في نيسان عام ٢٠١٢ عندما وطأت أقدامنا أرض الوطن فلسطين رحتَ تصلي صلاة المغرب بينما كنا ننتظر استكمال اجراءات الدخول إلى أرض الوطن ، ثمة شاب يهودي وقف يتأملك ملياً ، تبدو على وجهه الحيرة والدهشة ، كأنه اكتشف أنه أمام شخص ليس غريباً عنه ، استكملت صلاتك أبا الهيثم لتجد هذا الشاب اليهودي يتفحص وجهك ، بادرك على الفور أأنت ابن الرومية ، بالطبع استغربت لكنته العربية وأنت تعرف من هيئته أنه ليس بعربي ، ألح عليك هذا الشاب اليهودي ألست ابن الرومية ، بوجهك السموح البشوش أجبته نعم أنا ابن الرومية ، لقد أبدى هذا الشاب اليهودي إعجابه بك عندما قال لك أنه يتابع مسلسلاتك ومعجبٌ بك ، هنا الحيرة والدهشة تظهر على وجهك أبا الهيثم ، أيتابع اليهود مسلسلاتنا العربية ؟! كم كان هذا الشاب يتوق إلى احتضانك وتقبيلك ولكن مسافة العداء معه حالت دون ذلك ، هنا يتأكد أن الفن ليس له حدود جغرافية وبشرية وسياسية ، ألم يعشق شاعرنا محمود درويش ريتا اليهودية لتكون حدود الوطنية المفترق بينهما ، في ذلك العام ومنذ ستة أعوام درجنا على أرض الوطن ، استطعت الولوج إلى صفورية لتؤكد على حقيقة انتمائك الوطني للأرض التي طُردتَ منها طفلاً ، فالهوية الوطنية ليست مجرد بطاقة تحملها في جيبك وإنما هي شعور روحي ووجداني يربطك بوطنك مهما ابتعدت عنه ولأي سبب كان .
كنت أبا الهيثم قد اتهمتني بخيانة الصداقة لأني لم أصحبك معي إلى القدس حتى نصلي معاً في المسجد الأقصى ، اعتذر ثانية عن ذلك الآن كما اعتذرت من قبل وكنا في لحظات الاعتزاز والشموخ ونحن على أرض الجزء المتاح لنا من أرض الوطن . كنتُ قد التقيتك في بداية هذا العام في مهرجان الذكرى الخامسة والخمسين لانطلاقة الثورة الفلسطينية ، كنت تتكىء على عكازك ، تبادلنا عبارات قصيرة تذكرنا فيها رحلة العبور إلى أرض الوطن ، تمنيت لك الصحة والعافية وأن يطيل الله بعمرك .
اتذكر أنه بعد عودتنا من أرض الوطن بمدة ليست بالقصيرة وجدت في حقيبتي ديواناً مهدى اليك من الشاعر محمد علي طه ، وقد انقطعت سبل الاتصال بك بعد أن أصبح مخيم اليرموك حكاية كل فلسطيني ، لكني لم أعدم الوسيلة لأرسل اليك الديوان لك حيث كنت تقيم في منطقة المجتهد ، أمانة كان لا بدّ أن تعود اليك .
أبا الهيثم وداعاً لك وأنت تتركُ خلفك إرثك الفني الوطني القومي ، فقد كنت مبدعاً متألقاً في إدائك الفني ، كانت فلسطين همك الوطني كما كانت سورية همك القومي .
سنتذكر دائما الفنان الفلسطيني الكبير عبد الرحمن أبا القاسم ومشاركاته العديدة في معسكرات حركة " فتح " ، سنتذكر ابن الرومية في الجوارح ، سنتذكر أبا الهيثم ابن فلسطين وسورية معاً .
٢٠٢٠/٤/١٠ صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت