في خطوة مؤلمة للقلب، أمرت الحكومة الفيدرالية الأمريكية مؤخرا بتحضير 100 ألف كيس بلاستيكي جديد يستخدم لجثث المتوفين، استعدادا لما تخشى أن يكون السيناريو "الأسوأ" مع استمرار تفشي وباء فيروس كورونا الجديد في الولايات المتحدة.
لقد أصبح الوضع حاليا بالولايات المتحدة، كونها بؤرة تفشي الوباء في العالم، كارثيا تماما، بوجود أكثر من 1.2 مليون إصابة وأكثر من 70 ألف حالة وفاة حتى الآن. ويشير الأمر الأخير بتحضير الأكياس لأجساد الموتى، إلى احتمال حدوث تحول نحو الأسوأ.
هناك قلة من الناس في جميع أنحاء العالم ممّن توقعوا مثل هذه الفوضى في القوة العظمى الوحيدة في العالم. وأضحت كلمة "فاشلة" تستخدم بكثرة وعلى نطاق واسع، بوسائل الإعلام الغربية، لوصف استجابة واشنطن تجاه الوباء.
يعتبر الإهمال أو التجاهل من قبل صانعي القرار في واشنطن، تجاه الوباء في أيامه الأولى، أحد الأسباب الرئيسية للوضع الفوضوي الكارثي الحالي.
هناك الآن الكثير من الأدلة المؤكدة، التي تبين أن الإدارة الأمريكية قد تم تحذيرها مرارا وتكرارا بشأن الفيروس منذ أواخر العام الماضي من قبل مصادر الاستخبارات الخاصة بها، ومسؤولين حكوميين، وعلماء الطب الأمريكيين العاملين في المقر الرئيسي لمنظمة الصحة العالمية في جنيف، ومن الحكومة الصينية.
ولكن، لسوء الحظ، استغرق البيت الأبيض عدة أشهر لبدء فرض إجراءات فيدرالية صارمة، بعد أن أكدت البلاد أول حالة إصابة بالفيروس فيها في أواخر يناير الماضي. وخلال تلك الأسابيع الطويلة بينهما، لم تتظاهر واشنطن بأن أعلام التحذير الحمراء هذه، غير موجودة، فحسب، بل حاولت أيضا التقليل من شأن الوباء وشدته، وتضليل الرأي العام الأمريكي، بأن المرض هو "إنفلونزا"، وأن كل شيء تحت السيطرة.
إن خوف البيت الأبيض من أن خطوات التباعد الاجتماعي قد تضر بالاقتصاد، وهو ما يؤدي بدوره إلى خسارة الإدارة الحالية للانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر، قد لعب أيضا دورا كبيرا في التحرك البطئ والفاشل للحكومة الأمريكية تجاه المرض، وفقا لخبراء معنيين.
وهنا يبدو أن الإدارة الأمريكية قد نصبت فخاً لنفسها. فمنذ توليها السلطة في عام 2017، كانت تتفاخر بشأن سياساتها الاقتصادية الناجحة وتروّج لمكاسب البلاد القوية في سوق الأسهم، وبالتالي كانت تروّج لفكرة مخادعة وهي: بما أنها تنسب لنفسها الفضل في اقتصاد مزدهر، فمن الطبيعي أن تخضع للمساءلة، وتتحمل المسئولية، إذا توجه الاقتصاد للتدهور أو الركود.
كان الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني الأمريكي لأمراض الحساسية والأمراض المعدية، وهو الشخصية الرئيسية في فريق عمل البيت الأبيض المعني بالاستجابة لمواجهة الفيروس، قد حذر الأسبوع الماضي من أن القادة المحليين (في الولايات الأمريكية) سيواجهون "خطرا حقيقيا كبيرا" إذا أقدموا على تخفيف قيود التباعد الاجتماعي قبل أوانها.
ووفقا لبعض الوثائق الداخلية، التي حصلت عليها شبكة ((أن بي سي - NBC)) الإخبارية الأمريكية، فإن أعضاء فريق العمل المذكور أعلاه، يشعرون بالقلق إزاء عدم كفاية الاختبارات لفيروس كورونا الجديد، وإزاء "عودة كارثية" محتملة للفيروس وعدواه.
وهذا يقودنا إلى سبب ثالث أكثر عمقا لفشل واشنطن في الحد من انتشار الفيروس، وهو نظام الرعاية الصحية العامة الذي يعاني من سوء التمويل. الولايات المتحدة هي الاقتصاد المتقدم الوحيد في العالم بدون نظام رعاية صحية شامل. في عام 2018، كان هناك 27.9 مليون أمريكي بدون تأمين صحي. ووفقا لاستطلاع رأي جديد أجرته مؤسستا ((ويست هيلث)) و((غالوب))، قال واحد من كل سبعة أمريكيين إنهم لن يسعوا للحصول على رعاية طبية حتى إذا كانت لديهم أعراض رئيسية (لكوفيد-19)، بسبب مخاوفهم من ارتفاع التكلفة المالية.
والأسوأ من ذلك، هو أن الإدارة الأمريكية الحالية حاولت المزيد من تقويض نظام الصحة العامة في البلاد. واقترح البيت الأبيض في ميزانيته للسنة المالية 2021 تخفيض 850 مليار دولار أمريكي في الرعاية الطبية و920 مليار دولار في الرعاية الصحية على مدى العقد المقبل، تحت حجة تخفيض العجز المالي الحكومي، وفقا لتقرير نشرته صحيفة ((واشنطن بوست)) الأمريكية. وفي عام 2018، قامت الإدارة الحالية بتفكيك فريق الاستجابة للأوبئة، التابع لمجلس الأمن القومي.
ووفقا لتقرير صحيفة ((نيويورك تايمز)) الأمريكية، الشهر الماضي، فقد سمح البيت الأبيض بعقدٍ مع شركة تحتفظ بمخزون الحكومة من أجهزة الطوارئ الطبية والمنقذة للحياة، تنتهي صلاحيتها في الصيف الماضي، ولم تبدأ الشركة الجديدة في التشكل أو التأسيس، حتى أواخر يناير، بسبب نزاع حول التعاقد. وكل هذا جعل المشكلة المتعلقة بالمعدات الطبية غير الكافية، مثل أجهزة التنفس، أسوأ فأسوأ.
إن إلقاء نظرة فاحصة على أوجه القصور هذه، يعطي رؤية واضحة مباشرة، عن سبب معاناة الولايات المتحدة بشدة من هذا الوباء.
وبالنسبة لصانعي القرار في البيت الأبيض، يتعين عليهم أن يفهموا أن ميلهم لإلقاء اللوم على الآخرين لتبرير أخطائهم الخاصة، لا يمكنه أن يجعل الفيروس يختفي بأعجوبة. ويجب عليهم مواجهة الحقائق والانضمام إلى الآخرين في جميع أنحاء العالم، بحسن نية، في هذه المعركة الشاقة ضد المرض الفتاك. لقد حان الوقت لاستدعاء مثل هذه الشجاعة.