كيف أسلموا (الحلقة الثانية)

بقلم: أسامة نجاتي سدر

أسامة نجاتي سدر

  قصة إسلام:

2- عمر بن الخطاب

          تخيل أن تكون عمودا من أعمدة مجتمعك، تكتسب شرفاً وعزاً ومالاً من فضل الله وعمل يدك، فضلك على الناس بيّن وليس لأحد عليك فضل، تهابك الرجال والصبيان وربات الخدور، رفعت بعون الله ذكرك وذكر والدك وذكر قبيلتك، خالك زعيم الناس وسيد قومه اختارك كي تكون بقربه تصد الناس عنه وتدفع المنافسين والمتربصين، تقضي الليل في الحانة تشرب مع الشباب وبالمساء مع الشيوخ والقادة، تقدمك الناس في كل معضلة ويتفاخرون بك على الملأ، تخيل أن تكون لسان حال قومك وسيفُهم الذي يحاربون به، أن تكون سندا لقادة قومك تشاركهم الرأي وربما رجح رأيك على آرائهم واتبعك القادة والعظماء.

          تخيل أن تكون عمر بن الخطاب وخالك عمرو بن هشام (أبو جهل)، ستدافع يا سيدي عن مكانتك بكل قوة وستسحق كل من يهدد مستقبلك كقائد من قادات قريش وخليفة لخالك العظيم، سيكون خالك مفتاح مجدك ومكانتك التي هي مكانة قبيلتك وأهلك أكبر دافع للصمود على النهج الذي اختاره القادة حتى لو كانوا على نهج الشيطان، وعليك أن تُري الناس جبروتك وقوتك على مخالفي هذا النهج.

          استيقظ عمر بعد ليلة قضاها يحتسي الخمر مع شباب مكة وشيوخها، ومر كعادته على جارية بني المؤمل من بني عدي ليعذبها بعد أن صبأت وتركت دين أهلها وكله أمل أن تُرضي غروره ويسجل انتصاره على هذا الدين الذي أفسد مكة وفرق أهلها وهز مكانة سادتها، ليصل رجل من بني هاشم للسيادة على مكة حتى لو هدمها فوق أهلها، ولكنه رغم شدته وبطشه يعجز أن يرد هذه المرأة عن غيّها وتكل يداه ويَمِلَّ قبل أن تخضع له: "اعذريني أيتها الجارية العنيدة؛ لا أتركك إلا ملالة"، فقالت: "الحمد لله الذي قواني وأضعفك"، أي قوة أوتيت هذه الجارية الضعيفة، وينطلق إلى جوار الكعبة لينظر هذا الرجل الذي ينافسه على سيادة مكة وهو لا يدري، فيجده قائما بجوار الكعبة يصلي ويقرأ القرآن من سورة الحاقة وفيها من ذكر الأقوام البائدة عاد وثمود، "من أين لمحمد هذا العلم بمن سبقه وهو الأمي المتحنث في غار حراء منذ سنين"، ويسمع عن يوم القيامة بوصف ترتجف له القلوب وتخضع له النفس؛ "شاعرٌ وليس كمثله شاعر" وإذا بالرد " وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ"؛ " هو كاهن وتلك طلاسمه التي يسحرنا بها" وسمع " وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ"؛ فغضب عمر وصاح "فأي شيءٍ هذا"؛ "تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ، وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ، وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ،فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيم"

          أي رجل هذا الذي يهدده ربه بقرآنه ويتوعده بالموت ومن يستطيع أن يدفع عنه وهو يقول بأنه نبي الله رب العالمين، كلا، كاد يسحرنا بقرآنه، ما لفتنته حل إلا أن يموت وما لها سواي لأكون أنا صاحب السبق والمجد حتى لو بتُّ في القبر، وخرج يبحث عن مخبأه لعله يلقاه والشيطان يوقد غضبه ويحرضه، فمر بعبد الله العدوي فقال له "على رسلك يا عمر، أو ترى بني هاشم يتركونك تقتل رائدهم وتمشي في سبل مكة، أولى لك أن ترى أهلك وتصلح شأنهم قبل ذلك".

توجه عمر إلى بيت أخته فاطمة محتارا حزينا وهي من شاركته حياته، فقره وغناه ذله وعزته، رعت الإبل معه صغيرا وشاركته الثوب والطعام (النقبة والهبيد)، ولكن شرفه يأبى إلا أن ينتقم منها وزوجها؛ ووصل فإذا الآيات تنساب عبر الباب: "طه، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى، تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى"، "أحقاً هذا كلام الله، لا بل أدخل وأقضي على هذا الأمر للأبد" واندفع للداخل يسأل عما سمعه ويضرب زوج أخته بقوة، فوقفت أخته تدافع عن زوجها وتعلن بأنها أسلمت "برغم أنفك يا عمر" وسال الدم من أنفها ودمعت عيناها، "إيه يا عمر، أيُجردك طموحك وعقلك من إنسانيتك، أي شيء يقويك في مخاصمتي يا فاطمة يا ابنة أمي وأبي؛ أعطوني ما تقرؤون لأرى" ؛ " ولكنك كافر نجس وهذا لا يقربه إلا المطهرون"، فقام واغتسل وأخذ الصحيفة وقرأها فإذا بخباب بن الأرت يظهر" والله لقد سمعت رسول الله يدعو بأن ينصر الله الدين بأحد العمرين ولعلها تصيبك يا عمر"، "أو دعا بها محمد، فهلم بنا لألقاه"، فدلوه على دار أبي الأرقم ومضى إليها دون كلام ولكن أجزم أن كل خطوة صنعت حربا بين أباليس الكون وملائكة الرحمن، يطرق الباب بقوة فيستعد حمزة والصحابة للدفاع عن الرسول وحمايته ولو كان الثمن حياتهم، يدخل عمر البيت والحرب تدور في نفسه على أشدها ليرى جماعة تتطاير من عيونهم نظرات الحيرة والخوف، أما النبي فعلم بأن الحرب الشديدة تحتاج لمن يرجح كفة الإيمان على الشياطين فقام وهز جسده بقوة وقال: "ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى يُنزل الله بك قارعة"، ويسقط آخر درعٍ للكفر في نفسه فيقول: "يا رسول الله، جئت لأُومِنَ بالله وبرسوله، وبما جاء من عند الله".

 الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر والعزة لله، الحمد لله الذي نصر نبيه وأعز دينه، الحمد لله الذي بدل خوف الصحابة أمنا، وفتح للإسلام فتحا أعزه به، سبحن مؤلف قلوب الطغاة وهازم جحافل الشياطين، ويخرج عمر إلى جميل بن معمر يخبره بسره ليصل إلى كل أهل مكة بساعة واحدة، وينزل الخبر عليهم كالصاعقة وتنتهي حكاية محارب لدين الله وتبدأ أسطورة الفاروق عمر بن الخطاب.

أسامة نجاتي سدر

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت