الرياضة في سجون الاحتلال ... راحة أسير وخوف سجان

بقلم: خليل إبراهيم العلي

خليل العلي

سجون الاحتلال
 

تعتبر الرياضة من أهم العوامل العلاجية للصحة النفسية والجسدية ومن أجل ذلك نصح بها الأطباء والمتخصصون في العلم الطبي العام والطب الرياضي والصحي والنفسي، ثم كان العلاج بالرياضة من أهم العلاجات في مستشفيات العالم الحديث.

وفي السجون العالمية تعتبر الرياضة الملاذ الأول للأسرى لعلمهم بأهميتها على الجسد والفكر والنفس، وفيها مساحات كبيرة للرياضة وأجهزة عالمية متطورة تقدمها الجمعيات وإدارة السجون، وذلك التزاماً بتوصيات مؤسسات حقوق الإنسان والصليب الأحمر الدولي. ويشارك السجناء في كافة البطولات والدوريات في السجون وبإشراف لجان متخصصة منبثقة من إدارة السجون ومن جهات رسمية رياضية.

رياضة خجولة جداً في سجون الاحتلال حولها الأسرى إلى حياة

في سجون الاحتلال يختلف الأمر كلياً عن سجون العالم والإنسانية من كل النواحي ومنها الجانب الرياضي حيث أن سجون الاحتلال كانت تمنع السجناء حتى بداية الثمانينيات من ممارسة أي نشاط رياضي حتى الهرولة أو المزاحمة، وبعد سماحها بممارسة بعض الرياضات فهي تمنع السجناء من ممارسة كثير منها كرياضات بناء الجسم والقوة وتكتفي بالسماح ببعض الرياضات الخفيفة لعلمها بإيجابيات الرياضة على السجين وهو الأمر الذي لا تحبذه أن يكون.

كيف يمارس الأسرى في سجون الاحتلال رياضاتهم وما هي أنوعها؟

يقول الأسير المحرر د. محمد القرم :أهم الرياضات التي كنا نمارسها هي رياضة الجري الصباحي في فترة الفورة الصباحية (الفرصة ) وكانت تقسم الى قسمين القسم الأول هو الجري الثنائي بشكل طابور وكنا نتحدث مع بعضنا البعض مدة الركض والقسم الثاني كان عبارة عن تمارين سويدية ولياقة وكنا ننقسم فيها الى مجموعات ، وكل مجموعة لها مشرفها وكذلك رياضة كرة الطائرة والطاولة والسلة حيث تقام نشاطاتها في الفورة الثانية .

ويرى الأسير السابق عصمت منصور، أن رياضة الجري هي أهم رياضة في السجن، حيث تفتح إدارة السجون للأسرى غرفهم من الساعة السادسة وحتى السابعة صباحًا وتسمى هذه الفترة بـ"فورة" الرياضة.

ويقول فخري البرغوثي (اسير محرر أمضى 33 عاما في سجون الاحتلال ): "كنت أمارس رياضة الركض يوميًا مدة ساعة في الفورة الأولى الصباحية ، وفي الفورة الثانية كنت أمارس التمارين الأخرى، حيث أصبحت الرياضة إدمانًا"، مضيفًا أن للركض الصباحي "لذّة" عند هطول الأمطار في سجن عسقلان وغيره من السجون ذات الرطوبة المرتفعة.

الاحتلال يخاف قوة الأسير فمنع رياضات القوة

وعن الرياضات الممنوعة يقول د. محمد القرم أن إدارة السجون كانت تمنع السجناء من ممارسة أي نوع من الرياضات التي فيها قوة مثل الكاراتيه والجودو وغيرها وكانت عق  بة من يلعب هذه الألعاب السجن الانفرادي. ورغم ذلك وفي سجن مجدو ومع الأسير عادل عوض الله كنا نمارس سراً بعض ألعاب الكاراتيه والقوة وبشكل جميل ومنظم وكانت هذه الأوقات تعتبر الأسعد لنا.

وعن أهم رياضة غير تقليدية التي كانت تسعد السجناء يتابع القرم : تلك الرياضة المصحوبة بالمرح كشد الحبل أو مسابقة الجري والماراتون (اصطلاح أطلقه الأسرى على عدد المرات التي يدور فيها الأسير حول القاعة )التي كانت مصحوبة بالحماس والتشجيع والفرح .

وفي الوقت الذي كانت سجون العالم عبارة عن أندية رياضية كنا في سجون الاحتلال نمارس رياضية رفع الأثقال سراً بقوارير الماء الكبيرة التي كنا نربطها بوتد من الخيمة طوله متر ونصف تقريباً ليصبح أداة أثقال .

أما الأسير المحرر عصمت منصور فيشير إلى تدخل إدارة السجون لمنع ممارسة التمارين القتالية أو تمارين الكاراتيه، حيث لا يسمح بكل الرياضات، ومن اللا شيئ يمارس الأسرى في السجون رياضة كمال الأجسام، وهنا يقول منصور (20 سنة في الأسر) إن هناك آلية خاصة لصنع الأثقال، حيث يتم تعبئة زجاجات المياه الفارغة بالملح، بسبب عدم وجود باطون وتراب لتعبئتها، ويتم استخدام هذه الزجاجات في ممارسة تمارين رفع الأثقال وبناء الأجسام. لكن إدارة السجون كانت عند الاقتحامات تصادر هذه الزجاجات، لذلك يمارس الأسرى رياضة بناء الأجسام خفية داخل الغرف.

ويقول البرغوثي: هذه التمارين تعطي نتائج جيدة، وتبرز العضلات على الأسير، ويتم زيادة الوزن المستخدم بشكل تدريجي، كما هو الحال في الأندية المتخصصة خارج السجن، ولكن ما ينقص الأسرى هو التغذية الخاصة أما بقية الرياضات مثل كرة السلة وكرة الطائرة وتنس الطاولة يمارسها الأسرى في مختلف أوقات النهار (في فترة الفورة).

المسابقات والدوريات والجوائز في المناسبات الوطنية في السجون

ويقول د. القرم: كنا نقيم البطولات في المناسبات الوطنية وفي ذكرى الشهداء وكانت المنافسة تعبر عن انتمائنا الوطني بعيداً كليا ً عن الحزبية. وأما الجوائز التي كانت تقدمها لجان الرياضة في السجون فهي عبارة عن بسكويت أو عمل يدوي من صنع الأسرى ولم تكن للجائزة قيمة بقدر الفرح والسرور الذي ينتج عن هذه المنافسات الرياضية.

ويقول الأسير المحرر عصمت منصور: إن اللجان الرياضية المنبثقة عن اللجان الوطنية في السجون تنظم مسابقاتٍ رياضية بين الأسرى، وتُقام بين الغرف أو بين مجموعات من الأسرى، أو حتى بين التنظيمات. ويتابع منصور بالقول: إن المسابقات تكون في الرياضات المعروفة مثل تنس الطاولة والسلة والطائرة، إضافة لمسابقاتٍ خاصة بهم، مثلاً: الأسير الذي يركض أطول فترة ممكنة، الأسير الذي يمارس الضغط أكثر وهكذا. ومن يفوز في المسابقة، يأخذ حبة "بفلة" وهو نوع من البسكويت، أو حبة شوكولاتة، أويتم إعفاؤه من الجلي، وهي "جوائز رمزية، فقيمة الفوز المعنوي هي الأهم للأسير.
ومن المناسبات الرياضية الفريدة في السجون أن يتم تنظيم ماراثون ركض خاص في المناسبات الوطنية، مثل تخصيص ركض ساعة كاملة تسمى "ماراثون" على شرف الشهداء أو المناسبات الوطنية.

أهمية الرياضة للأسرى

ويقول د. القرم: الرياضة في السجن رغم عدم توفر مستلزماتها جعلت مني أنساناً آخر بعد أن كنت دائم التفكير والنوم، ومع السجين محمد عزام تعرفت على أهمية الرياضة بالنسبة للسجين، حين كنت ألعب تنس الطاولة والطائرة. ويقول : وللحقيقة فإني بعد ممارستي للرياضة في السجن تغيرت حياتي للأفضل، فإلى الجانب العبادي كالصلاة وقراءة القران ومطالعة الكتب كانت الرياضة للأسرى عاملاً مؤثراً جداً على حالتهم الجسدية والنفسية والاجتماعية .

ويتابع د. محمد القرم: إن العلاقات الاجتماعية والصداقة والتعرف على الأسرى كانت تزداد في ممارستنا للرياضة خاصة في الفترة الصباحية حيث كنا نركض جنباً الى جنب ونتحدث ونتعارف ثم نلتقي في الفورة الثانية ونوطد علاقاتنا مع الأسرى من كافة الاتجاهات السياسية والحركية .

ويقول البرغوثي بعد تحرره : "في السجن من دون رياضة وحركة من المستحيل أن يحافظ الأسير على جسمه من الأمراض، والرياضة مهمة للحفاظ على نفسية الأسير، لأن البقاء على السرير يؤدي على استفحال الأمراض". وتابع، "من فوائد الرياضة في السجن، نسج العلاقات الاجتماعية بين الأسرى". بينما يقول منصور، إن الرياضة في السجن "مهمة ليس من باب الاستعراض وفرد العضلات، ولكنها عامل من عوامل الصمود في السجن، فكلما حافظ الأسير على جسمه يصمد أكثر". وأشار إلى أن الرياضة وبناء الأجسام لها أهميتها في الصدامات مع الإدارة والتصدي لحالات القمع والدفاع عن النفس من اعتداءات السجانين.

لن يطول السجن ولن يبقى السجان وسيعود الأسير الى بيته محرراً حراً كريماً وإن قضية الأسرى هي قضية الأمة ولا يفصلها 'عن قضية المقدسات شيء لإن منارات التحرير لاح نورها ومشاعل النصر قد أشعلت وطيور الحرية بدأت تغرد حريتها وربيع فلسطين سيزهر بتحرير الأسرى والمسرى والأرض والإنسان بإذن الله.

بقلم: أ. خليل العلي، مدير المؤسسة الفلسطينية للشباب والرياضة في لبنان.
المؤسسة الفلسطينية للشباب والرياضة في لبنان

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت