فواتير يرموكية : سوق الشوام في حيفا ... تاريخ متداخل ... ومتزاحم (1 من 2)

بقلم: علي بدوان

علي بدوان

thumbnail_من سوق الشوام فاتورة فلسطين


 

تميّزت مدن فلسطين العامرة قبل النكبة بأسواقها وحوانيتها، وبضجيج وصخب الحياة على امتداد شوارعها وحاراتها وأزقتها. وبالمظاهر الحضارية الشاهدة عليها كالمسارح ودور السينما، ونشاط العمل الاعلامي كالصحف والمطبوعات وغيرها. والآن، مر على مدينة حيفا نحو سبعين عاماً من الإحتلال، وما زال هواؤها، وبحرُها، وأرصفتُها، وشوارعُها، وحجارتُها، تتذكَّرُ الحجَّارين، والبنَّائين، والصَّيَّادين، والبحَّارة، وعمَّال المصانع، وسكك الحديد، والفلاحين، والمعلِّمين، والمثقَّفين وغيرهم من أبنائها الذي غادروها عام النكبة بفعل عمليات التطهير العرقي التي قامت بها قوات (الهاغاناه) بدعمٍ مباشر من قوات الانتداب البريطاني. كل هؤلاء تتذكَّرهم، وتذكُرهم، وتُذكِّرهم مدينة حيفا بأنَّ العودة أكيدة مهما طال الزمن.

مدينة حيفا، عروس البحر المتوسط، وفردوس فلسطين المغتصب، ضمت في ثناياها عدة أسواق رئيسية هي : سوق الأبيض، سوق الواد، سوق الهدار، سوق المركز، سوق شارع الملوك، وسوق الشوام : سوق الأبيض كان قائماً بالقرب من ساحة الحناطير أو (ساحة الخمره) (الخاصة بعربات الحناطير والتاكسي) والتي باتت تُسمى اليوم بساحة باريس، بعد أن تحوّلت مع السوق بعد تدميره بعيد النكبة الى محطة للمترو (ريكبيت) الصاعد الى الكرمل. سوق الأبيض اختص ببيع الجلديات والمكسرات، واللحم والخضار، والتحف والمنوعات والحلوى كالبقلاوة وغيرها، وحتى الحلاوة الحمصية المعروفة الآن في سوريا الحالية. سوق الواد، ويقع في وادي النسناس وهو السوق العربي الوحيد الذي مازال قائماً الى الآن، وفيه نجد كل شيء تقريباً. أما سوق الهدار فمعظم محلاته كانت لليهود من أبناء العرب أي من اليهود الفلسطينيين الذين عاشوا على أرض فلسطين دون تمييز ودون تفرقة. سوق المركز يقع في شارع اللنبي، ويضم بين جنباته محال بيع الأحذية، والعطورات، والصاغة الذهبية والفضيات، والاكسسوارات النسائية. أما سوق شارع الملوك، فقد كان ايضاً من الأسواق العامرة في مدينة حيفا، وفيه كل شيء تقريباً.

 لكن الأهم من كل تلك السواق كان سوق الشوام، الذي ربط مدينة حيفا بمدينة دمشق برابطٍ كان أكبر من رابط اقتصادي أو تجاري. فمدينة حيفا كانت على الدوم نقطة استقطاب لسكان دمشق وضواحيها كما كان الحال مع مدن طبريا والناصرة ويافا وسمخ وصفد.... وفي العودة لكتاب صدر عن المكتبة العمومية بدمشق عام 1946 وفيه نبذه عن حياة وعناوين واعمال رجالات البلد، نجد أن عدد كبيراً من رجالات سوريا كانوا من سكان مدينة حيفا، فالواحد منهم كان يملك عنوان في سوريا الى جانب عنوانه في حيفا أو عنوان عمله ومحله التجاري في حيفا أو باقي المدن الفلسطينية. منهم على سبيل المثال مدونة الرئيس الراحل شكري القوتلي وعنوانه الدمشقي والحيفاوي، ومدونة معامل (أصفر وخطيب) للبلاط والموزاييك والرخام والحجر وعنوانها بدمشق وحيفا ... الخ

سوق الشوام في حيفا يلخص الحال الطبيعية التي تقول بأن حيفا ودمشق شقيقتان وتوأمان من جسدٍ واحدٍ. كان هذا السوق واقعاً قرب حارة الكنائس، وبالقرب من ساحة الجرينة، مقابل الجامع الكبير (جامع الاستقلال الذي كان يخطب فيه الشهيد عز الدين القسام) في قلب مدينة حيفا، وقد غلب عليه حضور ووجود التجار الدمشقيين من أبناء مدينة دمشق، الذين امتدت محالهم التجارية داخل السوق، فيما اختص السوق ببيع المنسوجات والأقمشة المختلفة والقطنيات والمناشف والبرانص والملابس الداخلية، اضافة للأحذية وغالبيتها من صناعة دمشقية. ومن بين تلك المحلات كانت محلات تعود للعائلات المدشقية التالية (ملط، ملص، تابري، حجار، حجازي، نارتو، الملقي، حوتري، حوارنة، فواز، كشورة، السروجي، الكناني، أصفر، الزعيم، الخطيب، مظفر الحموي، المهايني، دوماني، آغا، عنبري، العسلي، النجار، أبو نعيم العسل ...) ومن المحال التجارية الشهيرة في سوق الشوام كان محل أبو معروف الشامي صاحب حانوت (العشرة بقرش) الشهير في حينها. وفي سوق الشوام كنت تجد كل شيء تقريباً، حيث كنتَ تجد فيه من (المرَق حتَّى الورَق والعَلَق)، ومن (الحامض إلى الحلو)، ومن (الإبرة حتَّى الوِزرة).

المواطنة الفلسطينية جميلة دهشان، الموجودة الى الآن في مدينة حيفا تستحضر عبر ذاكرتها الحية سوق الشوام في حيفا قبل النكبة، فتقول : وسوق الشوام عالدوام بافخر القماش مليان، واحسن جهاز للعرايس، وبدلات جوخ للعرسان، واحذيه اخر موديل، وجميع انواع الاكسسوار. ومحل (الصايغ قطوف) فيه طلبات العروس. ومحل الصايغ (العجمي) معامله حسنه ومشهور.

سوق ا(الصورة، فاتورة رسمية شراء من محل عبد الرؤوف أبو شمط، سوق الشوام، والخاص بتجارة الواني المنزلية الزجاجية والمعدنية، والمؤرخة 13/8/1947. والشاري هو المواطن الفلسطيني محمد يوسف عيسى الذي لجأ بعد النكبة الى دمشق، وقد  حمل مجموعات فواتير الشراء التي سددها في فلسطين قبل اللجوء)

بقلم علي بدوان

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت