إن الإحساس العميق في الكتابة شيء لا يمكننا تجاهله ونحن نقرأ كتابات الروائية إيمان الناطور ؛ كما أن كتاباتها المليئة بالأمل لم تستطع أن تخفي عنا مهما حاولت الحزن العميق المختبئ وراء الكلمات بطريقة بدت جلية خاصة في مجموعتها القصصية القصيرة "رفقة من نور" ؛ وروايتها القائمة تحت الطباعة "أيام القهوة" و التي قمت بقراءتها كمسودة فاكتشفت كل محاولاتها لإخفاء الحزن المتجلي خلف معانيها بطريقة يستحيل ألا تؤثر في القارئ مما يجعلنا نعود لنؤكد مرة أخرى على التصنيف الذي منحه لها بعض الكتاب والأدباء واعتبارها الروائية الأولى على مستوى فلسطين من حيث العنصر النسوي وهنا تطرح الاسئلة نفسها بنفسها ؛ أين كانت إيمان الناطور بهذا العدد الكبير من الروايات الموصوفة بهذه القوة منذ سنوات ؟ ولماذا لم تظهر على الساحة إلا منذ مدة قصيرة أقصاها بداية هذا العام ؟ ولماذا لم تحاول التنويه عن كونها روائية سابقا و لسنوات اكتفت فقط بالعمل الصحفي الذي كانت تشوبه ايضا الاختفاءات المتكررة لها لفترات طويلة ؟
إن محاولات الكاتبة لإحاطة نفسها بجدر محصنة تجعل من الصعب الوصول إلى عالمها الخاص و أسراره الخفية لم يمنعها من الموافقة على هذا اللقاء الحصري القصير الذي منحتنا إياه رافضة الحديث قطعيا عن تجربتها المؤلمة الأخيرة والتي انتقدت فيها عبر أحد تقاريرها الصحفية الجريئة فساد أنظمة الحكم والذي تم مسح جزء كبير منه منذ نزوله على الانترنت واتخاذ اجراءات صارمة ضدها بسبب جرأة الكاتبة واتهاماتها الصريحة موضحة أنها ستواصل مشوارها فهي لم تحارب على صعيد الرواية بل حوربت كصحفية وهذا يزيدها تمسكا بقضيتها وهي إظهار الحقيقة للناس ورفضت الكاتبة التعمق بهذا الموضوع ، ولكنها لم تمانع بالحديث عن مشوارها الروائي مؤكدة : " بالنسبة لتأخري في الظهور كروائية كان علي أن أتخذ بعض القرارات الشخصية قبل أن أتخذ خطوة كهذه فقد كان هناك أمورا خاصة يجب أن أتخذ فيها قرارا حاسما وهذا ما أخر أمر ظهور رواياتي ، لأني تأخرت في اتخاذ هذا القرار" ، وتضيف الكاتبة قائلة : " الأمر كان على قائمة قراراتي منذ عشرين عاما ؛ ثم عاد يتجدد مرة أخرى منذ ثماني سنوات الروايات كانت موجودة دائماً ولكني لم أكن قد اتخذت القرار بعد فقد كانت لدي أولوياتي الخاصة ، ثم عاد قرار ظهور رواياتي يتجدد مرة أخرى منذ ثلاث سنوات و قد حضّرت له جيدا هذه المرة فقد كانت دار نشر سمير منصور تنتظر كلمة نهائية مني للنشر منذ عام 2017 ، حتى اتخذت القرار بهذه الخطوة على اعتاب 2020 والتي أعتبرها "سنة الحظ" بالنسبة لي ، صحيح أنني أخرت قراري قدر الإمكان ولكني لست نادمة فلدي أسبابي الخاصة والتي كانت تستحق التضحية لأجلها. "
وبسؤالها عن وجود رابط بين قصة انفصالها و ظهورها كروائية قالت باقتضاب : "لا يوجد أي رابط ، الموضوع منفصل لا صلة بين انفصالي وظهوري كروائية." وعلى الرغم من امتناعها عن الخوض بتفاصيل خاصة إلا أنها نوهت على مدى ارتباطها بابنها الوحيد وانها كثيرا ما تستحضره أثناء كتاباتها فهي تعتبره ملهمها و بطل حكاياتها فقد استحضرته بشكل كامل ومنحته دور البطولة في روايتها "واقترب موسم الحصاد" ، إلا أنها في روايتها القادمة "كورونا" قد قررت سرد قصة حقيقية تماما ستفاجئ بها جمهور قرائها ، و حول رواية "كورونا" والتي تحكي قصة أم وأبنائها الثلاثة وهم ابن وحيد وابنتين حيث تأخذ ابنتها الوسطى "شمس" دور البطولة الكاملة وتدور الأحاديث أن الرواية تتحدث عن حياة الكاتبة الحقيقية مع أبنائها الثلاثة إلا أن الكاتبة نفت ذلك بقولها : "لا علاقة بين الرواية والواقع ، رواياتي محض خيال لا صلة لها بالواقع ."
أما عن روايتها "أيام القهوة" والتي قرأتها بنفسي كمسودة قبل ذهابها للطباعة فقد اثارت حفيظتي وما أتوقعه لها هو أن تستفز مشاعر القراء تعاطفاً مع البطلة "إيلين" التي تظل متعلقة بزوجها السابق حتى تجعل القارئ يحبه بدوره إلى درجة ظهور توجه بعودتهما معا من جديد على الرغم من أن البداية كانت منفرة جدا من شخصية "راجح" و تسامح "ايلين" معه مرة بعد مرة وعودتها للتضحية والخضوع له من جديد في كل مرة ، حتى تصل للقناعة الكاملة أن حبها لراجح سيتبدد لو بقيت قريبة منه فتقرر الابتعاد حتى يبقى الحب حياً فبعض انواع الحب تُستنزف بالبقاء ، ويلزمها الانسحاب لتبقى جذوته مشتعلة ، و المثير للاهتمام هو قدرة الكاتبة على جعل القارئ في نهاية الرواية يحب "راجح" بهذه الطريقة ويتضامن معه ومع هذا الحب الذي لا حل لبقائه إلا الابتعاد بطريقة تعيد نفس السؤال الذي أجابت عنه الكاتبة بتكرار نفس الإجابة : "لا صلة بين الروايات والواقع ورواياتي التي أكتبها هي محض خيال ليس إلا ."
رواية أيام القهوة المكونة من 170 صفحة كانت قيد الطباعة و على قيد أنملة من صدورها لولا حلول أزمة كورونا والحجر الصحي الذي أوقف العمل على أشياء كثيرة بشكل مؤقت .
أما مجموعتها القصصية الرائعة "رفقة من نور" والتي تتجلى فيها مشاعر الحزن والوحدة بشكل عميق كما في قصة"على جناح ملاك" وهي قصة من ضمن مجموعتها القصصية ، والمرأة ذات القلب المكسور التي تحب بصدق وطهارة ولكن تختلف مفاهيم الحب بينها وبين حبيبها بسبب اختلاف الثقافات والبيئات والتي تتجلى في قصتها "دموع على الوسادة" وهي من ضمن مجموعتها القصصية أيضا ؛ وقصتها "بالمقلوب" التي تحدثت فيها بطريقة مرمزة عن خداع الحكومات لشعوبها كأحد عوامل فرض السيطرة ، وقوة القلم في مواجهة البندقية ، أما بخصوص رواية عيون الظلام للكاتب "دين كونتز" كانت الكاتبة والصحفية "الناطور" هي أول من تحدث عنها فلسطينياً في أحد اللقاءات الصحفية حيث عبرت عن رأيها بعدم وجود علاقة بينها وبين الشائعات المنطلقة عنها وأكدت الكاتبة ان للرواية نسخة قديمة تم تغيير اسمها لأهداف تخدم التغيرات السياسية لتلك المرحلة وبسؤالها عن هذه التغيرات قالت "الناطور" : " إن عام 1989 شهد نهاية الحرب الباردة وأفول الاتحاد السوفياتي وتراجع الشيوعية، وحينها بدأت بالتحسن العلاقات بين الولايات المتحدة -التي يعيش فيها الكاتب- والاتحاد السوفياتي الذي تحول للجمهورية الروسية لاحقاً. وأصبحت القيادة الروسية معنية بالانفتاح وتحسين العلاقات، ووجد المؤلف الأميركي بهذا السياق أن إلقاء اللوم على روسيا لا يتماشى مع التطورات السياسية العالمية ." وبهذا تدحض كل الادعاءات بحقيقة هذه الشائعات حسب رأيها .