المجلس الوطني في مدينة رام الله بتاريخ 4 أيار/ مايو 2018م متعللاً بأن التأخير في صرف رواتب موظفي قطاع غزة فني فقط، قائلاً: (لا أقبل كلمة: إجراءات عقابية، أو عقوبات، فلا يوجد مَن يعاقب شعبه، وإنما هي إجراءات فنية حالت دون دفع الرواتب، وليس عقاباً كما يدّعي البعض). عام مضى، وما زال الخلل الفني يضرب موظفي قطاع غزة وحدهم، وهم يلوذون بصبرهم العجيب، وسط هذا الخضم القاتم المظلم من السيطرة عليهم والتحكم في مصيرهم.
وما زال السؤال يطرح نفسه بإلحاح، ويبحث عن إجابة شافية: لماذا تضغط القيادة الفلسطينية على الموظف في قطاع غزة الذي طحنته أعباء الحياة؟ للمساهمة في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس، في حين فشلت كل الجهود والتصورات الجبارة للقيادات الفلسطينية، سواء أكان ذلك في الضفة الغربية، أم قطاع غزة؟ بشأن تحقيق تلك المصالحة على مدار ثلاث عشرة سنة مضت، حتى في أصعب الأوقات التي تمر بها القضية الفلسطينية، والتي كان من المفروض بالضرورة أن تعزز الوحدة الوطنية، وتنهي الانقسام، لصالح توحيد الصفوف في وجه العدو المشترك – الخارجي (صفقة القرن، أو وباء كورونا)، ولكن - للأسف - باءت كل هذه الجهود بالفشل!!
وعودة إلى السؤال ذاته: لماذا هبط سقف رواتب موظفي غزة إلى 75%؟ هل لأنهم - كما تدّعي القيادة - ليسوا على رؤوس أعمالهم؟ وهل هذا ذنبهم أنهم - كما أشرنا - التزموا بالشرعية؟ إن الأمل ما زال معقوداً على الرئيس، ورئيس الوزراء محمد إشتية بما وعد به عند تكليفه بمنصبه، والذي أبدى تفهماً لقضايا المجتمع الفلسطيني، واعداً بأنه سينصف موظفي غزة، ويعيد إليهم الـ 25% المقتطعة من رواتبهم، ليصبح الراتب مائة بالمائة، أسوة بإخوانهم في المحافظات الشمالية، وأن يتم دفع ما تم اقتطاعه من الرواتب منذ 1 نيسان/ أبريل 2017م وفق سقف زمني محدد، وإيجاد حل جذري لمشكلة موظفي تفريغات (2005)، الذين فقدوا حقوقهم الوظيفية، واعتبارهم موظفين دائمين ضمن الموازنة العامة، وكذلك إعادة صرف الرواتب المقطوعة؛ بسبب التجاذبات السياسية. وعندما تنهض القيادة الفلسطينية لمدّ يد العون والمساعدة للشعب الفلسطيني الضعيف والمستضعف في كل أماكن تواجده، خاصة في قطاع غزة المحاصر بموظفيه وعماله وجميع شرائحه، ودعم صمودهم، ودفع رواتبهم كاملة، وتحييدهم بعيداً عن أتون الصراع الحزبي، فإن ذلك من باب التحلي بروح المسؤولية الوطنية اللازمة للسلطة الفلسطينية.
وأخيراً، فإن الحل يبقى رهناً لقرار الرئيس عباس وحده، ليقوم بتصحيح هذا الخطأ الجسيم، الذي أدخل البؤس إلى كل بيت في القطاع المنكوب؛ باعتبار الرئيس هو صاحب القرار الأول والأخير في هذه القضية.
بقلم/ نعمان فيصل
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت