عالم ما بعد العاصفة

بقلم: أسامه الفرا

أسامه الفرا

الكل يجمع على أن ما بعد كورونا لن يكون كما قبلها، فالقوة التي ضرب بها الفيروس دول العالم أصابت بنيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بتصدعات عميقة لن يكون بالهين ترميمها وإعادتها إلى ما كانت عليه في السابق، وسيكون ايضاً للهزات الإرتدادية الناتجة عنها مفاعيلها في السنوات القادمة، فإلى أي اتجاه سيمضي الفيروس بالعالم؟، رغم أن العدو الغير مرئي ما زال يمسك بقبضته مناحي الحياة المختلفة ويجبر المواطنين في ارجاء المعمورة على تغيير سلوكهم ونمط حياتهم دون أن يلوح في الأفق حتى يومنا هذا متى يمكن له أن يوقف تغوله على البشرية؟، وكيف ستنتهي تلك الحرب المفتوحة معه وطبيعة الانتصار عليه؟، ومدى قدرة الدول على الصمود وإمتصاص صدماته؟، إلا أن الأهم كيف سيكون عليه وجه العالم فيما بعد كورونا؟.
تغير سلوك الفرد طبقاً للإيقاع الذي فرضه الفيروس، وأعاد كل منا التفكير بمفردات الحياة مع تراجع المفاهيم المادية وتصاعد الروحانية وبتنا نبحث عن سبل التواصل مع الخالق، ومعها توسعت بشكل لافت مبادرات التكاتف والتعاضد بين أفراد المجتمع لتشكل صوراً مضيئة وسط السحب الرمادية التي خلفتها تداعيات الفيروس في أقطار العالم المختلفة، وخفت معها الكراهية بين الأديان حيث ضرب الفيروس البشر دون تمييز بين دين ولون وعرق، وعرف الأغنياء أن ارصدتهم عاجزة عن توفير ملاذ آمن لهم وأن حياتهم مرتبطة بحياة من يقومون على خدمتهم، لا يعني ذلك أننا اقتربنا من التجول في المدينة الفاضلة، ومن المبكر القول أن المتغير الايجابي في السلوك هو من فئة الثابت الذي يمكن لنا البناء عليه، حيث أنه في كثير من الأحيان يخضع لمؤثرات خارجية لا يلبث أن يتغير بزوالها.
 الأهم من سلوك الأفراد كيف سيكون عليه سلوك الدول؟، لا شك أن النزعة الوطنية تعمقت بفعل الوباء وإن اخذت طابع ردات الفعل فمن المرجح أن تتصلب وتفرض حضورها بعد انقشاع الجائحة، فلا يمكن للشعب الإيطالي أن ينسى كيف تخلى عنه الاتحاد الأوروبي بين عشية وضحاها وتركه وحيداً يصارع الغزو الفيروسي، بل وكيف سارعت الدول لإغلاق حدودها مع ايطاليا دون أن تمد لها يد المساعدة، بل من المرجح ايضاً أن يتوسع السؤال بين شعوب دول الاتحاد الأوروبي حول جدوى البقاء في منظومة الاتحاد الذي وقف عاجزاً دون حراك يذكر لمواجهة خطر الفيروس، ويمكن للسؤال أن يتمدد ليقرع جدران العلاقة مع القوى العظمى، فما الذي قدمته أمريكا لدول العالم بشكل عام وحليفتها الأوروبية بشكل خاص خلال الأزمة؟، إلا أن الجانب الاقتصادي سيكون المؤثر الأقوى في صياغة سلوك الدول بعد الأزمة، سيما وأن الجائحة أصابت الاقتصاد بركود ليس من الهين التعافي منه، وبالتالي ما نسمعه اليوم من تصريحات حول ضرورة مساندة الدول الغنية للدول الفقيرة مادياً لتمكينها من مواجهة الوباء قد يختلف بالمطلق بعد أن تضع الجائحة أوزارها، حيث ستكون أولوية الدول منصبة على استعادة توازنها سيما ما يتعلق منه بالجانب الإقتصادي.
 إن كنا نتفق على أن ما بعد عاصفة كورونا لن يكون بأي حال من الأحوال كما قبلها، إلا أنه من المبكر تحديد وجهة العالم في المرحلة القادمة ومدى تأثير الجائحة على أولويات وسياسات وسلوك الدول، لكن المؤكد أن العولمة بشكلها القديم فقدت الكثير من عوامل قوتها ولم يعد بريقها يخطف الأبصار، والواضح أيضاً أن الجائحة أطاحت بالعالم الإحادي القطبية وفتحت الأبواب أمام أقطاب عدة للتقدم لأخذ أماكن لها على خارطة النفوذ الدولي، أمام ذلك يبقى السؤال الأهم بالنسبة لنا ما تأثير ذلك على مستقبل الصراعات في العالم وتحديداً الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟، لعل الأفضل لنا، من أن نرهق أنفسنا في البحث عن إجابة، أن نستعيد نحن توازننا الذي فقدناه بفعل الانقسام ونستجمع قوانا وقدراتنا لمواجهة وباء الاحتلال الذي ينخر عظام الوطن.
 د, أسامه الفرا

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت