النافذة الأولى: أين اختفت اللجنة التنفيذية؟
■ صدور بيان عن «اجتماع» عقدته اللجنة التنفيذية في م.ت.ف، يوم الثلاثاء الماضي (21/4/2020) لا يسقط هذه السؤال.
غابت اللجنة التنفيذية عن الوجود حتى قبل الإعلان عن إجراءات مكافحة كورونا. ولم يعد أحد يسمع لها صوتاً، لا من قريب، أو من بعيد.
تعقدت الحياة السياسية الإسرائيلية وبقيت التنفيذية غائبة.
أعلنت حالة الطوارئ، وتخوف كثيرون أن تنزلق من طوارئ صحية واقتصادية إلى طوارئ أمنية تطال الحياة السياسية بسهامه السامة. وبقيت «التنفيذية» غائبة.
انتشر الوباء في صفوف الفلسطينيين، في الضفة، وفي قطاع غزة، وامتد إلى مدينة القدس، وأحبائها وبلداتها العربية المجاورة، «والتنفيذية» هي الغائب الأكبر.
طرح كورونا على بساط البحث العديد من القضايا الكبرى، خاصة الاقتصادية منها. العمال والمياومون، والباعة المتجولون، وسائقو السيارات، وغيرهم من أصحاب الدخل اليومي غير الثابت، تعطلت أعمالهم، وانسدت أمامهم أبواب الرزق وباتوا بحاجة إلى مساعدات دورية (وليس لمرة واحدة فقط) وصاروا «قضية» تتطلب علاجاً مديداً، في ظل تقديرات أن كورونا لن يغادرنا، ربما إلا مع نهاية العام الحالي. أي أننا انتقلنا إلى صيغة جديدة للحياة اليومية، باتت فيها السلطة السياسية، أي اللجنة التنفيذية، ومعها حكومة السلطة الفلسطينية، هي المعني الأول والرئيسي في تنظيم حياة البشر.
ولا يقتصر الأمر على المناطق المحتلة، بل ويطال كذلك مخيمات الشتات وتجمعات الشعب الفلسطيني في كل مكان. هناك جاليات وقعت فريسة للوباء. وهناك آلاف المسافرين عالقون في المطارات أو في الخارج، بلا معيل وبلا سند. المخيمات تعطلت فيها الحياة اليومية، وانسدت مصادر رزق سكانها، وباتت عرضة لتسلل الوباء إليها. وتليت آلاف الصلوات وأطلقت آلاف الدعوات ألا يصيب المخيمات هذه الوباء، لما سيحصد من أرواح بريئة، خاصة في ظل عجز وكالة الغوث عن حمل الأعباء وحدها، كما هو الحال في لبنان، حيث تتحلل الحكومة اللبنانية من مسؤولياتها نحو اللاجئين، ولا تقدم لهم أياً من المساعدات المطلوبة، لا صحياً، ولا غذائياً، في ظل الأزمة الطاحنة. وحتى في سوريا، ورغم ما قدمته وكالة الغوث، بالاشتراك مع الهيئة العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين العرب، من خدمات، إلا أن الدولة السورية، كما هو معروف، لا تستطيع أن تفي بكل الحاجات، فضلاً عن ذلك، فإن هذا لا يبرر غياب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولا يبرر غياب دائرة شؤون اللاجئين عن تحمل مسؤولياتها.
قد يقول قائل إن حكومة السلطة هي المعنية بإدارة الأزمة. هذا القول لا يعفي اللجنة التنفيذية اطلاقاً من واجباتها.
كان على التنفيذية، هي، قبل حكومة السلطة، أن تتقدم الصفوف، وكان عليها، هي، أن تعطي الحكومة توجيهاته، فضلاً عن ذلك فإن مسؤوليات السلطة محدودة بحدود ولايتها الجغرافية، بالتالي هناك ملايين الفلسطينيين، خارج نطاق هذه الولاية الجغرافية، ينظرون إلى اللجنة التنفيذية، باعتبارها هي القيادة السياسية الفلسطينية العليا. الأمر الذي يطرح السؤال التالي:
ما الذي يبرر الاعتراف باللجنة التنفيذية قيادة لشعبها، سوى أن تكون على مستوى المسؤولية. إن القائد، الذي يتراجع في المعارك عن موقعه القيادي، إنما يترك المجال لغيره ليملأه. ونعتقد أن اللجنة التنفيذية غادرت، في ذروة الأزمة، موقعها القيادي، وتركت الباب مشرعاً، تلعب به رياح التشكيك بالتمثيل السياسي الفلسطيني.
ولدينا في هذا الميدان مثال راهن:
عندما انفجرت أزمة كورونا، جال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، على عدد من عواصم العالم التي تربط بينها وبين حماس علاقات مميزة. حمل هنية على عاتقه الطلب إلى هذه الدول تقديم المساعدات إلى الشعب الفلسطيني في مكافحة كورونا، مكافحة الاحتلال، ومقاومة الحصار.
إسماعيل هنية، جال بصفته الحركية. ولم يقدم نفسه بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكنه تكلم باسم الشعب الفلسطيني، وبدا هو المبادر للحركة، بينما تغط اللجنة التنفيذية (ومعها اللجنة المركزية لفتح_ قيادة الحزب الحاكم) في سبات «ربيعي».
لكن الحساسية العالية (والعالية جداً) التي تتحكم بالعلاقات بين حماس وفتح، دفعت الناطقين باسم فتح للتشويش على جولة هنية، والتأكيد أنه لا يمثل المرجعية الفلسطينية، وأن القيادة الفلسطينية الرسمية (أي الرئيس محمود عباس) هو المرجعية.
طبعاً لا خلاف مع ما جاء في تصريحات فتح، حول من يمثل المرجعية الفلسطينية، لكن الخلاف هنا أن تنبري فتح لانتقاد جولة هنية، دون أن تشير، لا من قريب، أو من بعيد، إلى غياب اللجنة التنفيذية عن أداء دورها.■
النافذة الثانية: هل حقاً اجتمعت اللجنة التنفيذية؟
■ البيان الصادر عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في 21/4/2020. وكما قلنا، جاء متأخراً كثيراً ليس هذا وحسب.
بل السؤال: هل حقاً اجتمعت اللجنة التنفيذية؟ أم أن البيان جاء لذر الرماد في العيون، خاصة بعد أن أيقظ الاتفاق الثنائي غانتس-نتنياهو، الحالة السياسية الفلسطينية من سباتها.
من يطالع البيان ويدقق به، سيلاحظ أنه يصدر عن جهة تكتفي بالمراقبة والتعليق على الأحداث. فهي تثني، وتؤكد، وتؤيد، وتستنكر، وتدعو، إلى آخر ما هنالك من تعابير ترد بشكل يومي في البيانات السياسية للفصائل الفلسطينية.
الفصائل الفلسطينية لا تملك سلطة القرار السياسي. من حقها أن تعطي رأيها، وأن تمارس دورها في الميدان في أطر الحركة الشعبية. لكن القرار يبقى لدى أصحاب السلطة، أي لدى اللجنة التنفيذية، ولدى حكومة السلطة الفلسطينية. فهل أعفت اللجنة التنفيذية نفسها من واجباتها لتكتفي بعقد اجتماع (هل عقد حقاً)؟ تكتفي فيه بالإعلان عن رأيها بالأحداث، دون أي قرار فاعل أو عملي في سباق «قيادتها» للشأن السياسي العام.
البيان الصادر عن «اجتماع» اللجنة التنفيذية، يستطيع أي كاتب بيانات، أن يصوغه، وأن يكتب عشرات البيانات، على مثاله، وأن يدعي أن التنفيذية قد اجتمعت، وأنها أصدرته في ختام اجتماعها.
لقد اعتدنا، قبل كل اجتماع، أن يبشرنا بعض أعضاء اللجنة التنفيذية، بأن اللجنة سوف تعقد اجتماعاً هاماً (دائماً اجتماعاتها، هامة)، وأنها سوف تتخذ قرارات تتناسب ومستوى الحدث. وننتظر، فتكون النتيجة اجتماعاً كان تشاورياً، غاب عنه عدد من أعضائها (كتيسير خالد، وعزام الأحمد، الذي افتقدنا حضوره منذ فترة طويلة)، ثم يصدر عن الاجتماع بيان هزيل لا يحمل أي جديد، كما هو حال البيان الأخير (21/4/2020) الذي توقف أمام كل القضايا (هكذا يقول البيان) لكنه لم يتخذ قراراً واحداً.
الأمر الذي يدعونا للسؤال: أين أصبحت صلاحية اتخاذ القرار؟ هل لدى اللجنة التنفيذية، أم لدى جهة أخرى؟
وما هو تعريف الدور القيادي للجنة التنفيذية. هل هي قيادة ترسم سياسات وتتخذ قرارات، أم هي مجرد هيئة تشاورية؟
وما هو الهدف من عقد الاجتماع؟ تأكيد الحضور، أم متابعة سياسات عملية ذات ارتباط مباشر بالقضية الوطنية، وبواقع الشعب الفلسطيني في انتشاره الواسع؟
طبعاً. لن ننتظر إلى أن يأتينا الرد على أسئلتنا، فالرد لن يأتي، لذلك نهمس في إذن التنفيذية قائلين:
أولاً: نحن لم نصدق أن الاجتماع قد انعقد حقاً.
ثانياً: الأهم من الاجتماع هو ما يصدر عنه من قرارات فما هي قيمة اجتماع يعجز عن اتخاذ قرار واحد، في وضع تتلاحم فيه الأزمات السياسية مع الصحية والاقتصادية مع الاجتماعية؟■
النافذة الثالثة: الانقسام... إلى متى؟
■ كثيرون ممن استبدت بهم العاطفة، توقعوا أن يكون لكورونا، «إيجابياته» على الحالة الفلسطينية، بحيث تتفاعل المشاعر الوطنية بين الضفة والقطاع، وتبدأ الاتصالات بين الطرفين للاتفاق عل خطط مواجهة الوباء، تشكل تمهيداً لعودة تدريجية إلى توحيد المؤسسات تحت إدارة السلطة الفلسطينية، بما يخفف العبء عن كاهل الفلسطينيين، تتلوه خطوات عملية نحو إنهاء الانقسام، وفتح صفحة جديدة في الحالة الوطنية، تمهد لمرحلة تنطلق فيها العملية النضالية نحو آفاق جديدة.
لكن، للأسف، اصطدمنا منذ اللحظة الأولى بأن شيئاً لم يتغير. فقد أعلنت حالة الطوارئ في الضفة، واتخذت إجراءات ميدانية لها علاقة بمنع التجمعات، كالمدارس والجامعات. رفضت سلطة الأمر الواقع في غزة الأخذ بها فوراً، وعطلتها لأيام، ثم اتخذت بها قراراً. وواضح أن الهدف من هذا كان التأكيد أن مرجعية القرار في القطاع، هي سلطة الأمر الواقع، وليست حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله.
خطط الحماية من كورونا، في الضفة أشرفت عليها ونفذتها حكومة اشتيه. بينما في القطاع، برز يحيى السنوار في موقع رئيس الحكومة، فقد تولى شخصياً الإشراف الميداني على إجراءات الوقاية، بما في ذلك التدقيق في أوضاع أماكن الحجر الصحي في معبر رفح.
قطاع غزة يعاني من نقص حاد في المادة الضرورية لمكافحة الوباء، بالمقابل تحوّل سلطة الاحتلال هذا الأمر إلى قضية تفاوضية، تجعل من القطاع رهينة بيدها، مقابل معلومات عن أسراها لدى حماس. في الوقت نفسه، تقف السلطة الفلسطينية في رام الله على الحياد وكأن ولايتها الإدارية والسياسية تقف عند حدود الضفة، في تنازل طوعي عن موقعها القيادي: وفي خطوة لم تلق الارتياح أبداً لدى الفلسطينيين.
كورونا وضعنا أمام الواقع الصارم حول الشعب الفلسطيني إلى تجمعات سكانية لا تتوحد، لا تحت سلطة فلسطينية ولا تحت قيادة م.ت.ف.
وزارة الصحة الفلسطينية، على سبيل المثال، تعلن في بيان لها أنها أرسلت كميات من اللوازم الطبية إلى قطاع غزة. لكننا لم نسمع مرة واحدة أنها أرسلت مثلاً اللوازم إلى نابلس. وكأنها في إعلانها عن القطاع توحي لنا أنها أرسلت الدعم إلى شعب شقيق، أو لتنفي مسبقاً عن نفسها تهمة إهمال القطاع وعدم مساواته بباقي مناطق السلطة في الضفة الفلسطينية.
ويبدو أن الأمور مع الانقسام تأخذ دوماً الاتجاه المعاكس لما هو مطلوب منها. وما جرى مؤخراً مثال فاقع.
رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، يدلي بحديث سياسي مطول، يتناول فيه بالشرح مواقف الحركة وفي السياق قضية الانقسام، مجدداً دعوة حماس إلى فتح للتلاقي والعمل على إنهاء هذه الحالة الشاذة.
يأتيه الرد من فتح على لسان عضو لجنتها المركزية روحي فتوح، يؤكد صدق نوايا فتح في إنهاء الانقسام، ثم يحمل حماس مسؤولية إدامة الوضع على حاله وتعطيل تطبيق ما يتم الاتفاق عليه.
بالطبع ينبري الناطق باسم حماس للرد على تصريحات فتوح، ما أدخلنا في دوامة الاتهامات والاتهامات المضادة، وتراشق المسؤولية حول التعطيل، في ظل حالة فلسطينية، مأزومة صحياً، وسياسياً واقتصادياً. ما أكد في السياق، أن ما يجري على الأرض من تطورات لم يعكس نفسه، ولم يؤثر في مواقف الطرفين.
المثال الثاني: قضية تبادل الأسرى.
حماس تخوض مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل للوصول إلى صفقة تبادل للأسرى. أمر ترك في نفوس الأسرى وعوائلهم أملاً بإمكانية إطلاق سراح أعداد منهم.
تحول الأمر إلى نزاع بين حماس، وبين رام الله التي نفت أن تكون حماس قد أعلمتها، أو تعلمها بمجريات التفاوض، أو استشارتها بلائحة الأسرى المقدمة للجانب الإسرائيلي لإطلاق سراحهم.
طبعاً لوحة فلسطينية توفر للآخرين الفرصة لتقديم الفلسطينيين، مرة أخرى، أنهم غير جديرين بأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم.
وهو ما يدعونا للسؤال مرة أخرى: الانقسام إلى متى؟■
إياد محمد عبدالحميد مسعود
صحفي في أسرة «الحرية»
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت