مذ بدأ تفشي وباء كورونا حول العالم، لاحظت مقالات كثيرة لجمهرة من الكتاب والمفكرين، والتي توقعت ولادة نظام عالمي جديد بعد كورونا، وأن كورونا سيغير موازين القوى في العالم، وأن كورونا سينقل مركز الثقل من أمريكا الى الصين، وسط تفكك الاتحاد الاوروبي، وأن الدول ستنكفئ على نفسها، وأن التبادل التجاري سيتقلص، وأن التجارة العالمية والشركات العابرة للقارات ستضعف، الى اخره من هذه التوقعات التي لا تدعمها الوقائع.
حيث يخبرنا التاريخ أن "الإنفلونزا الإسبانية" 1918م، أدت إلى وفاة أكثر من 50 مليون شخص، لكنها لم تغير النظام العالمي، بل غيرته الحرب العالمية الأولى 1918م التي أودت بحياة نحو 20 مليون شخص.
وبعد انتهاء هذه الجائحة ربما سيكتشف الكثير من الناس أن مقتل 3 آلاف انسان في أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001م كانت لها آثار على النظام العالمي أكثر بكثير من جائحة كورونا.
فقد أودت الانفلونزا الاسبانية بحياة نحو 675 ألف أمريكي عام 1918م، بينما كان عدد سكان امريكا نحو 80 مليون نسمة فقط، لكن هذا الوباء لم يقذف بالولايات المتحدة في ذيل الامم، فلماذا سيودي بها وفاة نحو 20 الف أمريكي في وباء كورونا بينما يبلغ تعداد سكانها اليوم نحو 328مليون نسمة.
اذاً الوقائع تثبت أن ما يغير النظام العالمي هو الموت الصاخب، والذي تصنعه الحروب والصدامات بين الحضارات والدول، تماماً كما حدث في اعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولم تصنعه الأوبئة والجوائح الطبيعية كالانفونزا الأسبانية التي أودت بحياة عدد من البشر أكبر مما أودت به أي حرب في العالم.
فهل سيكون العالم على موعد مع موت صاخب تصنعه حرب عالمية ثالثة، بعد جائحة كورونا، أم أن الحرب العالمية الثالثة ستندلع في ظل وباء كورونا تماماً كما حدث عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى بالتزامن مع وباء الانفلونزا الأسبانية.
كما أن هناك مؤشرات أخرى تؤيد القول أن العالم سيتعافى سريعا من جائحة كورونا ولن نشهد تدهورا عالميا وانكفاءا دوليا، ومن هذه المؤشرات أن الإنفلونزا الأسبانية استهدفت في حينه جيل الشباب عماد الصناعة والعمل، بينما تشير معدلات وفيات وباء كورونا اليوم أنه يستهدف كبار السن وضعيفي المناعة.
وبينما كان التقدم في القطاع الصحي 1918 متواضعا جدا، فان طفرة وتقدما كبيرا طرأ على القطاع الصحي اليوم.
وفيما كانت وسائل الاتصال والتواصل والمواصلات متواضعة جدا عام 1918م، فان وسائل التواصل الاجتماعي اليوم تعد من أهم عومل التعافي لاستئناف العمل والدراسة ولو عن بعد كي لا تتوقف عجلة الحياة.
وعليه ربما من المبكر الحديث عن ولادة نظام عالمي جديد، فالحروب الخشنة والموت الصاخب لملايين البشر هو ما يصنع السياقات التاريخية والتحولات العالمية لصناعة نظام عالمي جديد وليس الأوبئة والجوائح الطبيعية.
كتب: عماد عفانة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت