حوكمة القطاع الخاص الفلسطيني كطوق نجاة في ظل الأزمات الاقتصادية المعاصرة 2020

بقلم: إسلام خضر بدوان

إسلام خضر بدوان

طالما أن ولادة الحوكمة في القطاع الخاص كانت نتيجة للأزمات المتكررة التي أصابت اقتصاديات عالمية عديدة والتي قد أتت أكلها فيما بعد، بحيث ان الدول التي تطبق الحوكمة الرشيدة في القطاع الخاص تحقق نجاحات كبيرة في النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل؛ فلما لا يكون الانهيار الاقتصادي الذي تسببته أزمة كورونا العالمية وأثرها الذي لامس جميع قطاعات الدولة، هو نقطة البداية للجوء إلى تطبيق حوكمة القطاع الخاص الفلسطيني كطوق نجاة للحد من الأثار التي ألقتها هذه الأزمة والنهوض بالاقتصاد الفلسطيني.

تتسم الأغلبية الساحقة من شركات القطاع الخاص الفلسطيني بأنها صغيرة او متوسطة الحجم
، وفضلا عن القيود والضوابط التي يفرضها الاحتلال على هذا القطاع بشكل خاص من معيقات جمَّ فما فتىء تفريغ وتجويف القطاعات الإنتاجية  والاقتصادية مستمرا، عدا عن أن الاقتصاد الفلسطيني يعتمد بشكل كبير على الأسواق الخارجية التي لم يسلم اقتصادها كسائر الدول من اثار الأزمة، وكونه قطاع  يعاني من التدهور آنفاً، وبات واهن أكثر فأكثر وبالكاد قادر على تلبية احتياجاته منذ سنوات عديدة، في هذا السياق ليس من المفاجئ ان يضرب انعدام الاستقرار في المقام الأول الاقتصاد الفلسطيني مع استمرار تدهور النمو الاقتصادي، فطاقات القطاع الخاص مازالت منخفضة في ظل الضوابط الحالية المفروضة على بيئة الاستثمار ككل واذا استمرت الاتجاهات الحالية يُحتمل ان يقع أكثرية عدد الأشخاص النشطين اقتصاديا؛ كل ذلك يدعو لضرورة التحول الى حوكمة القطاع الخاص لتطوير أداءه والنهوض به، في ظل تزايد الاعتماد عليه في تحريك عجلة تنمية الاقتصاد.

منذ ما يزيد عن عقدين وقد أصبح مصطلح الحوكمة تجسيدا للمقاربة الادارية الأكثر نجاحا في معالجة مشكلات المؤسسات، وتقوم الحوكمة على تطبيق المبادئ التي تشكل الضمان لتطوير أداء المؤسسات بمختلف مجالات عملها ومنع وقوع ما لا يُحمد عقباه من تجاوزات وفساد يتسبب في أزمات خانقة، وأصبحت مبادئ الشفافية والمشاركة والمسائلة والفاعلية والكفاءة الضوابط الأساسية التي تمثل جوهر الحكم الرشيد، فالحوكمة الجيدة بمثابة نشـاط رفيع المستوى يساند النشـاط التنفيذي والإداري وليس بمعزل عنه، وتهدف الحوكمة في القطاع الخاص الى تحسين الأداء الاقتصادي، وزيادة الانتاجية، وتوفير الاطمئنان لدى الملاك والمستثمرين وحملة الأسهم، وتحقيق عائد مناسب لاستثماراتهم مع ضمان الحفاظ على حقوقهم إذ يستوجب الإفصاح عن المعلومات بكل شفافية إلى كافة الأطراف ذات العلاقة بها، ويتحقق ذلك من خلال التنسيق بين مختلف أدوات الرقابة سواء كانت مالية أو إدارية وتفعيل الآليات الداخلية والخارجية التي تعمل على تحقيق أهداف المؤسسة، وتحسين أدائها وترشيد اتخاذ القرارات فيها، بما يمنع ان تفقد حصتها السوقية لمصلحة المنافسين، أو احتمال خروجها من نطاق التنافس.

وقد أصبح الإيمان بأهمية حوكمة القطاع الخاص من المسلمات في هذا العصر، كأداة تساعد على حل مشكلات الأسواق المالية ومعالجة الانهيارات التي مُنيت بها والمحافظة على مصالح الأطراف المتعددة وتحقيق العدالة في ذلك، كما وتعد من العوامل المهمة والحساسة لإنجاح هذه المؤسسات، اذ يمكن لها تحسين الكفاءة والفاعلية وتخفيض التكاليف، لذا فإن تطبيق مبادئ الحوكمة في القطاع الخاص هي إحدى أهم أدوات معالجة أوضاع الشركات الاقتصادية والتنظيمية والقانونية، من أجل إصلاح وضع الشركات وتلبية لحقوق أصحاب المصالح بجميع فئاتهم، وبالتالي تحقيق المكاسب المستقبلية على النطاق البسيط للشركات والنطاق الواسع للاقتصاد الوطني وتنمية وجذب الاستثمارات.

فالوضع الراهن في شكله الحاضر لا يضمن الاستقرار الاقتصادي، فواقع الحال انه قد لا يفضي الا الى مزيد من التدهور. فالحقيقة أن العالم سيكون ضمن تسارع أكبر بكثير مما كان عليه قبل هذه الأزمة مما يتطلب التحوَل والانتقال السريع نحو الشكل الاقتصادي الجديد للدول، وربما يكون هناك المزيد من الأزمات الاقتصادية التي نحتاج لإدارتها غدا، عدا عن جانب الالتزامات التنظيمية والقانونية المعقدة والضغط المتزايد والمستمر إلى بذل المزيد من الجهد للبحث في كيفية الاستجابة، فلا بد من إرساء هذا المطلب على قاعدة أكثر صلابة بتضمينه حِساً بالواقع المُلحّ.

وحتى يتحقق ذلك أرى أنه لا بد من زيادة الاهتمام بموضوع حوكمة الشركات في القطاع الخاص كونها أحد عوامل الجذب للمستثمرين وتحقيق التكامل بين القطاعات كافة. وإنني هنا أطلق دعوة لتكون نقطة تحول إيجابية بمحاولة النهوض بالاقتصاد الفلسطيني من جديد بشكل أكثر اتزان وأكثر تنظيم وفعالية عن طريق حوكمة شركات القطاع الخاص بما له من الأثر الإيجابي على تطوير الأداء الذي يعتبر العامل الأكثر إسهاما في تحقيق هدفها الرئيس ألا وهو البقاء والاستمرارية وذلك بتطبيق مجموعة من السياسات والممارسات والإجراءات المدعومة بالهياكل التنظيمية والمهام الوظيفية المحددة والمتكاملة لضمان تحقيق الأهداف الاستراتيجية للشركات مع مجموعة من الضوابط التي تمنع وقوع الاحداث غير المرغوبة و لتطوير القطاع الخاص الفلسطيني.
وإنجاح ذلك لا يتم فقط بسن القوانين والتشريعات انما بمدى تطبيق هذه القوانين بالشكل السليم، مع توفر القابلية والقدرة على تطبيقها، ووجود مقيّم خاص ومستقل يكون مهامه الرقابة على تطبيق مبادئ الحوكمة في القطاع الخاص.

وإننا على وعي من ناحية أخرى، أن تطبيق القطاع الخاص لهذه المعايير يتطلب بذل جهد كبير، كما ويتطلب تغييرات في الثقافة والعمليات التنظيمية وغالبا ما يشكل عبء هذا التحول عقبة أمام اعتماد هذه المعايير، لذلك أوصي باعتماد هذه الممارسات كمشروعات على المدى المتوسط، مع التركيز على مجالات مختارة تتناول أولويات المؤسسة وتوخيا لمعالجة أي نواقص في الإدارة معالجة سليمة.

وبذلك أرى أنه ومن خلال التركيز على القطاع الخاص في هذه المرحلة ووضعه في إطار الحوكمة يصبح قادر على تطوير فعالية هذا القطاع وتحسين أدائه لتقليل المشاكل والأزمات التي قد تطرأ وتقليل المخاطر والتكاليف والوصول للغاية المنشودة وهي وضع نظام متكامل وفعال يؤثر إيجابا على صعيد الاقتصاد المحلي الفلسطيني، وإيجاد إطار موحد يحكم جميع الأنشطة تحت نطاق الاستثمار وتحقيق التنمية على المدى الطويل.
فالمؤسسات الفلسطينية تحتاج الى تطبيق الحوكمة كما في الدول المتقدمة التي تسعى دايما الى التغيير والتطور حتى نصل الى التحرر والاستقلال ومحاربة الفساد والوصول لحالة التنمية المستدامة وتحقيق مشروعنا الوطني الفلسطيني فمن الضروري اليوم الحفاظ على إمكانيات إرساء مؤسسات وسياسات اقتصادية مستدامة.

م. إسلام خضر بدوان – باحثة في التنمية

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت