اليرموك وسوق الصاغة

بقلم: علي بدوان

علي بدوان

سوق الصاغة


 

يتعجب البعض من البعيدين عن واقع اليرموك حين تُحدثهُ عن سوق الصاغة في مخيم اليرموك، ويتعجب أكثر حين يعلم بأن حجم التبادل والعمل في سوق الصاغة في اليرموك يَبِزُ ماهو عند محلات سوق الصاغة القديم في دمشق والكائن بين سوقي الحميدية والحريقة.

سوق الصاغة باليرموك، وقبل المحنة الأخيرة، حديث النشأة، وعمره أقل من ربع قرن، لكنه تحوّلَ بسرعة كبيرة ليصبح سوقاً حقيقياً، يرفِدُ حياة الناس بخدمات الصاغة، ويرفِدُ عموم دمشق وريفها بإنتاج جيد من ناحية المصوغات وموديلاتها وأشكالها وحتى رقة وجودة وفلسفة التعامل والشراء والتبادل وغير ذلك.

قبل ثمانينيات القرن الماضي لم يكن هناك اي محل لبيع الذهب في مخيم اليرموك، وكان الأهالي يشترون ويبتاعون الذهب ككل سكان دمشق، من سوق الصاغة الرئيسي وسط دمشق، في سوق (الحريقة)، السوق الموازي لسوق الحميدية، وكان اول محل لبيع الذهب وشراءه قد افتتح بمخيم اليرموك، بداية الثمانينيات لصاحبه (جورج حفتة) في شارع المدارس،حتى بلغ عدد محلات الذهب في المخيم أكثر من خمسين محلاً، أغلبها في شوارع : لوبية وصفد واليرموك وفلسطين، بالإضافة إلى أفتتاح سوق للذهب متفرع عن شارع لوبية، وقد غدت محلات الذهب في المخيم تخدم أهالي المخيم، والمناطق المحيطة به، مثل بلدات يلدا، وببيلا، والتضامن، والقدم .... وحتى من وسط دمشق، وعموم أحيائها، علماً بأنها محلات للبيع فقط وليست للصياغة. فورشات الصياغة أغلبها في بيوت بوسط دمشق، يأتي التجار بشنطهم، ويبيعون المحلات، ومن أشهر من تداول العمل بسوق الذهب في المخيم : أبو علي محمد الجمّال، نوري الأحمد، خليل  الصمادي، ومن عائلة الشهابي، وأبو عياش، ونبيل سويدان، ورشدان، وايمن بدران.

إذاً، بدأت محلات الصاغة تنتشر في اليرموك بمبادرات من أخوتنا من أشقائنا السوريين، لكن تلك الصنعة البديعة في فنونها وحرفيتها ومهاراتها لم تسمح لنفسها أن تكون بعيدة عن أبناء اليرموك من أصحاب الطاقات الدفينة في البحث عن مهارات في البحث عن صنعات وأعمال متميزة في فنونها ودقتها وفي مردودها، وهكذا آبت على نفسها تلك الصنعة أن تكون بعيدة عن (المعلمية) الفلسطينية الذين إخترقوها بمحلات متراكضة من الذهب والجواهر في أسواق اليرموك. فنشأ سوق الصاغة في مخيم اليرموك بمحلات مُتفرقة هنا وهناك على شارع اليرموك وشارع فلسطين وشارع المدارس وشارع لوبية منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي معتمداً على الشراء والبيع (شراء ذهب كسر) على حد تعبير الجوهرجية، أي لإعادة صياغته في موديلات جديدة، وبيع ذهبٍ جاهز من حلي وأساور، لكنه بات سوقاً ذي حضور وتأثير مع نهاية الثمانينيات، خاصة تلك المحلات التي أقيمت على زاوية له تُعَدُ بنحو (12) محلاً، تَطُلُ على شارع لوبية وعلى ساحة المخيم، وبالتحديد في الحارة الفرعية عندما نَلِجُ بإتجاه بناء المرحوم نايف عودة (أبو العميد)، ومنزل محمد جمّال (أبو علي)، الصائغ المعروف وصاحب الحضور الإجتماعي والوطني في اليرموك.

سوق الصاغة في اليرموك، بات في سنواته الأخيرة موئلاً لزبائن من كل المناطق المحيطة باليرموك وحتى من وسط دمشق، خصوصاً لشراء مصوغات الأحباب والعشاق والعرسان وماخلاها وتلاها.

سوق الصاغة، زُخرف من زخارف اليرموك، وعنواناً في متاهاته، لايهم إن كان لفقير أو لغني، المهم أنه إنتاجٌ نما وكَبُرَ في موئل فلسطيني لشعبٍ يريد الحياة تحت الشمس، في سورية وفي فلسطين غَدِهِ المنتظر.

بقلم علي بدوان

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت