رغم المطالبات الفلسطينية والدولية التي لاتتوقف بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، في ظل ما يشهده العالم من مبادرات إنسانية لإطلاق الأسرى والمعتقلين، نظرا لجائحة كرونا، إلا أن إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال لا يمكن أن يتم إلا من خلال صفقة تبادل ليس لها علاقة بالدواعي الانسانية أو المطلبية لواقع الأسرى، بدليل انتهاك الاحتلال المستمر للقانون الدولي الإنساني الذي يوجب الرعاية الصحية للأسرى، فيما يصر الاحتلال على حرمان مئات الأسرى المرضى من الرعاية الصحية اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، حتى قبل جائحة كورونا.
لكن وعلى ما يبدوا فان جائحة كورونا ساهمت في تهيئة بيئة أكثر ملائمة لعقد صفقة تبادل ذات بعد إنساني بين "حماس" والاحتلال، بعد مبادرة "حماس" التي اتسمت بالمرونة العالية، أملا في حماية الأسرى من اهمال الاحتلال في ظل تفشي الوباء.
والموافقة التي ابداها الاحتلال على عقد لقاءات عبر وسطاء مناقشة الصفقة، بعثت الحياة في بقية من أمل في عقد صفقة تبادل جديدة، بعد جمود استمر منذ عدوان 2014م.
في الظاهر يبدوا أن الملف لم يشهد أي تحرك رسمي حتى اللحظة، لكن لا نعلم اذا ما كانت هناك مفاوضات تجري في الخفاء برعاية الوسيط المصري، الذي لعب دورا مركزيا في ابرام الصفقة السابقة 2011م، أو برعاية وسطاء آخرون قد يكونوا دخلوا على خط الصفقة مثل الوسيط القطري أو التركي أو حتى الألماني.
حركشات
بداية ركز الاعلام على المبادرة التي قدّمها رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، في بداية ابريل الجاري، والتي اعلن فيها جاهزية حماس لتقديم تنازل جزئي في قضية أسرى العدو لدى المقاومة مقابل إفراج الاحتلال الصهيوني عن الأسرى من كبار السن والمرضى كمبادرة إنسانية في ظل أزمة كورونا.
لكن هذا الاعلام تجاهل أن مبادرة السنوار جاءت ردا على حركشة وزير دفاع العدو نفتالي بينيت، عندما قال "عندما يكون هناك نقاش حول المجال الإنساني في غزة، فإن "إسرائيل" لها أيضًا احتياجات إنسانية"، مشيرًا إلى أسر حماس لجثتي ضابط ومجند في عدوان2014م.
وعلى جناح السرعة التقط رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو الفرصة وأبدى استعداده للعمل بشكل بناء من أجل استعادة القتلى والمفقودين، وإغلاق هذا الملف، داعيا يارون بلوم منسق شؤون الأسرى والمفقودين وطاقمه، بتعاون مع هيئة الأمن القومي، والمؤسسة الأمنية إلى بدء حوار فوري من خلال الوسطاء.
الأمر الذي شكل تحولاً في الموقف الصهيوني بعد تجاهله السابق للفيديو الذي نشرته حماس في ابريل من العام الماضي 2019م، باللغة العبرية عن أسرى العدو لديها، كمحاول لإحياء ملف الأسرى، والضغط على العدو للتفاوض بشأن الجنود الأسرى الأربعة التي أعلنت حماس أنهم لديها وليس اثنين، رابطة الكشف عن أي تفاصيل متعلقة بهم بالثمن الذي سيدفعه العدو.
خاوة
العدو الذي يرفض دفع ثمن مقابل الأسرى إن كانوا جثثًا أو أحياء، أو دفع أي مقابل لقاء معلومات عن الأسرى، كما حدث ابان الصفقة السابقة 2011م، ربما وجد في جائحة كورونا فرصة لابتزاز حماس عبر فرض معادلة (المساعدات الطبية مقابل الجنود)، كجزء من عملية التفاوض، لفرض الشروط، إلا أن السنوار واجه ابتزاز بينيت بموجة أعلى من التهديد، عندما توعد خلال لقاء تلفزيوني على قناة الأقصى الفضائية، بأخذ الاحتياجات الطبية واجهزة التنفس خاوة من الاحتلال اذا لزم الأمر، عبر اجبار ستة ملايين صهيوني على دخول الملاجئ.
لا شك أن مبادرة السنوار تعكس جدية حماس في التعامل مع هذا الملف، خاصة في ظل تفشي وباء كورونا، وعدم وجود أي اهتمام من قبل الاحتلال بجنوده، في ظل الارباك السياسي الذي تخوضه الساحة الصهيونية جراء تعقيدات تشكيل حكومة صهيونية جديدة للحيلولة دون الذهاب لانتخابات رابعة، حيث يبدو أن حماس تنازلت عن اشتراطها السابق، الإفراج عن أسرى صفقة وفاء الأحرار الذين أعاد العدو اعتقالهم.
فرص وتهديدات
لا تبدو حماس بحاجة في هذا الظرف لتحقيق إنجاز سياسي، بقدر حاجتها للوفاء بتعهداتها للأسرى ولذويهم ولعموم الشعب الفلسطيني بالافراج عن الأسرى من سجون الاحتلال بأسرع وقت ممكن، وجاءت جائحة كورونا لتجعل الأمر أكثر الحاحا لانقاذ الأسرى من الوباء ومن اهمال الاحتلال المتعمد لاحتياجات الاسرى الطبية والانسانية.
في المقابل فان الاحتلال بحاجة لابرام الصفقة أملا في تحقيق انتصار سياسي بعودة الجنود المفقودين بغطاء إنساني، ما يعدّ إنجازًا سياسيًا لصالح نتنياهو، يعفيه من الانتقادات السياسية أو الشعبية.
كما أن ابرام صفقة تبادل انسانية في ظل حملات الاحتلال للتطبيع من الدول العربية، قد يسهم في تحسين صورة العدو عربيا وعالميًا.
من جانب آخر فان ابرام صفقة تبادل في ظل جائحة كورونا بغطاء الاستجابة لواقع الأسرى الصحي في ظل انتشار الوباء، يعفي العدو من المسؤولية الصحية عن الأسرى طبقا للاتفاقيات الدولية بشأن الأسرى.
إلى ذلك وبعد تهديدات السنوار الأخيرة، لا يبدو أن العدو سيتمسك بربط أي مساعدة إنسانية أو صحية لقطاع غزة بمصير الجنود الأسرى، خاصة بعد زيادة المطالبات في الساحة الصهيونية بالإفراج عن الأسرى لدى المقاومة، ما يرتفع احتمالات التوصل إلى صفقة تبادل أسرى سياسية أو إنسانية، في ظل استعداد العدو للتفاوض بشأن الأسرى من خلال وسطاء، ما يتوافق مع مبادرة السنوار بشأن الأسرى، بعد تصاعد الدعوات الأممية على كافة المستويات للإفراج عن السجناء والمعتقلين في كافة أنحاء العالم، لحمايتهم من الاصابة بجائحة كورونا.
لكن وبعد نجاح العدو في تشكيل حكومة جديدة بعد توافق حزبي الليكود وحزب الجنرالات ازرق ابيض، قد تنشأ تهيدات بأن تصبح القضايا الداخلية أكثر أهمية من التوصل إلى ابرام صفقة تبادل مع حركة حماس.
أو أن يفضل الجنرالات الذين أسر الجنود وهم تحت قياداتهم، أن يخوضوا مكاسرة أخرى لتحريرهم.
ما ربما يدفع حركة حماس لبذل مزيد من الجهد في اطار الحرب الاعلامية والنفسية لإثارة الساحة الصهيونية باتجاه الضغط على الحكومة الصهيونية العتيدة لابرام صفقة التبادل.
كتب: عماد عفانة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت