من يوميات رجل مسن..؟!

بقلم: توفيق الحاج

توفيق الحاج

1

سبعون عاما
اسعى عزالا ... ثم حصانا ... ثم حمارا ..ثم كلبا ...ثم قردا .....!
حملت..
تحملت ..
اطعمت ..
أسقيت.. ربيت .. بنيت.. تقاعدت.. انتهيت..
ذهب الذين أحبهم وبقيت مثل السيف فردا
خمسون عاما ... اكتشفت اني لم أكن كما أ شتهيت ......
لم أكن أنا....
ربما كنت صرافا....مربيا.. اجتهادا مهملا... سحابة في غير موعدها
لم أكن أنا.....
ولا أدرى لم أتيت..!

2

سنوات..
وانا أعيش مهزوما .. ألفت حجرا اختياريا قبل الحجر...يليق بانسخابي
لم أعد اتحمل الصدمات أكثر
اعتزلت الناس.......
ادركت لم كان الحلاج مكتئبا ...!
ولم قال أبو ذر في زمن الجوع ما قال......

في وحدتي..ابتكرت حياة خاصة بي... وخلقت لي عالمي الافتراضي
لي اصدقائي ...لي صديقاتي...
عوضا عن الذين خذلوني ..وتساقطوا من حقائبي في الطريق
انتبهت لنفسي... لمشاعري ... تجولت في ذاتي ...
فتحت بيني وبين نفسي صندوقي الاسود
أخرجت ساحراتي اللائي عشقت
اكتشفت انى رغم عمري المتهاوي
لم ازل طفلا
لم أزل مضحوكا علي ........!

3

(مادونا) في عيد ماسون تغني (ليس الكل يذهب للمستقبل )
(مادونا) تشي بقدوم الجائحة...!
عالم موبوء...
كل القذارات تجلت...
وقسمة ضيزى ما بين ملياردير وجائع.....

العام غير ماسوف عليه
أخد حصته من خزني .. وغادر
الأغبياء يحتفلون بعام ينقص من وقتهم
نستيقظ... نمارس طقوسنا البلهاء.. نشرب القهوة...ننتت..نقرأ... نكتب شهاداتنا رسائلنا ...نأكل ماتيسر.. نسمع الاخبار..

أول النشرة من ووهان...
لم أسمع بها من قبل
حديت المذيعة الجميلة عن خفافيش و قطط وكيف تؤكل الفئران ..؟
الموت يبدأ رحلته خجولا ..
بالآحاد.....بالعشرات...
تتوالد الاصفار ....
الموت يتعدى الصين
الموت بالألاف.......
الموت في انتشار
الموت فقط هو سيد اللحظة
الموت أصبح مألوفا
الخوف يبدأ في الصعود...
الخوف يفترس الوجوه
رأيت من حولي اما خائفا أو يتصنع اللا خوف
رأيت ايرانيا يلفظ انفاسه على الرصيف ..ولا يساعده أحد
رايت جثتا معقمة في صناديق محكمة...... وقبورا معدة للقادمين..!
رائحة الكلور تغمر االشارع.... وصوت المذيع ينصح بالصابون عشرين ثانية
أضحكتني.... فلسطينية ترينا كيف تعالج الفيروس بالطماطم والبصل!
وطبيب أعشاب ينصح بالينسون .. واااخر يؤكد ان للسماق مصل الداء
وثالث يقسم انه وجد الدواء..!
ذكرني ب(كفتة )الكبد الوبائي.....وتعاويذ الدارويش ...
بينما القططا لكبيرة ..تستغل الحال ...تنهش لحمنا ...وتفرح للوباء
أي عالم هذا...؟
أضاع المال في فنون القتل.... ثم يعجز ...يتهاوى أمام فيروس لايرى
رحماك يارب......
رحماك يارب....
أنت مولانا .... ولولاك هباء
4
شاهدت فيديو اماتني اكثر من الموت ...
طبيب ايطالي ينزع جهاز التنفس عن مسن.... من أجل طفل ..
كأنه يقول : عذرا سيدي.. ااان لك ان ترحل ...
أي نبل هذا...................؟!
الروح تسأل
5
قرات عن طبيب فرنسي
توسل اليه أب ان يرى اولاده قبل الرحيل .. اتصل بالعائلة ولم يرد احد
يرحل الغريب كما أنا... بلا وداع ..!
رد صديقي على خوفي من نهاية كهذه
لا.... نحن امه تختلف ... لن نهرب من أحبتنا (رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)
هززت رأسي غير مطمئن
ورائحة البصل والثوم تملأ المكان....!

6
في عز النوم -كما تغني فيروز- وجدت نفسي أاسعل .. أعطس... أشعر بكل الاعراض التي سمعت بها أو قرات عنها
قلت في نفسي : إنه الموت ...
ضاق نفسي...
ناديت ... صرخت .. لم يجبني احد .. اتصلت على 103 وانتظرت
بعد ثلاث ساعات حضرت عربة الاسعاف ونزل المدججون بالمعاطف البيضاء بالكما مات والقفازات والمعقمات .. حملوني في كيس أسود على عجل ...لم يتبعني أحد ...اجروا الفحص ....كان ايجابيا ...!
اطلقت ضحكة مرة ساخرة يا إلهي كل حياتي سلبية الا هذه المرة
. ادخلوني غرفة الانعاش.. خائفون.. بهمس الطبيب المتدرب: الحالة خطيرة !
وضع الطبيب الملتحي الذي يبدو كرائد فضاء بحذر جهاز التنفس وابتعدت عني الكمامات
لم ادر كم من الوقت مر...كان صدري يحترق... هل هذا دبيب الموت الذي أسمع عنه؟
اطرافي تحت عجلات قطار ... اتنفس بصعوبة ... أغيب...لكنني أرى الملتحي ضبابا واسمع همسا : (هوبلس كيس).. ارفع عنه الجهاز بسرعة ... هناك طقل الوزير( .... ) هو أولى .. هذا شبع من عمره... يكفيه
أرى ضبابا اااخر بشعا يقترب ... عزرائيل الذي تخيلت ... يمسك بالجهاز ...
دفعته بكل ماتبقى من رغبة الحياة.. اكاد اختنق .. صرخت..لا أريد ان اموت.. أريد ان اعيش... من حقي ان أعيش ولو لحظة واحدة..!

7

صحوت على طرق ..
دفع احدهم الباب .. أيقظني ....
قاتل الله البصل.......... تذكرت أنني نمت متخما
همست لنفسي... الحمد الله....الحمد لله.... لازالت في بقية حياة !


 توفيق الحاج

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت