تتوالى النكبات ... والمصير واحد

بقلم: احمد لطفي شاهين

احمد لطفي شاهين

وفقا لمؤتمر سان ريمو تم تسليم فلسطين للاحتلال البريطاني اعتبارا من 1920 والى 1948 تمهيدا لتفريخ العصابات الصهيونية على الاراضي الفلسطينية ضمن صفوف ما يسمى الانتداب الذي هاجم مدن فلسطين وقصفها بالمدفعية من عام 1927 م وعمليا مارست العصابات الصهيونية هجمات متكررة على شعبنا واستمرت الهجمات العسكرية المتتابعة بضغط يومي على كل القرى والمدن الفلسطينية وارتكب اليهود مئات المجازر بحق شعبنا لترويعه وتشريده واستمر الحال كذلك الى ان تم اعلان قيام دولة الاحتلال في 15 ايار وبعد هذا التاريخ استمرت المجازر فلم تكن دولة الاحتلال قد استكملت تشريد اجدادنا  واقتلاعهم من جذورهم التاريخية

بجوار قريتي الاصلية (( قبيبة شاهين )) كانت توجد قرية مجاورة اسمها بشيت وتم احتلالها وتشريد اهلها بالكامل في 13 / ايار 1948 وانطلقت قوات الفدائيين من قرية القبيبة لتحريرها من عدة محاور وتكررت محاولات استعادتها وتقدم الفدائيون بشكل ملفت لكن العصابات المدعومة جويا من الاحتلال البريطاني صدت الهجوم الفدائي بعد ايام وسقط العديد من الشهداء كان من ضمنهم احد كبار عائلتي الشهيد محمود رفيق احمد شاهين وكان ذلك بتاريخ  25/ ايار وتم عمل عزاء رغم سوء الاوضاع  الامنية والعسكرية ولكن في ثالث يوم من العزاء  تم الهجوم على (( القبيبة )) وتم تهجير اهلها جميعا دون استثناء وبشكل غير متوقع وبهجوم جوي وبري ومدفعي غير مسبوق عليها وعلى القرى المجاورة لها واضطر الاجداد لترك كل ممتلكاتهم فجأة ولم يخرجوا الا بملابسهم فقط....فجأة تركوا البيارات والأراضي والأشجار والذكريات والطيور والحيوانات والأثاث وكل المستلزمات ...والبعض خرج حافيا لأنه كان يوما خارجا عن التصور الانساني الطبيعي وكانت مكبرات الصوت تهدد وتحذر وتنذر من يتبقى وهاجر الاهالي وبقي الفدائيون يحاولون المقاومة بأبسط البنادق لكن دائما  تنتصر السيطرة الجوية في المعارك في ظل بساطة الامكانيات العسكرية الفلسطينية ( دائما) .. وبدأ مسلسل الهجرة لعائلتي مترافقا مع مسلسل المقاومة للفدائيين وترافق ذلك مع مسلسل الاستهداف والملاحقة الصهيونية من الايام الاولى لإعلان قيام دولة الاحتلال حيث تم استهداف الفدائيين الشهداء الاخوة محمد وجبر جبر يوسف شاهين ووالدتهم بإسقاط براميل متفجرة على منزل صديقهم الذي  لجئوا له في قرية حمامة وهذا الصديق من عائلة المسارعي وبالمناسبة استشهد هو وعائلته معهم .. رحمهم الله جميعها......... .. هذه قصة واحدة فقط من آلاف القصص التي توارثناها من اجدادنا قبل ما يقارب 70 سنة وهي قصة خاصة بعائلتي وبلدتي الاصلية وفي كل بلدات فلسطين تتشابه القصص والبطولات الفدائية الفلسطينية وربما أنا من الجيل الذي لا اعرف بالضبط مكان بلدتي على الارض لانني لم اتمكن من زيارتها.. لكنني على الخريطة اعرفها جيدا وأتصورها في خيالي واحتفظ بكل ما يتعلق بها واحفظ في شراييني كل الاحاديث التي توارثناها وسمعناها من اجدادنا عن بطولات الفدائيين الفلسطينيين من كل  العائلات والبلدات الفلسطينية  بلا استثناء...  ولذلك سقط الرهان الصهيوني الخسيس الذي قال ( يموت الكبار وينسى الصغار ) فالتاريخ الفلسطيني توارثناه وعلمناه لأبنائنا الصغار وأورثناهم مسؤولية نقل هذا الارث الوطني لأبنائهم لأن القصص البطولية الفلسطينية رواها اجدانا وافتخروا بها وعلمونا اياها لزرع الرجولة والبطولة فينا ونحن ورثنا عزهم وفخرهم وكبريائهم  ولذلك  ورغم موت اجدادنا .... لكن استطاع جيلنا ان يقلب الطاولة على المحتل سنة  1987 بعد اربعين سنة وبعد ان ظن الاحتلال انه استطاع التطبيع معنا وظن اننا نسينا لكنه تفاجأ بالحجارة والسكاكين في كل مكان بأيدي اطفال الحجارة ... ثم جاءت السلطة الوطنية الفلسطينية وظن العدو ان عملية السلام ستجعل منا عملاء لكن سقط رهانهم وكان لأبناء اللاجئين الى غزة شرف الانتشار في الضفة وشرف التعاون مع ابناء الضفة لإنشاء تنظيمات مسلحة واستطاع هذا  الجيل اللاحق ان يقلب الطاولة مرة اخرى سنة  2000 في انتفاضة الاقصى ثم حصلت كل هذه الحروب والنكبات الثلاثة الاخيرة على غزة لكن النتيجة ان العناد عندنا كفلسطينيين يزداد لذلك استطاع الجيل اللاحق  ان يقلب عمق الكيان الصهيوني اخيرا من الداخل في انتفاضة القدس  بالسكاكين والبلطات والدهس وغير ذلك من اشكال المقاومة الشعبية انتقاما لدماء وتضحيات شعبنا

لماذا اقول كل هذا الكلام ؟؟ لان شعبنا شعب ثوري جينيا.. فالطفل الفلسطيني دون اطفال العالم يعشق اللبس العسكري واللعب بالبنادق  والبنت الفلسطينية تفتخر ان خطيبها فدائي او مطارد او معتقل أو شهيد ..والأم الفلسطينية دون نساء العالم تفتخر بان ابنها شهيد وتزغرد ولا تبكي امام الكاميرات وتكتم لوعتها  بكل جبروت فالشعب الفلسطيني يحمل في جيناته الوراثية الحفاظ على الشرف والكرامة و حب الارض والتحدي والعناد  والمقاومة وعدم الاستسلام للمحتل بأي صورة من الصور وهذا الشعب المنكوب يؤمن انه لو كان عشقنا لبلادنا جريمة فلنكن مجرمين ... وانه اما ان نعود بشرف وكرامة الى الارض المحتلة واما ان نموت بشرف وكرامة من اجل ارضنا....وهذه قاعدة مطلقة عند كل ابناء شعبنا بلا استثناء.. لذلك فإننا اذا كنا وافقنا على السلام وتنازلنا مؤقتا من حدود النكبة الى حدود النكسة (( ورضينا بالهم والهم لم يرضى فينا ))  فإنه سينقلب السحر على الساحر وسيقوم الجيل القادم خلال السنوات اللاحقة بقلب كل الموازين وستندم دولة الاحتلال على كل تعنتها وستتمنى انها عقدت سلاما حقيقيا لتحافظ على وجودها وهذا هو المصير المحتوم لكل ما يجري في المنطقة.. فهذا الاسلوب الصهيوني القذر حاليا من التعنت والغباء السياسي والحصار يعني ان دولة الاحتلال تحفر قبرها بيديها ولابد ان يكون الانفجار بوجه الاحتلال مهما حاولوا تعميق خلافاتنا لأننا كلنا نعرف ان الاحتلال هو سبب كل مصائبنا من 70 سنة ولابد ان نحاسب المسئولين الصهاينة عن هذه النكبات المتتالية عبر العقود الماضية .. فالتهجير بحد ذاته نكبة ... ومصادرة الاراضي الفلسطينية نكبة ... والاعتقالات والتعذيب نكبة ... و الاصابات بكل انواعها نكبة ... والهدم والمصادرة نكبة .. والإبعاد عن ارضنا نكبة .... والحروب المتتالية نكبة .. وأزمات الماء والكهرباء والغاز نكبة ..وأزمة الخريجين نكبة ..وأزمة البناء والزواج نكبة .. والبطالة نكبة ..وحرق الناس لأنفسهم نكبة .... والمستقل المجهول لكل الجيل الصاعد نكبة ..ودموع امك اثناء سماع اغنية قديمة تذكرها ببلادنا نكبة .. وحرقة قلب ابيك على ارضنا التي يتذكرها ويروي لك جمالها نكبة... وشعورك بالقشعريرة عند رؤية مشهد دموي او اقتحام للأقصى نكبة .. وسماع أغنية وطنية وتفاعلك معها وبكاء البعض من اغنية ( سموني لاجيء ) لأحمد قعبور فهذه نكبة ايضا ...
وأخيرا...  فإن شعورك بالعجز عن الانتقام (  حاليا )  نكبة...
إن كل تلك النكبات المتتالية  وكل ذلك التاريخ الاسود الذي تركه لنا الاحتلال الصهيوني يجعل من مصطلح النكبة تعبير مختزل ومختصر جدا عن معاني وكوارث انسانية فظيعة لا يمكن وصفها في مقال بسيط ولا يمكن ان يشعر بها الا من عاش احداثها وذاق مرارة التشرد والتهجير وقسوة البرد وحسرة الفقد ولوعة الفراق
ان المصير المحتوم لقضيتنا وشعبنا ونكباتنا المتتالية في هذه المرحلة انه ستنقلب كل الموازين قريبا لصالح شعبنا  لان  الانفجار الفلسطيني  للجيل القادم .......قادم حتما سواء تصالح السياسيين ام استمر انقسامهم (على بلديات قطاع غزة) والانفجار القادم لن يستثني احد ولن ينجو منه الا من  كان مع الشعب بقوله وبفعله وتصرفاته وسيذهب الى الجحيم كل اولئك المتغطرسين والمنفصلين عن الجماهير بسياراتهم ومكاتبهم وقصورهم ومشاريعهم الخاصة وسيدفعوا الثمن باهظا لأن القضية الفلسطينية ليست مشروع استثماري خاص لأحد... بل هي قضية اسلامية عربية فلسطينية ثم عالمية

ختاما... لن يشعر بنا احد الا(( الله ))الذي نشكوا له كل لحظة ظلم الاعداء وظلم الاخوة المتخاذلين   ثم لن يشعر بنا الا نحن .. نحن ابناء الكارثة التاريخية التي يقال عنها نكبة اختزالا... ومادمنا نحن المنكوبين نتقاتل وننقسم ونتجادل حول مواضيع حياتية فكيف سيستجيب الله لدعائنا ؟؟؟ نتقاتل من اجل جزء صغير جدا لجأ اجدادنا اليه اضطرارا ورفضوا شراء الاراضي فيه لان الكل يؤمن انه سيعود خلال ايام  ؟؟؟ هل كانت حكمة اجدادنا كبيرة الى هذا الحد ؟؟ هل نحن الذين توارثنا كل مقومات البطولة والتحدي لم نتوارث الحكمة ؟؟    أم ان الحكمة نبعت من الارض المحتلة  نفسها لأجدادنا فقط ؟؟
اتمنى ان ننفجر قريبا في وجه الاحتلال الصهيوني وكلابه وخنازيره البرية وخنازيره البشرية من المستوطنين الجبناء  وأن نسترد كامل حقوقنا التاريخية في فلسطين المحتلة وليذهب الاحتلال الصهيوني الى الجحيم

و يارب (ينكبهم ) كل المسئولين عن ظلم شعبنا في كل زمان ومكان.... قولوا آمين


د. احمد لطفي شاهين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت