ما زال فيروس كورونا يحتل الصدارة بين المواضيع الاكثر تداولاً على منصات التواصل الاجتماعي في قطاع غزة المحاصر، حيث اجتاحت موجة عارمة من السخرية والاستهزاء بروح «الكوميديا السوداء» و«النكات الساخرة» تسفر عن الأحداث اليومية، يتداولها ناشطون ورواد على وسائل التواصل الاجتماعي حتى أسماها البعض «سخرية بنكهة الخوف»، فهل هذه السخرية ملائمة للتعاطي مع حدث بهذه الخطورة...؟
تفاوتت الآراء حول ذلك فيما أبدى البعض أنها الوجه الآخر للمقاومة الثقافية بين المجتمعات والتعبير الشعبي كونها سلاح الصامتين، فيما انتقد آخرون واعتبروها حالة من الاستهتار والاستخفاف واصفين الأمر بالخطورة البالغة وأنه لا يحتمل السخرية والاستهزاء.
الثمار المرة للحصار
بات طابع السخرية يمتزج بروح الدعابة والفكاهة كوسيلة تصارع الموت لدى الغزيين، معتبرين ما مروا به من ظروف صعبة وقاسية خلال الحصار الاسرائيلي المتواصل على القطاع منذ 14 عاماً مروراً بالحروب الاسرائيلية وموجات التصعيد كانت الاقسى والاعنف، لكن ما بين ليلة وضحاها انقلبت الموازين رأساً على عقب فجأة، وأصبح الحصار نعمة وموضع حسد من الجميع خاصة في ظل تفشي هذا الوباء اللعين في غالبية مدن ودول العالم، ومع ذلك لم يغيروا أهل القطاع من نمط سلوكياتهم وعاداتهم اليومية باتخاذ التدابير الوقائية والاحترازية.
وتداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي تدوينات وتغريدات ساخرة جاء في إحداها «الحروب والصواريخ ما قدرت علينا حيقدر علينا كورونا»، وفي تدوينة أخرى «تم إعفاء الشعب الفلسطيني من كورونا لأنه عنده فيروس خوزقونا وضيعونا وشردونا وباعونا».
فيما تداول مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي لطبيب كويتي يصف غزة بأنها أكثر مكان آمن في العالم لخلوها من «فايروس كورونا المستجد»، لتسود حالة من السخرية بسبب المفارقة التي أدت إلى سلامة القطاع المحاصر المكتظ بالسكان من الفيروس الفتاك في ظل معاناة دول عظمى.
الفكاهة في زمن الجائحة
الناشط محمد الشبطي الذي حجر برفقة عدد من المسافرين العائدين الي قطاع غزة، أصبح نجم الحجر الأول نظراً لأسلوبه الفكاهي والساخر في الحديث عن الحجر الصحي وفيروس كورونا قائلاً، إن «اتباع روح الدعابة والمرح هو سلوك دفاعي ندعم به أنفسنا لنخفف من وطأة القلق والتوتر والخوف من الوباء، كون الضحك والمرح هو في الأساس صوت اجتماعي يربط الناس معاً». وأكد أن ما يكتبه في «يوميات محجور» هي منشورات للترفيه ونوعاً من الطاقة الايجابية للدعم الذاتي من أجل تعزيز القدرة على مواجهة الأزمة واستعادة بعض السيطرة والتواصل، وهذا لا يعني بالضرورة استهتاراً أو لا مبالاة.
فيما ذكر الناشط الشبابي ماجد قديح، أن الفكاهة والنكات لا تقتصر على زمن الأوبئة بل تزدهر في جميع الظروف الاستثنائية التي تواجه الشعوب، حيث تشكل النكات الساخرة والمواقف الضاحكة سلاحاً لتُخفف ألام المواطنين، ووسيلة لمواجهة عجزهم، ولقاحاً نفسياً يزيد من مناعتهم. وشدد في حديثه على رفضه لـ«أسلوب الشماتة بمصائب العالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي مهما كانت دياناتهم أو مذاهبهم أو توجهاتهم، فهي وصمة عار يفقد الانسان فيها إنسانيته، وقد تشكل الفكاهة خطراً إن تحولت لسخرية تستهدف اعراقاً وثقافات محدودة».
الاستهتار واللامبالاة
ومن جهته، تحدث الصحفي هاني الشاعر، عن بداية تسلل فيروس كورونا لفلسطين وإطلاق وزارة الصحة التعليمات للمواطنين بضرورة العمل بتعليماتها لتفادي الإصابة بالفيروس الخطير، إلا أن المواطنين استقبلوا الفيروس بنوع من الاستهتار في قطاع غزة بإطلاق النكات والفيديوهات الساخرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا متجاهلين التعامل مع الأمر.
وأشار الشاعر إلى أن الفكاهة وسيلة دفاعية للتفريغ النفسي ولكن هذا لا يعني أبداً ان يصل الأمر بنا إلى حد الاستهتار والتراخي عن اتباع الشروط الصحية للوقاية أو الاستهزاء والاستخفاف بمشاعر الآخرين ، مستذكراً بضرورة الإلتزام بالتعليمات والمشاركة في الوعي المجتمعي، وعدم التورط في نقل الشائعات والأخبار المغلوطة والتعامل مع الأمر بمحمل الجد.
المنظور النفسي
وعقب الدكتور فضل عفانة استشاري الطب النفسي بالقول: إن «الفكاهة في الأزمات هي سمة رئيسية عند رواد مواقع التواصل الاجتماعي أملاً في تخفيف ضغوطاتها النفسية والعصبية باعتبارها مرآة تعكس واقع مجتمع غارق في الازمات والمشاكل».
وأكد عفانة أن الخوف من جراء انتشار وباء خطير مثل فيروس كورونا يؤدي إلى تدهور الحالة النفسية والعضوية ويضعف جهاز المناعة، فالمزاح والفكاهة لهم تأثير فسيولوجي هام وفعال في رفع طاقات ومعنويات الفرد، وأن الاشخاص الذين يتسمون بطابع فكاهي وإيجابي قد تكون لديهم استجابة مناعية مختلفة للفيروس.
وأوضح عفانة أنه يجب التمييز بين الفكاهة واللامبالاة، فالفكاهة في حد ذاتها هي وسيلة دفاع إيجابية تخفف القلق والضغط النفسي، ولكن إن صاحبها اللامبالاة والاستهانة فسنفقد قدرتنا على المواجهة بشكل كلي.ودعا عفانة إلى التحلي بالمسؤولية، وعدم نقل الأخبار المغلوطة والمزيفة بقصد أو بغير قصد، كونها تبث الرعب في نفوس المواطنين، فضلاً عن دورها في خلق أزمة ثقة بين المواطنين والجهات الرسمية
«كورونا» بكل مآسيها كانت مسرحاً مفتوحاً ضاحكاً ومستخفاً بكل شيء، فإذا رأيت الناس تُكثر الكلام المُضحك وقت الكوارث، فاعلم أن الفقر قد أطبق عليهم، وهم قوم بهم غفلة كمن يُساق الى الموت وهو مخمور.