اعتمدت الحركة الأسيرة، أواخر ثمانينات القرن الماضي، يوم 22نيسان/ابريل يوماً للأسير العربي. وذلك بالتوافق فيما بين الاسرى الفلسطينيين والعرب، وهو اليوم الذي اعتقل فيه الاسير العربي اللبناني سمير القنطار عام 1979، وكان حينها هو الأقدم من بين الأسرى العرب. ومنذ ذلك التاريخ والشعب الفلسطيني ومعه كثير من الأشقاء العرب والأحرار في عواصم عربية وأوروبية عديدة، يحيون هذه المناسبة سنوياً، تقديرا لهؤلاء الأشقاء الذين قضوا من العمر سنوات وعقود خلف القضبان، وبما يليق بهم وفاء لنضالات وتضحياتهم، ونصرة لمن لازالوا يقبعون في سجون الاحتلال.
وتحل ذكرى يوم "الأسير العربي" هذا العام في ظل استمرار وجود واحد وعشرين اسيرا عربيا، وجميعهم من الأردن، وأن ثمانية منهم يقضون أحكاما بالسجن المؤبد (مدى الحياة) لمرة واحدة أو لعدة مرات، وسبعة آخرين يقضون أحكاما تتراوح ما بين 10سنوات-36سنة، وثلاثة اسرى يقضون أحكاما تقل عن 10سنوات، بالإضافة إلى ثلاثة معتقلين آخرين ما زالوا موقوفين. فيما يوجد من بين الأسرى الأردنيين أحد عشر أسيرا منهم معتقلين منذ أكثر من 15 سنة، ويُعتبر الأسير عبد الله أبو جابر المعتقل منذ 28ديسمبر2000 والمحكوم لمدة 20 سنة هو أقدم الأسرى الأردنيين في سجون الاحتلال ويقبع حاليا في سجن النقب الصحراوي.
لم تكن القضية الفلسطينية يومٍ من الأيام، قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، بل كانت ومازالت هي قضية العرب في كل مكان، لذا شارك العرب ذكورا واناثا ومن مختلف الجنسيات العربية إخوانهم الفلسطينيين في مقاومة المحتل الإسرائيلي، ولأجلها ودفاعاً عنها قدّم العرب آلاف الشهداء والأسرى، إذ لم تخلُ دولة عربية من المشاركة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، فيما السجون الإسرائيلية كانت تضم دوما أسرى عرب ولم تخلُ يوما منهم، فكان هناك أسرى مصريون ولبنانيون وأردنيون وسوريون وعراقيون ومغربيون وسودانيون وجزائريون وتونسيون وسعوديون وليبيون وغيرهم. كما وأن قائمة شهداء الحركة الأسيرة لم تخلُ هي الأخرى من الأسرى العرب.
و لعل من فضائل السجن، أنه أتاح لنا فرصة الالتقاء بهم والتعرف على كثير من أولئك الأسرى من بلدان وجنسيات عربية مختلفة، ولولا السجن لما التقيناهم وتعرفنا عليهم، ولما نشأت فيما بيننا علاقات وصداقة نفخر بها ونعتز بوجودها كأسرى محررين وحركة أسيرة وشعب فلسطيني. وهؤلاء جميعا، ذكورا واناثا، يشكلون مفخرة للشعب الفلسطيني. فهم الذين سطروا بجانب إخوانهم الفلسطينيين أروع صفحات الوحدة والتلاحم والنضال العربي المشترك في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وهم من سطروا معهم صفحات مضيئة خلف القضبان. لذا ستبقى الذاكرة الفلسطينية تحفظ أسماءهم عن ظهر قلب. وكيف للذاكرة الفلسطينية أن تنساهم، وهم جزء من التاريخ الفلسطيني وجزء أصيل من تاريخ عريق سجلته الحركة الوطنية الأسيرة خلف قضبان سجون المحتل، وخطت حروفه بالألم والمعاناة ودماء الشهداء.
ان إدارة السجون لم تميز يوماً في تعاملها القاسي، وقمعها وبطشها بين أسير فلسطيني وآخر عربي. ولربما معاناتهم تفوق عن معاناة الأسرى الفلسطينيين بسبب حرمان الغالبية العظمى منهم من رؤية عائلاتهم طوال سنوات اعتقالهم الطويلة. الأمر الذي دفع أمهات فلسطينيات الى ابتداع ما يُعرف بـ "ظاهرة التبني" للتخفيف من معاناتهم وتقليل آثار الحرمان. جراء منع الزيارات.
ويُعتبر الشهيد "سمير القنطار" وهو لبناني الجنسية الأكثر قضاء للسنوات في السجون الإسرائيلية بشكل متواصل من بين الاسرى العرب على مدار التاريخ، حيث أمضى ما يزيد عن 29 سنة قبل أن يتحرر في صفقة التبادل عام 2008، ويستشهد في غارة اسرائيلية عام2015. فيما يُعتبر الأسير المحرر العربي السوري صدقي المقت، من هضبة الجولان السورية المحتلة، هو الأكثر قضاء للسنوات في سجون الاحتلال على فترتين، حيث أمضى ما مجموعه 32 سنة، قبل أن يتحرر من الاعتقال الثاني في يناير 2020.
اننا وفي هذه المناسبة العظيمة، لا يسعنا إلا أن نتوجه بخالص تحياتنا وجل احترامنا وتقديرنا لكافة الأسرى الأردنيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ولكل الأسرى المحررين من الأشقاء العرب، على اختلاف جنسياتهم واينما تواجدوا. فالتاريخ يحفظ أسماءهم، والشعب الفلسطيني لن ينسى وقفتهم ومشاركاتهم وسيبقى وفيا لهم ولتضحياتهم.
دمتم ودام الوفاء العربي للشعب الفلسطينية وقضيته العادلة
بقلم/عبد الناصر عوني فروانة
22-4-2020
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت