ومن كثرة وضوح حالة الأسرلة المتسارعة التي تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام، في ظل رئاسة دونالد ترمب الذي صار يزاود على اليمين الإسرائيلي نفسه في مواقفه المؤيدة لإسرائيل، قررت أن أستعرض كتابا تناول هذه المسألة، بعدما قرأت ترجمة له، ولأنني أعلم ضيق بعض الناس بالقراءة وانشغال كثير منهم عنها، قررت عرضه هنا.
اسم الكتاب: سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة
بالإنجليزية: The Power of Israel in the United States
اسم المؤلف: جيمس بتراس James Petras
معلومات مختصرة عن الكاتب: أستاذ جامعي (بروفسور) أمريكي متقاعد مواليد 1937 له عدة كتب ومؤلفات حول قضايا مختلفة في علم الاجتماع السياسي، وله موقف مناوئ للنفوذ الإسرائيلي في بلاده.
الناشر الأصلي: شركة Clarity Press, Inc. , Atlanta/USA
جهة الترجمة: الدار العربية للعلوم ناشرون
ترجمة: حسان البستاني-الطبعة الأولى 2007م
عدد الصفحات: 354...الترجمة.
كثيرة هي الكتب التي صدرت عن مؤلفين غربيين، وطابعها العام انتقاد إسرائيل وسياسة الدول الغربية خاصة سياسة واشنطن في المنطقة، واتخذ مؤلفوها أسلوب (الآكشن) والضرب على أوتار عواطف تروق للقارئ العربي؛ وقد حرصت على عدم اختيار مثل هذا النوع من الكتب، عند اختيار كتاب جيمس بتراس، فقد لاحظت أن المؤلف يقدم وقائع وحقائق، ودافعه ليس استقطاب واستمالة الجمهور العربي؛ بقدر ما هو حريص وغيور على المصالح الوطنية العليا لبلاده التي يرى أن توجهاتها المؤيدة بفجاجة لإسرائيل تضر بها.
لن أدخل في الطرق التقليدية لعرض الكتاب، بل سأستعرض مجموعة من المعلومات والحقائق والملاحظات والمخاوف التي قدمها الكاتب، ومنها: - ديلي أليرت توزع يوميا على أعضاء الكونغرس وأعضاء الحكومة الأمريكية، وهي تصدر عن دائرة الشؤون العامة في القدس لصالح المنظمات اليهودية الرئيسة...بخصوص الإيباك AIPAC هي لجان العمل الأمريكي-الإسرائيلي، ولكن المؤسسات تعمل ضمن شبكة منظمة وليس الإيباك فقط هي الفاعلة، وهي مؤسسات منظمة وعملها منسق.
ويفيد الكاتب أن موازنة الإيباك 60 مليون دولار، وقد لعبت دورا في توقف التحقيقات حول شبهات تجسس! وقد صرح أرئيل شارون بأن (الولايات المتحدة تحت سيطرتنا)... صدق وهو كذوب، فحتى عام 2006 أجبرت المنظمات اليهودية الكونغرس على 100 مشروع قانون يصب في صالح إسرائيل، كما يقول جيمس بتراس ويضيف بغضب: لا يوجد أي مكان في العالم تلقت فيه أي جهة دعما أمريكيا مثل إسرائيل، فقد وصل الحال إلى دعم الاستيطان الإسرائيلي في وقت لم يجد فيه ضحايا كاترينا (إعصار) مأوى لهم!
ويشير الكاتب أن (جون بولتون) مثلا يضع مصلحة إسرائيل قبل مصلحة الولايات المتحدة... طبعا نتحدث عن كتاب عمره حوالي 13 عاما؛ فكيف يصف الكاتب ترمب وبومبيو؟!وينتقد جيمس بتراس المفكر والكاتب المعروف (نعوم تشومسكي) الذي يهوّن من دور اللوبي اليهودي باعتباره مثل أي لوبي آخر...للتذكير من العبد الفقير: تشومسكي شخصية محبوبة ومؤثرة عند كثير من العرب، مع أنه بهذا التصرف يجب أن يكون محل شك لا ثقة!
إن التبرعات المقدمة للديموقراطيين 60% من مصادرها لجان موالية لإسرائيل... (على الهامش لمن ينتظرون فوز بايدن وقبله صفقوا لأوباما)، المليونيرات والميارديرات أي من يملك عدة ملايين من الدولارات ومن يملك مليار دولار فأكثر في الولايات المتحدة هؤلاء نسبة اليهود منهم 30%، وداعمو اقتصاد إسرائيل هم: -
1- أثرياء يهود ومنظمات جمع أموال.
2- الحكومة الأمريكية (الرئاسة والكونغرس).
3- وسائل الإعلام مثل نيويورك تايمز وهوليوود.
يتناول الكتاب بتوسع الحرب الأمريكية على العراق واحتلاله في 2003 ويخلص إلى أنها عملية إسرائيلية تمت عبر فريق تسلل إلى الإدارة الأمريكية، وينفي الكاتب ما تم ولا زال تداوله عن شركات النفط (Big Oilبيغ أويل) بأنها دفعت وأرادت الحرب، والحقيقة هي العكس لأنها تضررت كثيرا، ويضيف الكاتب أيضا عن حرب العراق انزعاج وكالة المخابرات المركزية CIA من المحافظين الجدد لاغتصابهم دورها، كذلك غضبت القوات المسلحة لاستبعادها من المداولات.
القائد العسكري البارز في احتلال العراق (تومي فرانكس) قال عن (دوغلاس فيث) وهو من المحافظين الجدد ونائب وزير الدفاع آنذاك بأنه: الوغد الأكثر غباء ممن التقاهم، وذلك لجهله بالتكلفة الاستعمارية، فالحرب والاحتلال نفذته أمريكا باختراق إسرائيلي عبر شخصيات ومؤسسات لدوائر صنع القرار في واشنطن! ويرى الكاتب أن تقنيات الحرب الشاملة: قتل وتشريد وجدران، والتي استخدمتها أمريكا مأخوذة من مستشارين إسرائيليين، خاصة دورات التعذيب وهذا –برأيه-سبب الهجمات الانتحارية.
يستعرض الكاتب بعض نماذج الهيمنة الإسرائيلية على المجال الإعلامي في الولايات المتحدة؛ فمثلا ألغي عرض مسرحي عن (راشيل كوري) في نيويورك بضغط وتهديد مالي بل نشر مقال في مجلة (تقدمية) وصف الضحية راشيل بالغباء وبأنها مضللة...هذا والمذكورة مواطنة أمريكية سحقتها دبابة إسرائيلية في قطاع غزة/رفح 2003 بكل وحشية، فكيف الحال مع مواطنين من جنسيات أخرى؟ !
أما الصحفي المعروف (سيمور هرش) وهو يهودي بالمناسبة فقد تجاهل في تقرير نشره في نيويوركر دور إسرائيل في تدريب الأمريكان على التعذيب وحمل المسؤولية فقط لرامسفيلد وشخص آخر وكلاهما ليسا من اليهود، ويؤكد الكاتب أن مؤيدي إسرائيل من يهود أمريكا عددهم فقط الثلث لكن الأغلبية يمنعون من الإعلام!
*جماعات دعم إسرائيل وداعموها يبثون دعايتهم على الديلي أليرت وواشنطن بوست ونيويورك تايمز...طبعا نعرف مدى شهرة وتأثير هذه الأدوات الإعلامية!
ومن ناحية أخرى فإن بي بي سي أسوأ من وسائل الإعلام المذكورة، خاصة تغطيتها لموضوع الجندي الأسير السابق لدى المقاومة في غزة جلعاد شاليط.. وهذا يعني امتداد الأخطبوط إلى الإعلام البريطاني وكيف لا؟ يقول جيمس أن (روبرت ماكسويل) جاسوس إسرائيلي وقطب إعلامي ينتمي إلى السيانيم (يهود يساعدون الموساد في العالم )...المذكور هو امبراطور في النشر والإعلام وقد مات في ظروف غامضة في 1991.
من أكثر الأشياء التي لفتت نظري في الكتاب هو دور إسرائيل في نشر الصور المسيئة لرسولنا الحبيب محمد-صلى الله عليه وآله وسلم- في إحدى الصحف في الدنمارك، وهو ما أثار غضبا واسعا، وكان هناك مطالبات بمقاطعة بضائع الدنمارك كالأجبان ومشتقات الحليب، وهناك من ذهبوا أبعد في دعوات الانتقام...ولكن جيمس بتراس يفيد بأن الدنمارك هي مركز عمليات رئيس للموساد في أوروبا.
و (فيلمنج روز) نشر الصور في أواخر أيلول 2005 أثناء حملة دعائية إسرائيلية أمريكية ضد إيران؛ وقد رحل فليمنج روز إلى فلوريدا بدل وطنه الأصلي أوكرانيا وهو يهودي وهو المحرض على نشر الرسوم المسيئة. فكتور أوستروفسكي في كتابه (عن طريق الخداع) أكد على علاقات الموساد مع الدنمارك ومتانتها وقدرة الموساد على مراقبة العرب الذين يقيمون في الدنمارك...ومع ذلك يقابل الموساد الدنماركيين بازدراء شديد!
اقتباس صفحة 338 (يوم أمس أطلعتنا المنظمات الصهيونية الرئيسية على ما يمكننا وما لا يمكننا انتقاده في الشرق الأوسط، وهم اليوم يطلعوننا على من يمكن انتقاده في الولايات المتحدة, وغدا سيطلبون منا حني رؤوسنا والخضوع لأكاذيبها وخدعها بهدف خوض حروب احتلال جديدة خدمة لنظام استعماري بغيض أخلاقيا)
حقيقة أستاذ جيمس ما حذرت منه حدث فعلا، فبات انتقاد إسرائيل في كثير من ولايات بلدك أمر محرم بقوة القانون: -
لقد دق الكاتب في صفحات كتابه ناقوس الخطر، ولكن يبدو بأن مصير بلاده صار يرتبط إلى حد كبير بمصير إسرائيل، وقد ذكر الكاتب-في سياق الحديث عن أصوات أو توحيد دق نواقيس الخطر- أن فايننشال تايمز في افتتاحيتها في أبريل/نيسان 2006 رصدت تأثير هذا اللوبي على المصالح الوطنية الأمريكية وأشارت إلى اللازمة المعروفة : كلما انتقدت دور اللوبي الصهيوني كلما اتهمت بمعاداة السامية! وقد حذر الكاتب مما يدور الحديث عنه الآن أي الحرب على إيران فقال في الكتاب الذي بين أيدينا: اللوبي جرّ أمريكا لمحاربة حكومة حماس، وحرب على لبنان، وقبلها احتلال العراق.. والآن دور إيران فهل سينجحون؟
السؤال معروف والجواب مثير للذعر من تبعات خيار كهذا، قوة أو سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة إذن ليست وهما وهي بلغت حدّا مرعبا من الهيمنة لا ندري إلى أين سيصل، أما من ينفون هذا فإن المتنبي ردّ على أمثالهم قبل ألف عام: -
وَلَيسَ يَصِحّ في الأفهامِ شيءٌ *** إذا احتَاجَ النّهارُ إلى دَليلِ
طبعا أرى أن الأدلة أمامنا واضحة، أم أن كل هذا لا يعتبر دليلا...ومن يدري ربما هي نعمة من الله أن تربط قوة عظمى بل امبراطورية كالولايات المتحدة مصيرها بكيان يتهاوى، كي يرتاح العالم مرة واحدة!
سري سمور
كاتب ومدون فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت