في الذكرى السابعة لاستشهاد الاسير القائد ميسرة ابو حمدية لم تأت ساعته بعد، غاب وعاد، اختار أول الربيع لنبوءته القادمة، وتعطر بزيت اللوز وتكلل بتاج الملائكة ... أنه ميسرة أبو حمدية الذي فاجأنا بموته الصعب ، فاجأ الإسرائيليون بقدرته على تجاوز حدود الموت.
الآن محمولا على أكتاف حكايتنا القديمة الجديدة، مسترسلا في نشيده تاركا وراءه خمسة آلاف أسير وألف حبة دواء وسرير فارغ إلا من رطوبة جسده ودمه،لم يعط السجانين وقتا ليفكوا قيده، أو يكتبوا تقريرا أو يستدعوا طبيبا ، أو يجتمعوا ليتخذوا قرارا حول حيرة الموت عندما يضحك للحياة.
ميسرة أبو حمدية الجنرال العجوز المتأبد في الثورة، والمؤبد في العطاء، الرجل الذي حول السجن إلى معبد ، والفراغ إلى مدرسة، المعلم للتاريخ والجغرافيا ودروس الحساب وألوان الفصول الأربعة، المستعصي على الألم منتشيا بروحه الصاعدة.
الجنرال العجوز الذي لاحقوه قبل الاعتقال وبعد الاعتقال، طردوه من زنزانة إلى أخرى، ومن سجن إلى آخر، فكان يطردهم دائما بالحضور وكثرة الأسئلة الموجعة، كان يملك أسرار النجوم ويتحدى الجلادين قائلا: ستأخذنا الحياة إلى طبيعتها، ، لأن لنا هناك ظلا تحت الزيتونة القديمة ، وسيبزغ اليوم الجديد على طريقتنا لأن هناك آثار لأقدامنا لا زالت واضحة.
ميسرة أبو حمدية الناطق باسم الشهداء الذين سقطوا وباسم الذين سوف يسقطون قهرا ومرضا عندما تدور الأمراض في أجسادهم سنة وراء سنة، ويغلق السجانون أمامهم نوافذ القلب، ولا يبقى سوى رقصات الموت تحلق حول أرواحهم الشاردة .
هو الشاهد على ما يجري في تلك الغياهب المعتمة، أجساد مخدرة بأدوية المسكنات، معاقين ومشلولين تساقطت أطرافهم واختنقوا بالأوجاع، كل يكتب وصيته قبل الفجر، ويختبئ في جسده المحطم وينتشر في الغياب.
هو الذي رأى كيف سقط الشهداء أبو هدوان وزكريا عيسى وزهير لبادة،وعرفات جردات وأشرف أبو ذريع، ونعيم وشوامرة وسامي ابو دياك وفارس بارود والعديد من الشهداء بلا وداع، الوقت كان سيفا، والجسد يغلي ويبرد، حمى وصراخ وعدم.
أجساد معلقة على الأمل، درب مقفر،أرواح معلقة أجراسا تنتظر كأسا من الماء ترويها وتنكسر، ولا تسمع في الليل إلا صوت الحديد يقطع ظل المرضى ، ينحرهم ولا ينام.
ميسرة أبو حمدية : أيها القادم في تابوت، انظر وراءك لا تجد أمما متحدة ولا عالما ينتصر لثقافة حقوق الإنسان، ولكنك تنظر أمامك لتجد شعبك ينهض من أبديتك البيضاء، ليتوجك قمرا في السماء، كأنك لم تتأخر عن مواعيدك في خليل الرحمن.
ميسرة أبو حمدية أنت عدت، نزلت عن صليبك، لأنهم لم يصلبوك، وهم عادوا إلى السجن يبحثون عن بقاياك من رسائل و خربشات ملغومة بالأمنيات، فشهداؤنا يعودون أحياءا، والقتلة يعودون أمواتا في شكل أحياء، يختنقون بأشباحنا وأعمارنا الطوال.
ميسرة أبو حمدية أنت عدت، نجوت من ألف سرطان احتلالي، قاومت الوباء في السجون، وأنزلت كل الأقنعة : أقنعة الدولة التي تمارس الجريمة البطيئة بحق الأسرى، الدولة التي ذبحت السلام في جسدك، أقنعة الدولة التي صارت دولة سجون تطارد الحرية والقيم الإنسانية في كل مكان،أقنعة دولة القراصنة التي اكتشفتها من الداخل ، في الزنزانة وفي البوسطة وعلى سرير المشفى وفي حقول القمح.
قلت لهم : أنا من ولدتني الخيل في أعالي الجليل، وأنا ابن لغة الأرض ودوالي الخليل، أنا ابن كوفية وبحر وقدس وماء وجامع وكنيسة، أنا من زرعتني أمي برفق لأكون انا، هنا وغدا في الضوء والنصر والصلاة وعودة اللاجئين والمعذبين.
بقلم/عيسى قراقع
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت