يظهر أننا على أعتاب أُسس جديدة للعمل ولإدارة المورد البشري نتيجة للتداعيات والتأثيرات التي ألقتها أزمة كورونا، فما مدى تأُثيرات هذه الأزمة على المورد البشري العامل ضمن المنشآت في ظل قطاع اقتصادي هش أصلا فيما قبل الأزمة وتحديدا في السنوات الأخيرة ومع تزايد ما يتعرض له من معيقات المحتل الإسرائيلي التي شكلت طوق خانق للاقتصاد الفلسطيني، هل سوف تشهد الأيام المقبلة منشآت وطنية تخرج من السوق وتعلن افلاسها بسبب الانحدار الاقتصادي بما يلقيه ذلك من ظلال سوداء على المورد البشري، وما هي الإجراءات التي يجب أن تؤخذ لحماية العاملين والمنشآت على حدٍ سواء، وكيف ستعمل الحكومة على تدارك أزمة المورد البشري ودعمه في ظل الاقتصاد الفلسطيني المتهالك، أسئلة كثيرة تضع نفسها في الواجهة في ظل تأثيرات أزمة فايروس كورونا- كوفيد 19.
اليوم باتت تدرك العديد من المؤسسات ورغم تطور التقنيات التكنولوجية المستخدمة؛ أن العنصر البشري المؤهل هو المورد الأساسي ومن أكثر أصول المؤسسة أهمية للعمل وهو ما يظهر خلال خطط إدارة الأزمات كونه أحد مصادر جعل المؤسسة موضع جذب واستقطاب للكفاءات عدا عن الاحتفاظ برأس المال العامل واستقرارهم في المؤسسة، ونقصد بصيانة الموارد البشرية المحافظة على هذه الموارد بشكل يحقق فعاليتها وكفاءتها و انتاجيتها، الأمر الذي يؤدي الى تحقيق أهداف المنظمة وطموحاتها، وأهداف ورغبات العاملين في نفس الوقت، بحيث يشكلوا خط الدفاع الأول لاستقرار المؤسسة خلال تصديها للأزمات التي قد تطرأ كما هو واقع الحال مع أزمة فايروس كورونا وهو ما يمثل حدث جَلّل وتحدي إضافي يبرز نفسه ماثلاً بقوة امام إدارة الموارد البشرية، يكمن جوهره بكيفية خلق توازن مقبول بين الحفاظ على العاملين وبين الحفاظ على سير العمل بحيث لا يتعطل الإنتاج قدر المستطاع وتطبيق حلول وسطية تحقق مصلحة للجميع في ظل ركود اقتصادي عالمي أسفر عن خسارات هائلة في الدخل وزيادة ملحوظة في معدلات البطالة الى حد التفشي وما لها من تبيعات خطيرة وهذا ما يشير بقوة لأننا نقبع في المنطقة الحرجة للخطر كون نسب البطالة مرتفعة أصلا ما قبل ازمة كورونا وتفاقمها مؤخرا نتيجة لتسريح عدد من العاملين عن وظائفهم والاستغناء عنهم يشير لعواقب قد لا يمكن السيطرة عليها لاحقا وتمس بنية المجتمع الفلسطيني، فلا يجوز أن تقوم المؤسسات بالتضحية بالمورد البشري بل الأجدر بها حمايته و تطبيقها لكافة وسائل المحافظة عليه واتخاذ الإجراءات الوقائية ومراعاة مبدأ الحماية القانونية.
مما يُبرز أهمية وجود رؤية موحدة وفهم لكيفية التعامل الحالي والمستقبلي على مستوى إدارة الموارد البشرية وبيئة الأعمال ككل وهذا يفرض ضرورة اتباع وتفعيل خطط إدارة الموارد البشرية وبما تقضيه المرحلة اليوم اكثر من أي وقت مضى، لكي تتمكن المؤسسات من الحفاظ على موردها البشري باعتباره أصل من أصول المؤسسة لا يجب التساهل به وبالتالي قوى عاملة لديها المقدرة وتمتلك الرغبة في أداء الأعمال المسندة اليها و اللازمة لاستمرار عمل المنشأة في ظل هذه الأزمة ولن يتحقق ذلك الا من خلال الاهتمام بالمنافع المادية المباشرة وغير المباشرة، والخدمات المختلفة كالصحية والاجتماعية، والاهتمام برفع معنوياتهم ورضاهم الوظيفي وأداء العاملين عموما، ووفقا لهذه الخطط التي تتضمن كافة أوجه النشاط الخاصة بتقييم الأداء والتدريب المستمر وتخطيط التطور الوظيفي بالإضافة للالتفات لبعض النشاطات التي لابد ان تبذل للمحافظة على اتجاهاتهم ومعنوياتهم لاسيما في الأزمات، وتتمثل في خدمات عديدة تقدم للعاملين مثل تحسين بيئة العمل وتنظيم ساعات العمل، وبالدرجة الاولي توفير برامج والرعاية الصحية وبرامج الأمن والسلامة وتصميم برامج للتوعية الصحية لحماية الموارد البشرية العاملة من عدوى الإصابة او محاولة التقليل من الأثر السلبي بما يكفل المحافظة على الحالة المادية و الجسمانية والحالة المعنوية للعاملين وتحسين اتجاهاتهم نحو عملهم ونحو المؤسسة وكذلك الحفاظ على استمرارية تقديم الخدمات للمستفيدين بكفاءة وفاعلية مقبولة في ظل أزمة عالمية عاصفة.
أُشير لأن هناك بعض المؤسسات التي تسعي لتطبيق برامج صيانة الموارد البشرية للحفاظ على سمعتها امام العاملين لديها وبما يسهل خلق وتيرة تنافسيه للمنشأة في الأسواق ويؤدي إلى استقرار العمال وتقليل معدل دوران العمل، مما ينعكس بصورة واضحة على تحسين الإنتاجية وتطويرها ويقلص التكاليف. ولكن بالمقابل فهناك العديد منها أيضا لا تقدم برامج صيانة الموارد البشرية لموظفيها بالشكل الذي يريده الموظف، وتكتفي بتوفير بعض المكونات مثل المباني المجهزة بشكل مناسب والتهوية والإضاءة وتغفل عن الأدوات والمعدات اللازمة لضمان السلامة المهنية كما يجدر بها، مع التأكيد بشكل لا يقبل التشكيك على أن توفير مثل هذه البرامج تعمل على الربط العاطفي للموظفين بمؤسساتهم حتى بأوقات الطوارئ، وعليه نجد فروقات في اراء العاملين بشأن صيانتهم وكذلك تفاوت بكيفية نظرة المؤسسات للمورد البشري.
وكثيرا ما يغيب عن صناع القرار اثناء وضع الخطط مشاركة العاملين أنفسهم عدا عن ضرورة عقد الاجتماعات الدورية للتعريف بمخاطر العمل في ظل الأزمات والمخاطر وأسباب الإصابات او العدوى التي قد تحدث، وكذلك ضرورة تنظم سجلات للحوادث واصابات العمل، لتقييم إجراءات الأمن والحماية المتبعة وعليه عمل فحوصات بشكل دوري عدا عن توفير تأمين صحي شامل والاهتمام بالصحة النفسية للموظفين، مع الاتجاه لتحفيز الموظفين الملتزمين بإجراءات السلامة المهنية.
وبالإضافة لما تقدم؛ أرى أنه لطالما راهن المجتمع الفلسطيني بامتلاكه لأفضل الموارد البشرية المؤهلة والتي أثبتت كفاءتها في مواضع كثيرة وعلى مدار ما عصف بالاقتصاد الفلسطيني من صعاب وتحديات، وأقترح أن نجدد الرهان اليوم وغدا على قدراتها في احداث تغير إيجابي في عصر ما بعد أزمة كورونا والتعافي من خلال تطوير جهوزيتها للعبور من مرحلة احتضار اقتصادية وشيكة الى مرحلة حوار فعال وانطلاق مخطط من جانب الفرص التي تخلقها الأزمات لاستثمار أكثر كفاءة في المورد البشري بصفته الأصل الاستثماري الأكثر جدوى كما اقترح تسليحه بالمزيد من التدريب وفق مؤشرات العالم الجديد لما بعد الازمة كونه ضرورة قد يتغافل عنها الكثير وذلك لتمكينه من التصدي للأزمات المتسارعة بشكل فاعل، وأخيرا ضرورة استخدام المؤسسات لتقنيات المعلومات المحوكمة وأطر الأعمال المختلفة والأدوات التكنولوجية والرقمية وهو ما يمثل فرصة جديدة لإعادة بناء البيت الفلسطيني وفق منطلق اننا جميعا نسير في قارب واحد وله وجهة واحدة تحقق مصالح الجميع للوصول المستقر. فإذا ما انسلت جوهرة المورد البشري من العقد الاقتصادي الفلسطيني فإن باقي أصوله لا محال مفروط.
م. إسلام خضر بدوان - باحثة في التنمية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت