ما بعد الصدمة هل تكون الصحوة ؟

بقلم: طلال الشريف

د. طلال الشريف

 العامان الأخيران  كانا حاسمين في الإكتشاف.
 كنت دائما على قناعة بأن أجمل ما في حياتنا كبشر هي عملية الإكتشاف المتواصلة، وهي عملية معرفة ما لا تعرف مسبقا، أو، تأكيداً لما كنت غير متأكد منه.
 في العامين الأخيرين كنا نكتشف، أو، نتأكد من السر الأكبر، والمصيبة الأعوص في حياتنا، نكتشف أننا نطارد سرابا يُقَدَمُ لنا في كل مرحلة دون وعي، يغلب عليه العصبوية والجهل والخداع، وفكراً دون المناسب لموازاة قضية أرض وشعب ومستقبل، حتى وصلنا، أو، أوصلونا لحالة هلامية، ونجحوا في جعل قضيتنا بلا قضية، ومفهومنا بلا مفهوم، وبتنا دٌمَاً مُحَرَكَة بلا روح، كأننا شعباً سراباً يطارد أرضاً سراباً، ترسمه لنا عقول خفية بدقة وإتقان، وتنتج لنا أيضا الأدوات المناسبة.  
كنا نشك دائما في السراب الذي لف حياتنا، وحياة جماعة الناس التي تضمنا، حيث كنا موجة من أجيال عاشت هذا السراب بكل تفانٍ، تَنقُلنا أيدٍ خفيةٍ من مرحلة لأخرىُ باعثة فينا طاقة عمل جزئية مقننة وموجهة من بعيد، وواضعة أفقاً مُحَدداُ لهدف مرحلي جديد، من مراحل مشروع السراب العتيد، وجدولة عمل لكل فترة زمنية محددة مسبقا، أو، ما يعرفه مثقفوا وسياسيوا مرحلة من أسوأ مراحل السراب، وهو التايم تيبل، أو الجدول الزمني الذي حُدِدَ لنا بدقة، إنهم يتحكمون في مسار أحداث قضيتنا وينقلونا من مرحلة لإخرى،  يبنونها حسب دراساتهم المستمرة، ونحن لا نراجع مسيرتنا، ولا نستخلص عبرا، ولا نفرض إرادتنا، إلا شذرا نتصور بأننا نقود شعبنا، وفي الواقع نحن في كل مرحلة نكتشف بأننا نفقد أوراق قوتنا، حتى أصبحت قضيتنا ليست ملكنا نحركها كما نريد، بل تحركها إسرائيل وقوى الصهيونية المساندة بالتخطيط والضغط والتنفيذ وبتنا في موقف دفاع باهت غير مجد لتحقيق أهدافنا، تلفنا الخلافات والمنافسة على سلطة وهمية تآكلت على الأيام، ونحن واقفون في هذه المرحلة المنحطة على أطلال الزمن، لا ندري ماذا يجري ؟ وكيف وماذا نفعل؟ وإن درينا، فإرادتنا مصادرة طلبا لحيثيات ومتطلبات الحياة التي تحكموا فيها، أو أننا لا نملك ما يعيد لنا قوتنا وإرادتنا اللازمتين لإنقاذ أرضنا وشعبنا، فنحن متفرقون ولذلك هم  يتحكمون في مسيرتنا الوطنية والإجتماعية والإقتصادية، وهذا هو الخنوع أو بوادر الهزيمة الكبرى التي تنتظر قصيتنا.
صرعنا ما اكتشفنا، أو، ما تأكدنا منه، بأننا في مرحلة نقلنا للحقيقة المرة، وإنتهاء مراحل السراب، من تشطيب وضياع كل شيء، وسط ما نرفعه أو يرفعه البعض من شعارات  بأننا قادمون، وأننا نملك القدرة على قلب كل شيء، ولكن الحقيقة أن كل شيء ضاع، ومازلنا متصارعين.
 المرعب في هذه النقلة الأخيرة أن اللعب فيها عالمكشوف غير المسبوق، والمفضي على ما يبدو لحدوث الصدمة، وبالتالي، هل تحدث الصحوة؟، وإنتهاء رحلتنا مع فيلم السراب الذي أخذ إنتاجه وقتاً طويلاً، صفقنا فيه لأبطال عديدة في كل مرحلة كانت من كرتون ردئ.
 اللعب عالمكشوف كشف المكشوف، ولم يكشف ما ليس مكشوفا، فأصبح المكشوف مؤكدا، وما ليس مكشوفاً لا داعي للإستعجال لكشفه،  فالمحتلون خبراء في كشف المستور بطريقة إستخدامية. ولا شيء لديهم دون ثمن، فهم أصحاب المال والبزنس منذ البدء، وقد يبيعونك الشيء نفسه مرات ومرات، فلا نامت أعين المحتلين ما أشوسهم وقاحةً، وعلماً للجذور، وصناعةً للأبطال في هوليوود، وتحريكها بريموت الغباء الكامن فينا، ونحن جماعة الناس، نحن مازلنا في عصر هُبَل نصنعه كإلهٍ ثم نأكله عجوةً.
 في قصة صبرنا فصول نحن في نهاية النهايات وهذه صورتنا بالأسود والأسود :
 يظهر في الصورة جزء كبير من جماعة الناس التي تضمنا، قد أعياهها الصبر الطويل، والغباء الطويل،  وفقدت متعة متابعة الحياة أو مطاردة السراب، فتحولت لكائنات تعيش في زمان قديم، قِدَم يوم إكتشاف جماعات البشر للكلأ ومنبع الماء، دون أدنى معرفة لما حولها، ولو لأمتار قليلة، ولو نقلتهم  لكوخ أو لخيمة، أو لكهف، فلا مانع لديهمُ،  فقد أُغلِق على عقولهم، فغدت تلك العقول بدائية، تُوَجَهُ حسب الريح، لا يُحركها ساكن، ولا يَُسَكِنها مُتََحرِك، واكتفى هذا الجزء من جماعة الناس بذلك، ولا همهم إن كان معهم كلبهم،  أم،  لا، فلا شيء يحتاج في حياتهم للحراسة، فليس لديهم حلالا، أو، طيورا.
 ويظهر في الصورة جزء ثان لا يستهان به من جماعة الناس التي تضمنا، قد جمعت من حشيش الدولار ما يسكرها، ويغيبها عن متابعة السراب، وكلما إنتهى مفعول المسكر، تعاطت منوما صينيا مغشوشا، وإن لم تجده، توفره لها الأيدي الناعمة المتحكمة في توجيه السراب والسوط اللاذع، ولا حراك ثوريٍ باقٍ في ضميرهم، رغم ما جمعوه من معرفة، وعلم، وفلسفة، ولم يعودوا يتذكروا أنهم من عولت عليهم جماعة الناس للصحو في الزمن الأغبر، لمطاردة السراب، فآثروا السلامة، والنوم في العسل المسموم، والسلامة غنيمة، ومن ينقطهم بالسكوت، ينقطونه ببعض الماء من السنتات الخبيثة، وحُبِسوا خلف قضبان الموزع كي لا يغضب فيمنع، سُلِبوا من كل ما يميز الثائر على الظلم لجماعة الناس، فكانوا قطيعا أغبراً آخراً أسوأ من القطيع الأول، لأنهم تحلوا بلبس العصر، ولوق اللسان، والدفع الرباعي، وحسابات البنوك من دم شعبهم ، وأحقرهم من لم يُدِر شؤونه المالية بحكمة، فأصبح أكثر حاجة لموزعي ماء السنتات الخبيث، فهؤلاء  مثل عمال المياومة، إن لم ينفذوا العمل المطلوب والأجندة السرطانية، فسوف يموتون جوعاً، ومن قلة عدد سجائر الهم  التي تحصيها عليهم زوجاتهم، اللآتي خُذِلن أو خُدِعن بهيئة النشامى وسرقاتهم في البدء، كشخصيات مفتاحية مهمة في جماعة الناس، وما دَرَيّنَ كيف يتحول الرجال إلى عبيد بفعل الدولار وقوس العمالة للشيطان، وبالتالي فقدت جماعة الناس التي تضمنا جزءاً آخراً، إذا ما أضيف هذا الجزء لقطيع الكلأ والماء الأول، ليصبحوا غالبية في جماعة الناس، بلا حراكٍ ثوريٍ ولم تعد تتذكر هذه الغالبية لجماعة الناس الفرق بين تحررهم وعبوديتهم وبجاحتهم إلا بحجم المال المدفوع أو المسروق.
 الجزء الثالث في الصورة  هم لاعبو السيرك الوطني، والثلاث عبقريات، البيضة، والحجر، وكاتم صوت الحريات،  وهؤلاء قد عرفوا من أين تؤكل عظام الكتف، حيث لا لحم تبقى على تلك الإكتاف المتعبة لجماعة الناس،  فقد تآكل اللحم في جماعة الناس من طول مراحل العقاب والإنهاك والحصار والصراع  وملاحقة السراب، وهؤلاء الجزء الثالث هم أصحاب الثلاث وطنيات ، حرية، عدالة، ديمقراطية،  يسرحون ويمرحون يمنعون ويجودون ويقطعون فروعا تزهر في الطريق بلا هوادة، فالطريق حسب مصالحهم الضيقة يحتاج القسوة، هكذا تعلموا في مدارسهم، أو، متياسهم الحزبية، فالشعوب وجماعات الناس في منظورهم المريض، لا تُحكم بالحنية، والعطف، وتحمل مسؤولية أفعالهم المزرية، بل إن الرعية تحكم بالعنف، وكل ما يخطر، ولا، يخطر على بال، في جلب الوبال لمن يرفع رأسه متحديا أو متمردا على سلطانهم المتهالك أمام بطش قوة المتآمرين على قضيتنا،  والحكم بالحديد والنار وإخضاع الشعوب هي خاصية قديمة أُلِفَت عليها موسوعات في كيفية ساسة الملطمين. قبل وبعد مكيافيلي وأفكار الأمير في حكم الشعوب، وهي لا تحتاج نقاشا، فبالعنف يساس الناس، حتى قيل إن القبضة الحديدية تهزم المتظاهرين والمتمردين والمقهورين.
 والجزء الرابع في الصورة هي تلك الغصون النضرة صانعة الأمل، التي تتمرد على الطريق، وتتمدد أغصانها، فتعيق طريق البياطرة والصعاليك، فتنزعج كعوب لاعبي السيرك، وعجولهم الذهبية المقدسة، ولابد من الخلاص من هذه الغصون أول بأول، فإن لم تُخلى من الطريق بدفعها جانبا، أو منع الماء عنها، فلابد من قطعها بآلة حادة.
 اللعب عالمكشوف الآن بعد أن نام الجميع في العسل والجهل والإستكانة المرعب لا يرعب اللاعبين السكرانين، بل هم في قمة غيهم، يتبادلون إرعاب الغصون ، غصون تتفتح لتصارع الحياة تحت تهديد القطع والنفي وحجز الزنازين، لكن يا إخوة يا كرام، السراب أصبح منتهيا، وجماعة الناس التي تضمنا بمجملها، أصبحت عارية أمام الحقيقة، فكيف تستر عورتها؟ ولن يفيد قطع الأغصان وحبس الزنازين لمواجهة الغد المحزون، فالوقت من أرواح، ولن يطول الوقت ليدرك اللاعبون أنهم شوهوا وجه التاريخ، والحسابة بتحسب وحاسب يا تاريخ.
هي الحياة ينتهي جزء من الصراع، ويظهر آخر، والبقاء غداً ودائما للأفضل، وليس للأقوى، فالأقوى له أقوى، وغداً ليس بالمطلق للعجول المقدسة، ولا للأراجوزات المتفهلوين التافهين ، فغصون الحرية ما انفكت تتسارع ولا تتوقف عن التنبيز والبرعمة لحياة جديدة بعد أن قتلوا كل أحلام شعبنا، والنصر والخلاص من كل الطغاة والمحتلين سيكون حليف شعبنا، كما كل شعوب الأرض التي رفضت الذل والإحتلال والتبعية وصلف وتجبر الحاكمين والمحتلين.

د. طلال الشريف

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت