قد يتساءل من يقرأ عنوان المقال عن مدى تأثر الرياضة الفلسطينية بالنكبة وقد أُحتُلت الأرض وهُدّمت البيوت وهجٍر شعبنا وارتقى الالاف من الشهداء الأبطال دفاعا ً عن الأرض، وضاعت القدس وأزيلت مدن فلسطينية كثيرة عن الوجود.
ولا غرابة في هذا التساؤل، ولكني أقول: لقد كتب الكثير من المؤرخين أو الكتاب عن كل فصل من فصول النكبة وتأثيرها على كل مكونات الشعب الفلسطيني وتوسعوا في ذلك ونقلوا الصورة بتفاصيلها المأساوية وبفصولها الجهادية والبطولية، وأردنا نحن في تخصصنا الرياضي أن نبرز ألأثر الذي تركته النكبة على الرياضة الفلسطينية بعد أن كانت في قمتها وتألقها عربيا.
الأندية الفلسطينية طورت العابها رغم الانتداب البريطاني:
كان لأثر التواجد الاسلامي العثماني على أرض فلسطين منذ العام 1916 ايجابيات كثيرة ومنها الجانب الرياضي حيث تأثر الرياضيون والاندية الفلسطينية ببعض الرياضات التي كان يمارسها العثمانيون حينها، فتعرف الفلسطينيون على العاب لم تكن متوفرة في رياضاتهم واعتمدوها ثم أبدعوا فيها كالفروسية والقوس والرمح والمصارعة والسباحة والقدم وغيرها. ثم كان للانتداب البريطاني على فلسطين وهو انتداب احتلالي سيء بكل معاييره ولا توجد ايجابية واحدة فيه، لكن التعلم من العدو بعض اساليبه واضافتها الى اسلوبنا يجعلنا في حال أفضل، وهذا ما أفادنا حين تعرف الرياضيون الفلسطينيون على نمط جديد من الرياضات التي بدأت تتطور في العالم ومارسها البريطانيون على أرض فلسطين واكتسبها الرياضيون والاندية الفلسطينية وطوروا العابهم واساليبهم ورياضتهم ليتألقوا فيها.
في العام 1928 تأسس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم وانتسب الى الاتحاد العالمي الفيفا وشاركت فلسطين في كاس العالم عام 1934 وشاركت في بطولات عدة على صعيد الالعاب الأولمبية وغيرها.
البريطانيون يحاصرون الرياضة الفلسطينية:
شهدت الرياضة الفلسطينية تطورا كبيراً أقلق البريطانيون واليهود ، فعمد البريطانيون إلى دعم الرياضة اليهودية التي كانت تمثل 4 % على حساب الرياضة الفلسطينية 96% ، فتم اشراكهم في الدورات التي ينظمها الانتداب لفرقه والفرق الأجنبية واقامة بطولات محلية لليهود (ماكينات) وأدخلوا خلالها الاف من الشباب اليهودي الى فلسطين بحجة المشاركة فيها وفي الحقيقة كانوا محاربين وضباط ، ثم عمدوا و حاولوا السيطرة على الاتحادات الفلسطينية من خلال زيادة الأعضاء من اليهود فيها للسيطرة عليها لأنهم كانوا يدركون تأثير الأندية والشباب الرياضي في الشارع الفلسطيني لما يتميز به الشباب الفلسطيني من قوة بدنية وفتوة وعنفوان وانتماء وطني عميق, فكان تشكيل الاتحاد العربي الفلسطيني عام 1944 رداً على ذلك ومنعاً لسرقة انجازات الرياضة والأندية الفلسطينية .
فلسطين أقدم اتحاد آسيوي يشارك في كأس العالم:
كانت فلسطين قبل النكبة تعج بالأندية الفلسطينية الاتحادية المتميزة من البصة وضواحيها الى غزة ومدنها الى القدس ومدنها حتى وصل عدد الأندية في الدرجة الأولى حوالي الخمسين، ومثلها في الدرجات الأدنى، وتميزت هذه الأندية بالتنوع الرياضي في العابها، والأهم من ذلك أن فلسطين أقدم اتحاد في الاتحادات الآسيوية التي شاركت في كاس العالم 1934.
الأندية الفلسطينية والتهجير القصري في ظل النكبة 48:
بعد نكبة فلسطين واحتلال اليهود للمساحة الأكبر من أرض فلسطين التاريخية وعاصمتها القدس تشتت الأندية الفلسطينية، وأغلقت مراكزها وهدم بعضها، ومنها من حوله اليهود الى مراكز ادارية، وتم تحويل بعض ملاعبها الى مواقف للسيارات، وهجر اللاعبون الى بقاع الأرض مع عائلاتهم، وبقيت بعض الأندية في المدن التي لم يسيطر عليها الاحتلال مثل القدس الشرقية وضواحيها وغزة وبعض مدنها، لكن الاحتلال قطع طرق التواصل ما
بين المدن الفلسطينية غير المحتلة منعاً لإعادة جمع القوى والتجمعات، فتشكلت في القدس الروابط الرياضية للحفاظ على الشباب الفلسطيني والأندية التي كانت تمارس رياضاتها ضمن بطولات الروابط المقدسية، وفي غزة رغم أنها كانت تحت الإدارة المصرية إلا أنه أعيد تشكيل الاتحاد العربي الفلسطيني الذي مارس دوره على المستوى العربي والآسيوي والدولي حتى العام 1967.
عودة الحياة للرياضة الفلسطينية رغم الصعوبات وانحياز الغرب للمحتل:
أعيد تشكيل الأطر الرياضية الفلسطينية بعد نكسة 1967 فأعيد تشكيل المجلس الأعلى للشباب والرياضة في بداية السبعينيات وتشكيل كافة الاتحادات الرياضية وأعيد الانتساب (الاحتلال سرق وزور كل الوقائع وسرق العضوية الأولمبية كما الفيفا ) من جديد الى اللجنة الأولمبية الاسيوية عام 1986 والدولي عام 1995 والاتحاد العالمي لكرة القدم الفيفا عام 1998 وما زالت الرياضة الفلسطينية رغم النكبة تلو النكبة مستمرة في احتضان الأندية الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس وغزة والشتات وفي أماكن تجمعات المهاجرين الفلسطينيين في امريكا الشمالية والجنوبية واوروبا .
قد تكون النكبة تركت جراحاً في الجسد والفكر الفلسطيني وفي التخصصات الحياتية، لكن العودة والتمسك بها والعمل من أجلها هو بلسم ودواء للنكبة وللتهجير والمعاناة والبعد عن الوطن ولا بد اننا بإذن الله عائدون.
بقلم: أ. خليل العلي مدير المؤسسة الفلسطينية للشباب والرياضة في لبنان.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت