ودعت الجزائر بحر هذا الأسبوع رجلا، لا يمكن وصفه إلا إنه من طينة أولئك الذين سجلوا مآثرهم المجيدة في صفحات التاريخ المشرق للامة الجزائرية المجيدة، هاته الامة التي حباها بصفوة من أبنائها الأبطال البررة، الذين خرجوا من صلب الشعب، حاملين لآلامه القاسية وعذاباته القاهرة تحت نير الاستعمار البغيض، ليشقوا دروب الأهوال ويكابدوا المشاق، متطلعين إلى فجر الحرية والاستقلال.
فعلا هي كذلك لحظات عصيبة تهز وجدان الامة الجزائرية بما تحتوي من أسى وألم، ممزوج بقيم الفخر والاعتزاز، والجزائر تودع رمزا من رموز النضال الوطني وأحد أعضاء مجموعة ال 22 التاريخية، التي يحسب لها تفجير الثورة التحريرية وخط بيان أول نوفمبر، والمساهمين بإتقان وإخلاص في الاعداد لثورة غرة نوفمبر المظفرة، فعلا هي لحظات مؤلمة ونحن نطوي صفحة من صفحات جيل الملاحم البطولية والتضحيات الجسيمة، جيل الإقدام على تحمل المسؤولية الوطنية في بعث المسيرة النضالية للأمة من أجل جزائر حرة أبية، إنه المجاهد الراحل الحاج عبد القادر العمودي، ذلك المناضل الفذ والمجاهد البطل، الذي قضى حياته مناضلا في صفوف الحركة الوطنية، ثم مجاهدا في سبيل الله وفي سبيل القضية الوطنية، من أجل تحرير هذا الوطن الغالي ولم يبرح ساحة النضال والجهاد إلى أن تحقق له الاستقلال فتخلصت بلادنا من عدو غاشم واستعادت سيادتها على أرضها، ذلك الشاب الذي عرف نور الحياة سنة 1925 وترعرع في أحضان إحدى مشاتل الوطنية، وادي سوف العرين الأمين ومعقل الأبطال الثائرين، أين تعلم القرآن في كتابه ثم مدرسته الابتدائية إلى غاية 1938 لينتقل بعدها إلى مدينة بسكرة لمواصلة دراسته فجمعته المدرسة بأخيه محمد العربي بن مهيدي، حينها بدأت صفحة النضال والتحق بأول خلية لحزب الشعب الجزائري بمدينة الوادي، فكان من أوائل المناضلين في صفوف الحركة الوطنية هناك، ثم عضوا نشيطا في المنظمة السرية L’OS في مدينة قسنطينة، فكنت مخلصا لقضية وطنك فبذلت الجهود تلو الجهود لربط الاتصالات بين المناضلين بتنقلاتك المتعددة بين الجزائر وبسكرة وسطيف وغيرها من مناطق الوطن، فساهمت أيها الفقيد المرحوم مساهمة جبارة في التحضير للثورة التحريرية من خلال تجنيد المناضلين في المنظمة السرية، وبعدها أحد عظماء مجموعة 22 التي التقت في 06 جوان سنة 1954 بالمدنية، حيث اتخذت القرار الحاسم لتحضير تفجير الثورة المباركة ثورة أول نوفمبر العظيمة، أين تحملت وإخوانك الشباب من أبناء هذه الأمة مسؤوليتكم التاريخية، وفتحتم صفحة جديدة في مواجهة المحتل، صفحة أخذ فيها الرصاص أولويته كوسيلة مثلى لمخاطبة هذا العدو المتغطرس، واسترجاع الحقوق المغتصبة منه وهكذا عبدتم الطريقة نحو الحرية والاستقلال، بمعية من توشحت معهم بالمجد والكبرياء والإباء والشرف، والهدف نحو استقلال الجزائر واستعادة سيادتها.
وأخيرا آن لأحد فوارس الثورة الجزائرية العظام أن يترجل، بصمت، وبهدوء وكأنه لم يرغب في أن يزعج أبناء شعبه، الذي يعيش هاته الأيام ويسطر ملاحم وبطولات، لا تقل أهمية عن تلك الملاحم التي رسمها رفاق الراحل عبد القادر العمودي، يترجل ونحن في صف المواجهة مع عدو مجهري وهو تفشي فيروس كورونا، الذي احتل الإنسانية جمعاء بما فيها تلك القوى المتغطرسة الاستعمارية، التي كانت تظن أنها بمنأى عن كل هاته المواجهات، ترجل الفارس العمودي ومضى بعيدا، مثلما ترجل قبله رفاق وإخوة له منحوا أرواحهم وحياتهم وشبابهم وأموالهم لتحرير وطنهم وشعبهم من الاستعمار البغيض ومن الاستعباد ومن القهر، رجال خدموا بإخلاص واستمسكوا بالعروة الوثقى في كفاحهم من أجل تحرير الوطن ثم بنائه وتشييد صرحه، فكان ورفاقه منارة بحق لجيلهم وللأجيال الأخرى من بعدهم، وقدوة حسنة يقتدى بها في الرأي المبدأ والسلوك، فسلام على العمودي يوم ولد ويوم ترجل ويوم يبعث حيا، وكل الفخر للعرين الأمين العامر بالعطاء الوطني، الذي أنجب هذا المعدن من رجالات الجزائر.
بقلم :عماره بن عبد الله
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت