أقيم المعسكر الأول لحركة فتح وجناحها العسكري (قوات العاصفة) نهاية العام 1964 وبدايات العام 1965 في منطقة البساتين الواقعة شرق مخيم اليرموك، وتحديداً في المنطقة المعروفة باسم (قناة ترانس) أو مابات يُعرف بمنطقة (دف الشوك) أو (حي الزهور) الشعبي وإمتدادته في عمق تلك البساتين سنتذاك، حيث لم يكن من وجود سكاني في عموم تلك المنطقة.
المعسكر كان بالأساس تابعاً للحرس القومي في سوريا، وتم إهدائه لحركة فتح، حيث وضعت في مستودعاته الدفعة الأولى من السلاح الجزائري الذي وصل لحركة فتح من الجزائر عبر مطار المزة، موقعاً بإهداء خاص من القيادة الجزائرية والعقيد الطاهر الزبيري وزير الدفاع الجزائري في حينها.
ولكن، وبعد فترة من الزمن حل مكان حركة فتح في المعسكر المُشار إليه تنظيم عسكري فلسطيني أخر حمل إسم : جبهة التحرير الوطني الفلسطينية (ج ت ف) بقيادة حسن الصباريني (أبو حلمي)، وهو تنظيم صغير إندمج عام 1972 بحركة فتح.
وبعد ذلك بدأ الإنتشار الكبير لمعسكرات حركة فتح في عموم المناطق، وفي قلب غوطة دمشق في : زملكا، حمورية، حزة، وبيت نايم (معسكر صلاح الدين)، سقبا، عدرا، عين الصاحب .... وكان أهمها على الإطلاق معسكر الهامة، وهو المعسكر التاريخي لحركة فتح قوات العاصفة. وصولاً لمصياف ويبرود وطرطوس حيث القاعدة البحرية لحركة فتح في منطقة (برج إسلام).
ويُعَدُ معسكر (الهامة) العسكرية ومعه معسكر (ميسلون) القريب منه، نقطة الإنطلاق التي تدفق منها فدائيو قوات العاصفة أثناء التمدد الفلسطيني نحو أغوار الأردن وجبهة جنوب لبنان. ومن (معسكر) الهامة إنطلق مقاتلو معركة الكرامة في 21/3/1968، وفي معسكر الهامة كان الشهيد ياسر عرفات يتخذ مكتباً خاصاً له في مراحل الإنطلاقة الأولى، ليقضي معظم أوقاته إلى جانب القائد الأول للمعسكر الشهيد أبو علي إياد ومقره في المعسكر في المغارة التي كانت تعرف بـ (مغارة أبو علي إياد) ومعه (محمد الفيومي) الملقب بـ (الشرخ).
والشهيد وليد أحمد نمر نصر الحسين (أبو علي إياد) من مواليد قلقيلية في الضفة الغربية، من القيادات التاريخية المؤسسة لحركة فتح، عمل بسلك التعليم في الخليج العربي. وأصبح بعد الإنطلاقة المسلحة أحد أعضاء القيادة العامة لقوات العاصفة وقائد معسكر الهامة. قاد القوات الفلسطينية التي حوصرت في أحراش جرش وعجلون عام 1971، وفقد هناك بعد أن إجتاح الجيش الأردني المناطق المذكورة، وتشير مصادر حركة فتح وقوات العاصفة إلى أن آخر برقية لاسلكية أرسلها من الحصار، حملت العبارة التالية : "نموت واقفين ولن نركع".
تَخَرَجَ من معسكر الهامة الألوف المؤلفة من قادة ومقاتلي حركة فتح وقوات العاصفة، وقد بات المعسكر معلماً تاريخياً في مسار الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية المعاصرة للشعب الفلسطيني. ويكفي أن يحدثك أحد، فخراً وإعتزازاً، من الرعيل الفتحاوي والوطني، ليقول لك بأنه من خريجي معسكر الهامة.
تعرض المعسكر لمرتين من الغارات والقصف الجوي "الإسرائيلي"، كانت الغارات الأولى عام 1968، والثانية عام 1973 قبل حرب تشرين الأول/اكتوبر بعدة أشهر، فأستشهد ثلاثون عنصراً، على رأسهم قيادة المعسكر آنذاك الشهيد أبو الأدب، ومن شدة القصف الجوي تطايرت الأتربة والحجارة التي أغلقت طريق دمشق بيروت القديم لبعض الوقت.
وبعد حرب تشرين الأول/أكتوبر، وتحديداً بعد العام 1975، وتوسع العمران البشري في منطقة قدسيا والهامة، وبعد تعرض المعسكر لعمليات القصف الجوي "الإسرائيلي" قامت حركة فتح بتفكيك المعسكر نهائياً، ونقله لمواقع مختلفة فوق الأرض السورية. لكنه بقي ومازال حياً في ذاكرة العمل الوطني الفلسطيني بإعتباره المعسكر الأساسي في البدايات الوطنية الفلسطيني، والمعسكر الذي خرج القوافل المتتالية من مناضلي ومقاتلي الثورة الفلسطينية المعاصرة.
ويحضرني في هذا السياق، أن أحد مقاتلي حركة فتح (والد الشهيد جهاد رشراش الذي استشهد في حصار بيروت)، من معسكر الهامة، ومن رجالات مخيم اليرموك، كان قد دعا قيادة المعسكر للغداء في منزله بالمخيم، ولم تأخر قدوم المدعوين وعلى رأسهم أبو عمار لسببٍ له علاقة بالعمل، قام صاحب الدعوة بنقل الطعام الى المعسكر مباشرة.
(الصورة : معسكر أشبال حركة فتح في اليرموك عام 1971 والصورة من عند الأخ ابو صالح مثقال).
بقلم علي بدوان
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت