الكورونا تنعش رئتي الطبيعة

بقلم: شذا محمد العزة

شذا محمد العزة

أطلقت البيئة صفير الإنذار لتعلن حجراً صحياً عالمياً، ملبية استغاثات مواردها الطبيعية التي تنضب بفعل البشرية وهي أخطر كائناتها. فمُنذ عقدين من الزمن أصبحت الديون البيئية تتكدس على الشعوب بفعل استنفاد البنية التحتية البيئية من خلال زيادة التلوث، وأنماط الإستهلاك والإنتاج غير المستدام، والحصاد المباشر للعديد من أشكال الطبيعة، وغيرها من الممارسات السلبية التي ألحقت الضرر بتوازن النظام الأيكولوجي، وتسببت في زيادة عدد وفيات العالم الناجمة عن الأمراض البيئية.

إن الممارسات الرعناء اتجاه الحياة البرية من تعدٕ على الموائل، والتلوث، والصيد الجائر، والإتجار غير المشروع؛ أدى إلى ظهور أمراض حيوانية المنشأ والتي تسببت بإحداث أوبئة كبرى مثل الأيبولا، وانفلونزا الطيور والخنازير، وفيروس غرب النيل، وحمى الوادي المتصدع، والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس)، وأخيراً انتشار جائحة الفيروس التاجي "فيروس كورونا/ كوفيد-19".

إن هذه الأمراض تتزايد بشكل مطرد، فلا يزال العالم يشهد تدهوراً غير مسبوق في الموائل البرية بسبب النشاط البشري، وإن تدمير هذه الموائل قد يشجع العمليات التطورية السريعة وظهور طفرات جينية مُنتجة أنواع من الأمراض تنتقل إلى البشر والحيوانات على السواء كفيروس كورونا. فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية إن المصدر الحيواني هو المصدر الرئيسي الأكثر ترجيحاً لهذه الفاشية. ونتيجة لتفشي هذا الوباء؛ فرضت الصين حظراً مؤقتاً على بيع واستهلاك الحيوانات البرية وأغلقت ما يُقارب عشرين ألف مزرعة للحياة البرية.

إن محنة وباء الكورونا وما يتبعها من إرهاصات هي أشد ضراوة على البشرية واقتصادها، لكنها المخلِّص لأرواحٍ أخرى تموت سنوياً بفعل التلوث. فقد منحت العُزلة الجبرية للطبيعة الفرصة بأن تُعيد أنفاسها وللحيوانات بإن تتكاثر في موسمها دون اصطياد ولشقائق النعمان أن تنجو من مصير قطفها من جانب المشاة، في هذا العام سَتُزهر المروج وسَتُقدم موارد للنحل والفراشات وستشهد الطبيعة ازدحاماً غير مؤاتٍ للنبات والحيوان وسَوف تَتَحقَق العدالة البيئية. فقد سجلت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية انخفاضاً ملحوظاً في حركة الطيران التي تساهم بنسبة 2% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، وأكدت بأن فيروس كورونا ساهم بتقليل الانبعاثات الملوثة مع توقف النشاط الصناعي. لكن الفيروس في فلسطين عجز عن حماية البيئة من وباء اكبر "الاحتلال" الذي فتك كل المعايير البيئية وأحدث غازه المسيل للدموع انقباض في الجهاز التنفسي بقدر أكبر من فاعلية الكورونا، كما ان قهر هذا الوباء "الاحتلال" للشعب كان سببا في اصابتهم بالأمراض المزمنة وهذا بدوره يضاعف احتمالية موتهم بسبب الفيروس.

إن الطبيعة تثأر لنفسها في كل مرة، فعندما استُهلكت مواردها بوتيرة أسرع مما يمكنها أن تعيد تجديدها، أصبح هناك احتباس حراري، واختلال في طبقة الأوزون، والمطر الحمضي، وتلوث مياه الشرب، ونقص التنوع الحيوي، وعندما نُكّل بموائلها البرية عزز ذلك نمو كائنات ممرضة تنتقل بسرعة إلى الأرض وتحدث أوبئة جائحة كالكورونا.

إن هذه الكارثة الصحية العالمية هي فرصة لتقييم سيكولوجيا الإنسان اتجاه بيئته التي تهدد رفاهيته وسلامة النظام البيئي؛ وذلك لضمان الاستمرار الآمن للنوع البشري ومعرفة التغييرات الإيجابية التي قد تكون ممكنة إذا قمنا بتغيير عاداتنا البيئية على نطاقٍ شخصيٍ وعالمي.


 

  بقلم شذا محمد العزة

مسؤولة الوحدة البيئة في مركز لاجئ

المصدر: قدس نت -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت