* تمليك الأراضي بالبيع والهبات بقوانين عثمانية والاتنداب البريطاني لاحقاً الحلقة الثانية عشرة *
الحركة الصهيونية بذلت جهدها لتحقيق ما تصبو إليه لقيام كيان يهودي في فلسطين بأكاذيب وتسهيلات عثمانية وبريطانية ، بامتلاك الأرض التي كانت ملكيتها في ظل الدولة العثمانية تعود لإقطاعيين فلسطينيين وعرب لبنانيين وسوريين ، للوقف الإسلامي ، للكنائس المسيحية ، لصغار الملاك الفلسطينيين ، ولأراضٍ حكومية. الإرهاب الممنهج كان السبيل للحركة الصهيونية لامتلاك الأرض الفلسطينية وبث الأكاذيب بحصولها عليها بالشراء للنيل من أصحابها ، ما يؤكد أنها كانت أرض لها شعب يسكنها بعكس الكذبة الصهيونية أنها بلا شعب، مستندين في هذا الكذب على وسائل متعددة تفتقد للمصداقية .. وقد ساعدتها قوانين عثمانية صادرة في القرن التاسع عشر على ذلك فكانت البدايات الأولى لشراء اليهود أراضٍ في فلسطين عام 1855م على يد موشي مونتفيوري زمن السلطان عبد المجيد نتيجة تدخُّل بريطانيا ، فأصدر فرماناً سنة 1849م يجيز لليهود شراء الأراضي في منطقة موزا (غرب القدس)، فأقيم عليها لاحقاً حي مونتفيوري اليهودي فكانت هذه بداية وطء أقدام الصهاينة في القدس ، وقد استمرت عملية التسريب هذه إلى الأجانب بموجب إقرار تنظيمات عُرفَت بـ التنظيمات الخيرية عام 1856م فقانون الأراضي عام 1858م ، فلائحة سندات التمليك عام 1859م فقانون عام 1861م، وملحقاته عام 1867م، ونظام تملُّك الأجانب عام 1869م، ما استغلته دول أوروبية كبريطانيا وفرنسا وروسيا بإرسال رعاياها لشراء الأراضي وإقامة المستعمرات للإقامة في فلسطين..
وزادت وتيرة تمليك الأراضي لليهود بعد فرض الانتداب البريطاني على فلسطين وتعيين هربرت صمويل أول مندوب لها والذي كان منحازاً تماماً لليهود ومكنهم من الاستيلاء على أراض بالجملة كهدايا وهبات في غالبيتها تنفيذاً للوعد المشؤوم . الفلسطينيون من جانبهم أدركوا مخاطر الاستيطان اليهودي الذي زادت وتيرته في عهد الاتحاد والترقي مبكراً وحذروا السلطات العثمانية منه ، والدليل أن علماء فلسطين وصحفها نبهوا السلطات العثمانية عن هذا الخطر وطالبوها بمواجهته منهم الشيخ محمد طاهر الحسيني والشيخ سليمان التاجي الفاروقي ويوسف الخالدي، وروحي الخالدي، وسعيد الحسيني ونجيب نصار كما الصحف الصادرة بها في حينه كشفت المؤامرة الصهيونية على فلسطين كـ الكرمل، والدفاع، والجامعة العربية، وفلسطين و حصلت احتجاجات فلسطينية على ذلك ...
فحين أقدمت السلطات العثمانية على بيع الأراضي للمنظمات اليهودية الصندوق القومي اليهودي والصندوق التأسيسي اليهودي ، أبرزت الكـرمل سياسة السلطة العثمانية والانتداب البريطاني لتمليك اليهود أراضٍ فلسطينية كما قامت نابلس في تموز 1913م بمظاهرة ضد اعتزام السلطات العثمانية على بيع أراضي بيسان للمنظِّمة الصهيونية وأرسل مزارعو سهل بيسان برقيات احتجاجاً على ذلك. فالمشكلة إذن يعود أساسها للسلطات العثمانية ولتدخلات فرنسية بريطانية ألمانية في القرن التاسع عشر ، فكانت البدايات في تسريب الأراضي وانتهابها لصالح اليهود أثناء العهد العثماني ومن ثم الانتداب البريطاني الذي انتهى بقرار التقسيم أممياً بفضل الجهود البريطانية الأمريكية في العام 1947م رغم أن ما ملكه اليهود من البداية وحتى عام 1947م كان في غالبيته على شكل هدايا وهبات لم يزد عن 1.634.218 دونم منها (245.581) دونماً، (15 ٪) من هذه المساحة حتى عام 1914م ولا تصل لاكثر من 2% من المساحة الكلية لفلسطين ،وصلت إلى 35.1 % بفعل الهبات البريطانية سـنة 1948 ومجموع ما كانوا يملكونه دون الهبات البريطانية لا يتعدى 7% من المساحة الكلية لفلسطين، والآن 85% بعد أوسلو وربما يصل إلى 100% بموجب صفقة ترامب مهزلة القرن حيث النوايا تتجه بعد ضم الخليل والأغوار والمستوطنات ضم باقي أجزاء الضفة الغربية بضوء أخضر أمريكي ، وبلغ عدد المستوطنات في عهد السلطان عبد الحميـد عام 1907م نحو 27 مستوطنة في فلسطين كلها، قفز ليصبح 277 مستوطنة عام 1948م .
عبدالحميد الهمشري – كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت