بُعيد النكبة، واللجوء الفلسطيني الى سوريا، تطوع العشرات من شبان فلسطين في سلك الشرطة المدنية، فقد كانوا بالأساس في البوليس الفلسطيني قبل النكبة. وبلغوا أعداداً واسعة في حينها، نظراً للإستقلال الحديث لسوريا الحالية، وحاجتها لكل الإختصاصات العملية المهنية، من قطاع التعليم الذي بَرَعَ الفلسطينيون به على امتداد سوريا، وبشكلٍ استثنائي، وخاصة للمواد العلمية، واللغات الأجنبية، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وصولاً لسلك الشرطة المدنية، وشرطة المرور. فتم تعيين اعداد كبيرة من الفلسطينيين كرؤوساء مخافر في كافة مناطق سورية، وخاصة في المحافظات البعيدة عن المركز دمشق، وفي النواحي المختلفة في المحافظات الشرقية والشمالية.
أحمد ابراهيم جودة (أبو ابراهيم) المولود في بلدة (لوبية) قضاء طبريا في فلسطين، والذي خرج من فلسطين شاباً مُعتدّاً بفلسطينيته، كان من هؤلاء الرجال، من رجال الشرطة المدنية الجديين، والملتزمين، والمخلصين بعملهم، والصارم في نظراته، كما كان حالهم في فلسطين قبل النكبة، وهو شقيق العم أبو سميح كبير رجالات اليرموك بعمره ومكانته، وشقيقه المرحوم أبو يوسف، والعم أبو الوليد نايف، والذين يقيمون في مخيم اليرموك في المربع الأول منه، وفي (ساحة الريجي) التي نالها التدمير في محنة اليرموك.
كان أبو إبراهيم جودة رحمه الله، مبدئي، وصاحب موقف حتى لو كلفه ماكلفه، وكان طيب المعشر وصاحب مقال ومقام، وكثيرا ما روي الأخرون قصته الطريفة التالية مع الرئيس شكري القوتلي، كما رواها لنا خليل الصمادي، والتي تَدُلّ على معدنه المخلص للبلد والوطن، ولعمله المهني. ففي عام ١٩٥٦، وأثناء العدوان الثلاثي على مصر، أصدر الرئيس السوري شكري القوتلي قرارا يحد من استخدام السيارات في سورية وذلك لتوفير الوقود من أجل دعم الشعب المصري الشقيق، فربما كان القرار يقضي بمخالفة السيارة التي تبدأ برقم مفرد في يوم تاريخه مجوز أو مخالفة السيارة التي تسير بعد ساعة معينة من الليل، ولكن المؤكد أن الشرطي الفلسطيني أحمد ابراهيم جودة (أبو إبراهيم)، أوقف سيارة الرئيس شكري القوتلي عند فكتوريا لمخالفتها (قبل بناء الجسر الحالي)، وعلى ماذكره كثيرون فإن الرئيس شكري القوتلي قال للشرطي أبو أحمد ابراهيم جوده : أنا شكري بيك رئيس الجمهورية. فرد عليه الشرطي (أبو ابراهيم جودة) : وحتى لو كنت رئيس الجمهورية، النظام نظام. عندها أعجب رئيس الجمهورية العربية السورية بالشرطي الشاب أحمد إبراهيم جودة وبعد أن حرر له مخالفة شكره، وأرسل له في اليوم التالي هدية، وظلت هذه الحادثة ملازمة لسيرة الشرطي الفلسطيني أحمد ابراهيم جودة (أبو ابراهيم).
وهكذا كان من رفاقه من الفلسطينيين في سلك الشرطة المدنية، نذكر منهم من مخيم اليرموك : أبو كمال عباس، أبو عمر تيم، أبو احمد بيكو، أبو حسين مطر عبد الرحيم (أحد شخصيات مخيم اليرموك المعتبرة، عضو حركة القوميين العرب، واستتباعاً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، والد الصديق وليد عبد الرحيم، درويش بيكو... وهكذا.
رحم الله أبو ابراهيم، الذي ناسب اللوابنة وهو منهم، فزوجته الأولى لوبانية، وناسب اهالي صفورية وزوجته الثانية من صفورية، فتوزعت ذريته، وبرع ابناءه من زوجتيه باعمالهم، وخاصة منهم الفنان التشكيلي وفيق جودة وابنه، ولاننسى في هذا المقام الصديق المرحوم جمال الذي كان قمة في الشهامة والنخوة الوطنية الفلسطينية، كذلك شقيقه المرحوم ابراهيم وشقيقه كمال. وجميع ابناءه كهشام وغيره، والشهيد عبد الرحمن الذي استشهد في محنة اليرموك. وابن شقيقه الشهيد ايمن جودة.
(الصورة الأولى والثانية بداية خمسينيات القرن الماضي : العم أبو ابراهيم جودة وعدد من رجال الشرطة في سوريا من الفلسطينيين السوريين).
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت