مخيم اليرموك، من مراحل إعماره

بقلم: علي بدوان

علي بدوان

شارع اليرموك في يوم ماطر
 

 

إنه مخيم اليرموك، اختزل في شوارعه وجدرانه حكاية شعب

منتصف العام 1954  بدأت عملية إعادة تمركز أعداد من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين بدمشق في مناطق مختلفة منها، إلى تجمعٍ سكاني جديد أطلق عليه مُسمى مخيم اليرموك، وجاء إسمه (اليرموك) على لسان مفتي فلسطين وبلاد الشام في تلك المرحلة المرحوم سيف الدين الحاج محمد أمين الحسيني، الذي زار التجمع إياه عام 1955 وأطلق عليه مسمى مخيم اليرموك تيمناً بمعركة اليرموك، وذلك عندما التقى الناس في منتصف المخيم، قرب عيادة اللوتري التي كانت بدورها قد قامت في حينها وسط المخيم.

قامت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا، والتي تم تأسيسها عام 1949، وكانت في حينها تتبع وزارة الداخلية، ويرأسها الدمشقي الأستاذ عبد الرحمن المالكي، بإستئجار قطعة أرض كبيرة يملكها (آل الحكيم)، و (آل المهايني) الى الجنوب من حي الميدان، وكانت تتبع من حيث التقسيم العقاري إلى مدينة دمشق (شاغور ــــ بساتين) بالرغم من قربها من حي الميدان. ودفعت وكالة الأونروا كامل التكاليف المالية.

وقدمت وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (والتي كانت قد تأسست عام 1949) مساعدة ماليه مقدارها (300) ليرة سورية لكل غرفة يتم بناؤها، وفي بعض الأحيان كانت المساعدة عباره عن كميات من مادة الإسمنت ولوازم الإعمار كالأعمدة الخشبية وغيرها.

بدأ تسليم الأراضي للاجئين الفلسطينيين إنطلاقاً من الحارة الأولى في اليرموك والمسماة (حارة الفدائية) وهي الحارة التي دُمّرت بكاملها في بداية الأحداث جراء محنة اليرموك. وكانت عائلة كاتب هذه السطور من أولى العائلات التي تسلمت قطعة الأرض بواقع نمرة واحدة لكل دفتر عائلة (مساحة النمرة نحو 48 متر مربع)، حيث تسلمت عائلتي نمرتين، واحدة منهما للأسرة والثانية لعمتي العزباء التي كانت تملك دفتر عائلة لوحدها قبل أن تتزوج، وقد منحتنا نمرتها، بعد زواجها وذهابها للأردن، وقد إتسعت مساحات تلك النُمَر على الشارع الرئيس (شارع اليرموك) بعد تسوية وضع الشارع، ودفع المصالحة المالية مع البلدي لمعظم الأبنية والمنازل، ومنها بنايتنا التي تم تدميرها بمربع اليرموك الأول في محنته، وكانت أول بناء يتهاوى ويسقط باليرموك في شباط/فبراير 2014.

بنيتنا المدمرة وانا ابحث عند انقاضها


 

من الناحية العمرانية يُعتبر مخيم اليرموك منطقة سكن نظامية مائة بالمائة، أُعتمِدَ فيها مبدأ التخطيط العمراني في توزيع قطع الأراضي، وفي وجود المخططات اللاحقة للهندسة المعمارية في البلدية بعد قيامها، حيث تم اعادة اخضاع كل التعديلات واعادة الإعمار للأبنية نفسها التي اعاد أصحابها اعمارها، للخرائط التنظيمية الكاملة التي اعتمادها من قبل الجهات المعنية، في حدود اليرموك الإدارية. وكل الخرائط الهندسية المتعلقة بالأبنية موجودة في البلدية، ونسخٍ عند اصحابها، وكان من المفترض أن يتم نقلها الى الطابو النظامي لمدينة دمشق.

بدأت عملية توزيع الأراضي وإعمارها على شكل خطين غير متوازيين تماماً، من الأبنية ذات الطابق الواحد. حيث بدأ الخط الأول وبشكل مستقيم من المدخل الجنوبي للمخيم المعروف بشارع اليرموك. أما الخط الثاني فكان أيضا غير مستقيم يسير بمحاذاة الطرف الشرقي للطريق الواصل بين مدينة دمشق وقرية يلدا وقد بات يحمل اسم شارع فلسطين. وبالتالي فإن الجزء المسمى أراضي النمرة، محدود المساحة. والجزء الأكبر من مساحة اليرموك دفع اصحابها ثمن الأرض. وكل بناء بعد قيام البلدية كان يتم وفق الخريطة الهندسية والمخطط التنظيمي. وبالتالي لا يوجد متر واحد من اليرموك ضمن حدوده الإدارية (ارض طبب) أو عشوائيات. كل الأرض مشتراه ومدفوع ثمنها من اصحابها على الأقل. ومساحات النمرة لاتساوي سوى 15% من مساحة المخطط وفق الخريطة التنظيمية لليرموك...واعتقد بأن الخرائط والسندات الرسمية الموجودة في بلدية اليرموك تعزز ما ذكرناه.

وخلال النصف الأول من الستينات من القرن الماضي، أتسع مخيم اليرموك، نتيجة قدوم أعداد كبيرة من الناس للسكن فيه من سوريين وفلسطينيين، وفي حينها باتت الأراضي تباع من أصحابها ومالكيها مباشرة للناس، وتم البناء في حدود المخيم الإدارية بطريقة نظامية (طابو، كاتب عدل) حيث نشطت تجارة الأراضي في المناطق المتاخمة للمخيم، وقد بات اليرموك مدينة قائمة بذاتها تمتاز بتقديم كل الخدمات وأسواقها العامرة.

وفي سياق الحديث عن إعمار المخيم، فقد برزت من خلال مسيرة إعماره الطويلة الأعداد الكبيرة من المهنيين من أبناء فلسطين من عمال مهرة (معلمي مهنة البيتون المسلح) من الذي ساهموا بإعمار أحياء دمشق الراقية وأبنيتها القائمة الآن. عدا عن إعمار اليرموك، وقد نقلوا خبراتهم المهنية من فلسطين الى سورية. ومن أوائل أصحاب تلك الخبرات المهنية، ومعظمهم قد توفي نذكر الأسماء التالية : أبو فايز الخالد، صبحي موعد، روحي موعد، أبو محمد الكردي، المرحوم ابو يوسف مصرية وابنائه صالح وناصر ومحمد، أبو معالج الطيان، رجال وشبان  قرية نمرين قضاء طبريا الذين إشتهروا بأعمال البناء، أبو علاء تميم، أبو هاشم قاسم، أبو قاسم تميم، أبو عصام إسماعيل وكافة أبنائه، أبو خالد سعدية، شبان ورجال من عائلة الفوراني الصفدية، تركي الخالد، أبو سمير برو وأبنائه، أبو قاسم أبو العينيين ... والمئات.

إنه مخيم اليرموك، اختزل في شوارعه وجدرانه حكاية شعب

(الصورة الأولى شارع اليرموك في يوم ماطر. والصورة الثانية وانا ابحث تحت دمار بنايتنا)

بقلم علي بدوان

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت