ها قد ظهرت مسودة المشروع التمهيدي لتعديل الدستور، بعد أشهر كما قال الرئيس عبد المجيد تبون، أثناء أدائه القسم بعد رئاسيات 12 ديسمبر الماضي، واعدا "إن تعديل الدستور سيكون خلال الأشهر القليلة القادمة "، وها هي هذه الفترة لم تستهلك بعد، ليتم الشروع فعليا في مناقشة المسودة الجديدة، كعربون لجدية المسعى ولبداية التغيير العملي، الذي لا طالما دعا إليه السياسيون والأحزاب والشخصيات الوطنية والخبراء وكذا عامة المواطنين.
مباشرة بعد الإفراج عن مسودة تعديل الدستور من طرف رئاسة الجمهورية، والذي حملت في طياتها عديد النقاط المهمة، للنقاش وإبداء الرأي من باب الشفافية، بالأحرى فعرضها على مختلف الأطراف السياسية والإعلامية والتنظيمية والجمعيات والمجتمع المدني والأكاديميين والطلبة والنقابات لذات الغرض، يترجم وفاء التزامات الرئيس تبون، في سياق خطوات بناء الجزائر الجديدة، التي طالب بها حراك 22 فيفري، وحلم بها كل الجزائريين، ومن ثم التمهيد لبناء أرضية وورشات إصلاح وتغيير لبناء دولة القانون وتوازن السلطات بحيث يصبح لكل واحدة صلاحياتها الخاصة، لا تتداخل ولا تقبل بسيطرة التنفيذية واحتكار القرار، فضلا عن فتح المجال لضمان الحقوق والحريات والرقابة على مختلف السلطات العامة، وغيرها من المتغيرات في نظام الحكم، العهدات والممارسة الديمقراطية والتشريعية في محيط متغير ومفتوح حول خيارات استكمال بناء الدولة الوطنية الحديثة، ناهيك عن عدة نقاط إيجابية أقرها المشروع، الذي جاء لإعطاء ديناميكية جديدة للحياة العامة، منها الحفاظ على الهوية والثوابت الوطنية كدينِ الدولة ولغتها الرسمية، وحظر خطاب الكراهية والتمييز وإدراجِ الأمازيغية ضمن المواد الصماء غير القابلة للتعديل للحفاظ على وحدة الوطن والشعب، مرورا بحماية وصيانة الوحدة الوطنية بكل أبعادها من التلاعبات والانحرافات التي ظهرت هنا وهناك، والتقيد بتجسيد بيان أول نوفمبر 1954 باعتباره المرجعية الوحيدة منذ المقاومة الشعبية ونضال الحركة الوطنية، هذه المرجعية التي وحدتنا وحررتنا من كل القيود والاغلال التي فرضها علينا الاستدمار الفرنسي طيلة 132 سنة، مع الاخذ بعين الاعتبار بالمرجعية الدينية للامة الجزائرية المتمثلة في إنتهاج المذهب المالكي، الذي لا يختلف اثنان لكون دسترته يغلق باب التطرف والتشدد والتصدي للأفكار الدخيلة عبر عدة أليات قانونية على غرار حماية الأمن الفكري، وإرجاع الهيبة للمساجد والزوايا والمدارس القرآنية، حتى تلعب دورها المنوط بها لكونها ضامنا لحماية الوحدة الوطنية والمحافظة على هوية شعبه.
من الطبيعي أن ما جاء في مسودة الدستور التي صاغها خبراء قانونيون من خريج الجامعة الجزائرية يدعو لفتح نقاش جاد، في مظهر من مظاهر الديمقراطية بل في أبهى صورها، وهي إعطاء الكلمة للشعب من خلال استشارته كلما استدعت الضرورة وهذا ما يترجم ما طرحته الدولة للرأي العام لتنويره ومشاركته وإبداء رأيه في مسودة هي طبعا مجرد مقترحات، قابلة للإثراء والإضافة والحذف والرفض أيضا، أليس هذا تعامل من نوع خاص، التي تجسده المؤسسات الرسمية بكل شفافية لسماع صوت المواطن، ولان المسودة طُرحت من أجل هذا، فلو كان هناك أحادية وفرض لما تم نشرها وأنتهى الامر...!!، ولكن نريد نقاش وإثراء بعيدا عن لغة العنف، وإثارة بعض القضايا التي تُوسع الهوة بين الجزائريين، وهذا ما يعمل عليه أعداء الوطن منذ سنوات طويلة، بغرض إضعافهم وتحضيرهم لعملية التشتيت والتمزيق والتقطيع، التي تُشكل أهم الجمرات التي قد تُوقد الفتنة، وتُثلج صدور الحاقدين على الجزائر، الذين ننصحهم بعدم اللعب بالنار لأنها ستحرقهم وتحرق مُشغليهم لا محالة.
ها وقد وزعت المسودة، وسط تفاؤل كبير لدى الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية عند التعرف على الأحكام التي تتضمنها، إضافة إلى طبيعة التعديلات المقترحة، من أجل الاعتكاف على دراستها ومن ثم السير بالجزائر في الطريق الآمن والمستقر، الذي يجعل منها بلدا قويا سياسيا وإقتصاديا وعسكريا.
بقلم :عماره بن عبد الله – كاتب جزائرى
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت