مرحلة لازالت طازجة (نص مقطع من كتابنا القادم : من السيرة الذاتية)

بقلم: علي بدوان

علي بدوان

مدرسة صرفند



 

مدارس 2


 

أما مرحلة الدراسة الإعدادية، فكانت في إعدادية المالكية التابعة لوكالة الأونروا، والواقعة منتصف مخيم اليرموك تقريباً، ومديرها في حينها الأستاذ شعبان أبو خميس ( من المجيدل قضاء الناصرة)، ومن بعده الأستاذ سليم عقاب (من إجزم قضاء حيفا)، بينما درّسني عدد لابأس به من المدرسين لمختلف المواد، كان منهم : الطيراوي القُح محمود سلمان، الصفدي محمد قبراوي، الصفدي علي غريري، الطبراني حسن زواوي، اللوباني محمد العايدي، اللوباني فايز عودة، العكاوي اسماعيل عبيد، اللوباني نايف حجو، الطبراني عوض سعدية، الطبراني محمد عسقول، الطنطوري سرور الصعبي، اللوباني عايد العايدي، الصفدي نبيل عطوة، الصفدي محمد السلطي، اليافاوي محمد بريك، الغزاوي خضر سكيك، الطنطوري عز الدين العيق ... تلك النخبة من المدرسين وجميعهم من مواليد فلسطين قبل النكبة، وقد تميزوا بتربيتهم الوطنية الخالصة لنا، وبلهجتهم الفلسطينية تبعاً للمنطقة التي ينتمون اليها في فلسطين، وكان أفصحهم في هذا الأستاذ محمد عسقول الطبراني الأصيل رحمه الله، مدرس مواد الرسم الهندسي والمعادن والأخشاب (وهي مواد مهنية كانت تُدرسها مدارس الوكالة حتى منتصف ثمانينيات القرن الماضي)، والذي كان يُطلق كلماته الطبرانية (ويقحف بها) من قاع الحنجرة أثناء صياحه علينا، وتأنيبنا على التقصير في دروسنا أو لضبط المشاغبين منّا، وفي كلماتٍ كانت لهجتنا الفلسطينية ومفرداتها تطغى عليها : قلعاط يكتك، قلعاط يقلعطك، غس بالك، طمامة تطمك ... وكذا الأخرين ... وقد يقول قائل بأنها عبارات "لاتربوية" ... لكنها في حقيقتها كانت توقظ فينا شعوراً وطنياً، وروحاً فلسطينية مُتجددة...فاللغة واللهجة في واقعنا كانت تثير ارتياحاً أثناء المخاطبة بها، وتُعيدنا الى فلسطين من خلال حروفها ونبراتها ومفرداتها وترافق الإشارات وحركات اليد معها، وكأنها باتت تربوية ذات صبغة وطنية في واقعنا ... رحم الله الأستاذ محمد عسقول شقيق الشهيد شمس الدين عسقول من الجبهة الشعبية.

مدارس

ولا أنسى الأستاذ القدير الطيراوي محمود سلمان رحمه الله، الذي شجعني باستمرار على القراءة والمطالعة والكتابة، حين زودني بعددٍ من المطبوعات عندما كنت في الصف الأول الإعدادي عام 1972، وتابعني في قراءتها، وكان من تلك المطبوعات مجلد ملحمة (سيف بن زي يزن)، حيث انجزت قراءة المجلد بأجزاءه السبعة، فكانت قراءة ملحمة (سيف بن زي يزن) متعة لا تعادلها متعة في تلك السنوات. ومع ذلك لم يخالجني شك في أن الحكايات خيالية، وأنها لن ترقى ذات يوم إلى مستوى الواقع. كنا نتسلى ونعلم أننا نتسلى، لكن تلك التسلية راكمت معها ثقافة وزاداً معرفياً، وفتحت الأبواب الواسعة أمام الرغبة في القراءة والمتابعة وإعمال العقل. ففي الأمس كنّا نُدشن حياتنا الثقافيّة بقراءة الشعر وروايات التاريخ، غيرُ أن اجيال اليوم تنغمس في عالم الصُّور المُنَمَّطة. كنّا نُدرّب خيالَنا على التحليق، وننمّي ثروة العقل وقدراتَه على التعبير باللغة وغير اللغة، أمّا أجيال اليوم فلا تتلقّى غير معلّبات لا تملك التعبيرَ عنها بأيّ وسيلة. والشابّ الذي كان أمس يقرأ الكتب ويَلجُ المكتبات العامّة، فيقتعد مقعده قارئاً لساعات، متعلِّما أصول المعرفة، منتهلاً إيّاها من الينابيع، غيرُ الشابّ الذي يكتفي، اليوم، من المعرفة المجتزأة  من الشبكة العنكبوتية، وبما يريحه ويسليه. ولنا أن نتخيّل نوع المجتمع والثقافة الذي يُنتجه هذا وذاك: مَن يَقْرأ ومن يَسْتَلّ المكتوب من غير قراءة، مَن يَشقى ويَتعب ليحصّل معرفةً، ومَن لا يملك من ذلك نصيباً.

مدارس 1

(الصور لعدد من مدارس الأونروا في اليرموك + صورتي وانا تلميذ بالصف الثاني الإبتدائي في مدرسة صرفند، وعموم أبنا صفنا عام 1967، ويرى واقفاً خلفنا مربي الصف الأستاذ عبد الرحمن عنبتاوي رحمه الله).

بقلم علي بدوان

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت