فتح القراران بقوانين المتعلقان بتقاعد من هم بدرجة وزير العديد من القضايا المتعلقة بالتشريع والمال العام والإدارة العامة ومدى حساسية الحكومة للاستجابة للنقاش المجتمعي. صحيح أن الحكومة لم تشارك على ما يبدو في حياكة تعديل قانون التقاعد أو تعديل قانون تقاعد السياسيين الا أنها تأخرت في اتخاذ الاجراء الواجب للاحتجاج أمام الرئيس على سلبها حقها الدستوري باقتراح مشاريع القوانين وتنسيبها "الحصري" وفقا لأحكام القانون الأساسي خاصة في ظل حل المجلس التشريعي من الناحية الشكلية أي على الجهة المقدمة لهذين القانونين. وكذلك الاحتجاج من ناحية المضمون على النصوص التمييزية لصالح فئة محددة ومحدودة من الموظفين العامين "من هم بدرجة وزير ورؤساء الهيئات الحكومية غير الوزارية ومن بحكمهم" بمد العمر الوظيفي لسن الخامسة والستين والحصول على رواتب تقاعدية بدون دفع اشتراكات، والتضرر المحتمل للقدرة الاستثمارية لصندوق التقاعد من جراء عدم توريد اشتراكاتهم ومساهمات الحكومة، وفتح مجال لأشخاص للتهرب من هذا الالتزام مستقبلا، والتكلفة المالية التي ستتكبدها الخزينة العامة مستقبلا جراء تطبيق هذين القرارين، خاصة في ظل الأوضاع المالية الصعبة للسلطة الفلسطينية وسياسة التقشف التي تتبعها الحكومة لمواجهة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا والاثار الاجتماعية العميقة المترتبة عليها.
في المقابل أبدت الحكومة ورئيسها حساسية عالية، وهو أمر هام، لمواقف الجمهور الفلسطيني الغاضب بسبب الاجحاف الذي شعر به، والشعور بالظلم الذي لحق بالقاعدة الخاصة المساندة لنظام الحكم، والتي لديها مصالح مشتركة بالحفاظ على شرعية النظام وهي مستعدة للدفاع عن هذه النخبة، من موظفين ومتلقين للخدمات الحكومية والمستثمرين.
مما لا شك فيه أن اعلان القرارين بقانونين والاحتجاج والتراجع وفرت فرصة، وكما تقول الحكمة "رب ضارة نافعة"، لنقاش جدي وجوهري وجريء في مسائل متعددة تتعلق بالإدارة العامة. فقد طرحت من جديد مسألة تقاعد السياسيين "النواب والوزراء ومن ثم المحافظين" باتجاه الغاء هذا النوع من التقاعد الذي يرهق الخزينة العامة ويهدر أموال دافعي الضرائب، ودمج من يستحق منهم تقاعدا وفقا لقانون التقاعد، القائم على التكافل والتضامن بدفع الاشتراكات والمساهمات في زمن الشباب والقوة للحصول على رواتب تقاعدية في زمن الكهولة، أما غير المؤهلين للحصول على رواتب تقاعدية وفقا للقانون يتم التعامل معهم وفقا لقانون العمل لوقف تحمل الخزينة العامة ودافعي الضرائب وزر قانون تقاعد السياسيين. ووقف التمييز القائم بين عليّة القوم وصغار القوم ممن يقومون بتقدم الخدمة العامة. كما أن ذلك يمنع وللأبد الولوج عبر منافذ ومعابر وبوابات وعبارات للاستثناء أو الحصول على امتيازات غير مستحقة.
كما فتحت الامر لإعادة النظر في سن التقاعد لناحية الالتزام الصارم لوقف عقود التمديد للموظفين الذين تجاوزوا سن الستين عاما خاصة لمن هم في مناصب إدارية عليا (رؤساء هيئات ومؤسسات ووكلاء وزارات) بهدف ضمان احترام قانون الخدمة المدنية وقانون التقاعد وضمان ضخ دماء جديدة في رئاسة الهيئات والمؤسسات والوظائف العليا في الوزارات وتجديدها وحماية حق الموظفين في الوصول لصنع القرار فيها بهدف تشجيع الموظفين لبذل مزيد من الجهد أثناء سنوات خدمتهم وفتح المجال للمنافسة بينهم في تميز الأداء.
في ظني أن اكتشاف هذان القراران بقانونين بهذه الطريقة تدعو الحكومة الى الانفتاح ومزيد من الشفافية بإطلاق منصة التشريع بحيث يتم عرض مشاريع القوانين على الموقع الالكتروني لمجلس الوزراء للحصول على أراء ومواقف المواطنين ومنظمات المجتمع المدني وهي أداة قياس لتوجهات الجمهور والمشاركة الشعبية في صنع القرارات السياسات.
وركزت النظر في التكاثر غير الطبيعي للمؤسسات الحكومية غير الوزارية من ناحية العدد وصيغها وبناء الداخلي وقيادتها وتعدد مرجعياتها والامتيازات التي يحصل عليها رؤسائها وطبيعة تعيينهم. أي بمعنى آخر هذه فرصة لدى الحكومة للنظر بموضوعية، دون حساسات شخصية أو نزعات تسلطية، لهذا الملف لمنع الازدواجية، ولترشيد النفقات وحماية المال العام ورشاقة جهاز الخدمة العامة وتحسن جودة الخدمات. كما يمكن النظر الى تحديد سقوف زمنية لمدة بقاء أي رئيس هيئة أو مؤسسة في منصبه كما هو الحال في ديوان الرقابة المالية والإدارية وهيئة مكافحة الفساد وسلطة النقد.
كما يمكن للحكومة أن تحدد الوظائف القائمة على الولاء، أي الموظفين والمستشارين، والتي تنتهي خدمتهم مع انتهاء فترة عمل السياسي سواء رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو الوزراء أو النواب دون تحميل الوظيفة العامة تعيينات سياسية قائمة على الولاء للأشخاص السياسيين. وفي الوقت ذاته تحمي الموظفين العامين من التنافس للحصول على رضا السياسيين، وتحافظ على حصانة وظيفيتهم وعلى مهنيتهم عند تقديم الآراء والمواقف عبر العمل أو الاستشارات المقدمة للمسؤولين من طرفهم.
جهاد حرب
الجمعة: 1/5/2020
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت