لم نعش بالمعنى البيولوجي تجارب الطاعون والكوليرا الا ان ما نقل الينا يفيد ان التجربة تكاد تكون نفسها , الا ان ما يمكن الجزم به ان الطبقية السياسية قد فرضت نفسها اكثر, فقد اتهمت الصين الولايات المتحدة بالوقوف وراء الفيروس بينما اتهمت الولايات المتحدة الصين بالتهمة نفسها الى حد اصرت امريكا السياسية على تسميته بالفيروس الصيني وبعكس ما مضى فان الطبقية الاجتماعية التي كانت صاحبة القرار الفكري حملت الى جانب القوى الفلكية والزلازل اليهود كجنس واتهموهم بتسميم آبار الشرب وقد قتل من اليهود الكثير فقتل على سبيل المثال 2000 في ستراسبورغ في عام 1349 وفي العام نفسه أبيدت الجاليات اليهودية في كل من ماينز وكولونيا وعبر التاريخ ظل تبادل التهم في مسببات ومسببي الاوبئة منتشرا كتعبير عن الصراع بين الاديان والاعراق والطبقات على قاعدة السياسة بكل تجلياتها حسب العصور التي سادت وقد مثلت الاوبئة تأثيرات طبقية واجتماعية وسياسية جديدة بعد انحسارها كالطاعون والكوليرا والانفلونزا الاسبانية لكن المشترك اليوم في الفيروس كيوفيد 19 هو التطور العلمي الهائل في الطب اولا وفي الاتصال والتواصل ثانيا الذي اضعف انتشار التهم المتبادلة او التفسيرات الغيبية بسبب ان العالم جميعا اصبح قرية واحدة وان العالم يعرف ان الوباء اممي وطال جميع البلدان بلا استثناء وانتشر في فترة قياسية وهو ما جعل من العقل العنصري أيا كانت خلفياته اضعف من ان يصنع خرافة تحيط بكورونا او ان يجعل منها سببا للهجوم على العدو الطبقي او القومي او الديني وبات الجميع معا في بوتقة خطر واحدة.
الجهل بالأسباب والحلول والحاجة للمعرفة والخضوع لنفس الخطر غيب اليقين كليا عن الجميع وفي المقدمة الدول العظمى والمسيطرة على العالم مما جعل العالم للمرة الاولى يتوحد من الخوف وبرزت الاضرار اكثر فاكثر في احضان الدول المتقدمة بينما خفت تأثيراته الاولى في الدول المتخلفة. الخوف من انعدام اليقين في حالة جائحة كورونا يعيدنا الى اليقين المصطنع في صناعة الموت والدمار باقتصاد الحروب الطبقية والاقتصادية القومية وما اليها ويجعل العالم يدرك اليوم ان لا قوة مطلقة على الارض ولا جنس يمكنه التميز مهما ملك من امكانيات وقدرات سواء بمعنى القوة او بمعنى الثروة او بمعنى المعرفة فأمام كورونا انهارت الركائز الثلاث ... لا احد يعرف العلاج ... لا حياة للبيع بالمال ... لا قوة نووية او غيرها تهزم فايروس خفي وهو ما يجب ان يكون محفزا واداة قوة غدا بيد قوى السلام واعداء عصر الامبريالية السلعية الحالية والعصر الامبريانولوجي الذي بدأ يطل برأسه لاغيا اقتصاد السلعة وحربها السلعية ايضا لصالح اقتصاد المعرفة الذي يملك سلاحه بذاته بخلاف السلعة التي كانت بحاجة لسلعة موت اخرى رديفة لها لحمايتها ومساعدتها على السيطرة فصار انتاج الطاقة بحاجة لانتاج القنبلة. تجربة طب الحروب ظهرت على بشاعتها في الحالة الوبائية وعرف العالم كله معا مجتمعا معنى ان تيش حالة المفاضلة في الموت والحياة بين الناس بين من يموت ومن يعيش تماما كما فعلت قوى الظلام الامبريالية بين من يعيش من الشعوب او الطبقات ومن يموت لأي سبب يخترعونه هم من عنصريتهم وحسب مصالحهم وها هم اليوم تقف كل جيوشهم عاجزة عن الوصول الى مرحلة اليقين بأدنى صورة لتتمكن من القيام بمهامها فالعدو وهمي غير منظور ولا تجدي معه كل اسلحة الدمار أيا كانت الا سلاح المعرفة, وفي حالة الوباء الفيروسي ستحاول الامبيانولوجية القادمة استخدامه لمعاودة الاثراء من جديد على حساب عقول البشر كما فعلت دائما على حساب افواههم وقوتهم وهو ما يؤكد ان الحرب القادمة هي حرب المعرفة فإما ان تمسك بها قوى الخير لتجعل منها اداة حياة وتطور او قوى الشر لتجعل منها اداة اثراء وموت.
بين صناعة اليقين بالقوة والجبروت وهو ما تمثل بسيطرة الامبريالية الامريكية على عالم مشتت وممزق وغياب اليقين بانعدام القدرة بشكل لا دخل للإرادة البشرية به وهو ما مثله العدو الخفي عبر انتشار فيروس وبائي كيوفيد 19 تأتي حقيقة رغبة البشرية بالانتقال الى عالم جديد ككرة تتدحرج بين الاقدام من رغبة العامة بالتغيير وانهاء عصور الكراهية والحروب والارعاب والعنصرية وادراك مالكي القوة لهذه الرغبة واستعدادهم هم بأنفسهم لصناعة انتقالهم كانقلاب على الارادة السمحة للإنسانية وهو ما اعتادت الطبقات المسيطرة على فعله منذ ظهور الرأسمالية منعا للانتقال الى عالم جديد يفقدها مكانتها وسيطرتها وحتى اللحظة فان صفارة الحكم لم تصل يده لتنطلق معلنة بدء شوط المباراة الى انت تطلق صفرتها الطويلة معلنة انتهاءها ورافعة يد المنتصر لكن هذه المرة ليست مباراة فريقين متكافئين بل متنازعين قبل ارض الملعب الواسع والممتد على مساحات الارض كل الارض فلمن اذن ستكون الغلبة ومن سيرفع العلم وأي علم.
امريكا المتحفزة للقادم رفضت المشروع الفرنسي لسندات كورونا الاممي لصالح مشروعها اللصوصي سندات الخزينة الامريكية وتربصها بالاتحاد الاوروبي لتنقض عليه ولتضمن خروج الصين من المسابقة لتفسح لذاتها ولعقود قادمة القدرة على التربع على عرش احتكار المعرفة ومنتجاتها هذا ما يجعل هناك ضرورة على الدول الصناعية الاخرى ان تدرك اهمية وحدتها في مواجهة المشروع الامريكي الاسفل في التاريخ بتحولها الى امبريالية احتكار المعرفة والتي تشبه الى حد بعيد في بدايات الحياة احتكار الخبز والماء والملح والعشب وستترك لهم دور الخادم لانتاج السلعة بارادتها وادارتها ولن يحصل هؤلاء الا على فتات امريكا وهي حين غابت عن مشهد العولمة الامريكي وتركت لامريكا تعمم ثقافتها قبل سلعتها لم تكن تدرك معنى الغد القادم ففي حين باتت الصين اكبر منتج سلعي على الارض معتقدة انها قادرة على صناعة عولمتها نسيت كليا ان العولمة ثقافة اولا وقبل كل شيء وانا عالم المعرفة القادم لن تعنيه ابدا بلد المنشأ للقميص الذي سيرتديه او الحاسوب الذي سيستعمله فالمعركة غدا بين منتج المعرفة ومخزون السلع أي بين من يؤسس ويرسم الخارطة ويغرس الثقافة ومن يكدس السلع لتتواصل الحياة وهو تماما كالفرق بين من يخترع ومن يننفذ.
بقلم عدنان الصباح
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت