السنوار والطريق إلى قلب حركة فتح

بقلم: عماد عفانة

عماد عفانة

سادت علاقة مشوبة بالشك وعدم الثقة بين أكبر فصيلين على الساحة الفلسطينية حماس وفتح، على طريق الخلاف لطبيعة حل الصراع مع العدو الصهيوني.

ففي حين تصر حركة حماس على أن المقاومة ونهج القوة هو الكفيل باسترداد الحقوق وتحرير الوطن، ترى حركة فتح أن نهج المقاومة الذي مارسته منذ ستينيات القرن الماضي، فشل في تحصيل الحقوق، وعليه دخلت نفق الحل السلمي الذي ساهم في هدر مزيد من الحقوق هو الآخر.

وما زاد العلاقة تعقيداً وصول حدة الخلاف السياسي الى صدام ميداني فيما عرف بأحداث 2007م في غزة والتي ولدت الانقسام الذي ما زال قائما حتى اللحظة.

وعليه انسحبت نظرة الشك وعدم الثقة بين الجانبين على القيادات وما يطرحونه من مبادرات ومطالبات لاستعادة الوحدة، إلى أن طرأ متغير وازن في صفوف حركة حماس تمثل بتبوؤ القائد المناضل يحيى السنوار، رئاسة حركة حماس في قطاع غزةعام 2015.

السنوار المولود عام 1962 بمخيم خان يونس لعائلة ترجع أصولها إلى مجدل عسقلان المحتلة، وينظر اليه باعتباره مهندس جناحها العسكري وعقلها المدبر، ورمزاً شعبيا يتميز بالانفتاح، قاد هجوما طويلا لتحقيق الوحدة والوطنية وما زال على طريق مقاومة الاحتلال، وفي سيرة الرجل، الذي لم تكن تل أبيب سعيدة عندما اختارته حماس في 2015 مسؤولا عن ملف الأسرى من الجنود الإسرائيليين لديها، وهي من دون شك غير سعيدة بانتخابه قائدا لحماس في غزة.

وللسنوار كحركة فتح تاريخ نضالي طويل، فلم يكن السنوار قد بلغ العشرين من العمر عندما اقتحم جيش الاحتلال منزله لاعتقاله عام 1982، وأبقاه رهن الاعتقال الإداري أربعة أشهر بتهمة المشاركة في مقاومة الاحتلال، ثم أعاد الاحتلال اعتقال السنوار الحاصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية، لمدة ثمانية أشهر أخرى سنة  1985 لاتهامه بإنشاء جهاز الأمن الخاص بحركة حماس الذي عرف باسم "مجد" حيث كان الجهاز يعمل على مقاومة الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، ومكافحة المتعاونين معه من الفلسطينيين.

ويبدوا أن أشهر الاعتقال الاداري الطويلة قد ساهمت في مزيد من صقل شخصية السنوار المناضلة، بدلا من احباطها، حيث اعتقل السنوار مجدداً في عام 1988، لاتهامه في تنفيذ عملية أسر الرقيب "آفي سابورتس" من داخل الخط الأخضر، ثم تصفيته والتخلص من جثته، حيث عثر على جثته بعد ثلاثة شهور، ليصدر الحكم على  السنوار بالسجن أربعة مؤبدات.

ويحظى السنوار الذي افرج عنه في صفقة شاليط عام 2011، والتي أفرج الاحتلال حينها عن 1027 أسيرا، عاد إلى مكانه قياديا بارزا في حركة حماس ومن أعضاء مكتبها السياسي، حيث شغل مهمة التنسيق بين المكتب السياسي لحماس وقيادة كتائب عز الدين القسام، بصفته "ممثلا للكتائب" في المكتب السياسي لحماس، يحظى بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني حيث اعتبرت مواقفه مؤثرة خلال العدوان على غزة عام 2014م، والتي شكل السنوار في أعقابها لجان تحقيق وعمليات تقييم شاملة لأداء القيادات الميدانية، وهو ما نتج عنه إقالة قيادات.

قاد السنوار الذي تزوج عن عمر 49 عاما، منذ توليه دفة القيادة هجوم المصالحة من خلال المرونة الهائلة التي أبداها في حوارات المصالحة في القاهرة، حيث أشاع في حينه أجواء مفعمة بالتفاؤل عن إمكانية تحقيق المصالحة إلى درجة حلّ اللجنة الإدارية قبل الإمساك بأي ضمانات حقيقية تؤكّد رفع الرئيس عباس عقوباته، وتنازل عن إدارة المعابر والجباية الضريبية عليها للسلطة الفلسطينية، وهو الأمر الذي أفقد حماس موردًا ماليًّا مهمًّا كان يغطي شيئًا من رواتب موظفيها ونفقات حكومتها، ما يعكس اخلاص وصدق السنوار في رغبته في التخلص من العبء الحكومي، ومنح الأولوية للعمل المقاوم.

 بيد أنّ الإدارة السياسية بحسن النوايا لم تستطع اقناع فريق  رئيس السلطة، ولم يسفر الهجوم عن اي اختراق مهم لصالح تحقيق المصالحة.

 

ويستطيع السنوار صاحب التاريخ الحافل والذي أدرجت الولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول 2015 اسمه على لائحتها السوداء "للإرهابيين الدوليين"، أن يوظف كونه من القيادات الأكثر كاريزمية، نظرا لتميز خطابه بالتلقائية ولقاءاته التي لا تتوقف مع شرائح الشباب بمختلف توجهاتهم، نظرا لخبرته الطويلة في قيادة الكتلة الإسلامية خلال دراسته الجامعية، يستطيع أن يوظف هذه الميزة وهذا الموقع القيادي في التوجه ضمن خطة منهجية متسلسلة تصاعديا، لمخاطبة قادة فتح من غير الصفوف الأولى وصولا الى قواعدها الشعبية، خطابا يحيي في أنفسهم الروح الثورية التي تمتعت بها فتح ابان سني الثورة الطويلة، يرفع الهمم في صفوفهم لمتابعة مسيرة قادتهم الثوار من ابو الهول وابو اياد الى ابو جهاد وحسن وسلامة، ويعيد الألق إلى عمليات فتح الثورية بداية من عيلبون ودير ياسين الساحل، مرورا بمعركة الكرامة وميونخ وصولا الى يمونا وايلات، وبينها عشرات العمليات التي لا مجال لحصرها.

السنوار الذي بقي خارج النسق الحكومي، وخارج أطر النخبة القيادية التي تشكّلت طوال وجوده في السجن، والذي بقي خاليا من التجارب السلبية معهم، والزاهد في مظاهر الترف والبذخ، يمكن أن يكون اكثر اقناعا لقواعد فتح وكوادها إذ أن تاريخ المشاحنات والصدامات بين الفصيلين لم يسجل حضورا للسنوار الذي يستطيع من خلال اللقاءات المفتوحة التي ينظمها مع جماهير الحركة وقواعدها الشبابية، أو عبر اللقاءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن يشرح سياساته التي تركّز على ضرورة اعادة احياء نهج العمل المقاوم في هذه الحركة العريقة والسباقة في النظال عن حركة حماس لأكثر من 25 عاما.

كما يمكن للسنوار 58 عاما والذي أنهى دراسته الثانوية في مدرسة خان يونس الثانوية للبنين والذي يتمتع بروح وثابة أقرب لحماس الشباب منه لهدوء الشيوخ، والذي يعتبر من أشد قيادات المقاومة التي يبغضها العدو الذي يصفه بـ "العنيد"، وتصنفه كرئيس لجناح الصقور في حماس بغزة، ان يجند دوائره الاعلامية خاصة المتعلقة بالاعلام الجديد منها لتنظيم حملات اعلامية منظمة طويلة الأمد، اكثر انفتاحا، تركز على احياء الارث النضالي الطويل لحركة فتح، لتعريف الأجيال الصاعدة منهم خاصة في ساحة الضفة الغربية والقدس بهذا الارث النضالي المغيب من جانب، ومن جانب آخر لدفعهم لمواصلة درب الثورة عوضا عن الانشغال بمنهج المناكفة والبغض والتشويه لحركة حماس الذي تنتهجه قيادتهم الحالية.

ففلسطين التي تنضال حماس لتحريرها، هي ذاتها فلسطين التي اغتيل من اجل تحريرها قافلة طويلة من كوادر وقيادات فتح وعلى رأسهم الختيار أبو عمار.

وما يجمع حماس وفتح اكبر بكثير مما يفرقهما، وما ينقص الساحة الفلسطينية قيادة أكثر وطنية منها حزبية، قيادة اكثر انفتاحا وأوسع وأشمل واذكى في نظرتها وفي احتوائها واحتضانها لمخلتف أطياف الشعب على قاعدة النضال والمقاومة وصولا الى الحرية والتحرير.

يستطيع السنوار الذي يقود قلعة المقاومة في غزة أن يلعب هذا الدور، لكن قبل ذلك عليه ان يحسن اختيار ويوسع فريق العمل من حوله ليشمل مزيداً من القدرات والخبرات، فماذا لو كان من بينهم كوادر مخلصة ونظيفة من حركة فتح ذاتها.!!.

كتب: عماد عفانة

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت